أظهر إعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز فجر الخميس، بدء عملية عاصفة الحزم، لإعادة الشرعية في اليمن وكبح جماح المتمردين الحوثيين، بعد انقلابهم على السلطة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي في العاصمة اليمنية صنعاء، واستيلائهم على المزيد من الأراضي وصولا إلى العاصمة الجنوبية عدن.
رفض الحوثيون أعمال العقل ولم يأخذوا الدعوات الأممية والخليجية محمل الجد، وفوتوا فرصة الحوار الذي دعت إليه الرياض تحت مظلة مجلس التعاون لإزالة الخلاف بينهم وبين بقية المكونات اليمنية والتفاهم على مستقبل سلمي لبلادهم، ولم تدرك جماعة أنصار الله أهمية التصريحات التي أدلى بها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لدى لقائه الأحد الماضي بنظيره البريطاني فيليب هاموند، والتي شدد خلالها بأن دول الخليج ستتخذ الإجراءات لحماية المنطقة في حال لم يمكن التوصل إلى حل سلمي للفوضى في اليمن.
وذكر وزير الخارجية السعودي، أن كل الدعوات إلى المؤتمر اليمني بالرياض، أرسلت لجميع الطوائف اليمنية، ولم يكن هناك أي استثناء، وقال: «قدمنا المكان والدعم للرئيس هادي، ولا أحد يتم رفضه في حضور المؤتمر اليمني، وليس هناك تمييز لأي شخص بطريقة مختلفة عن الأطراف اليمنية الأخرى، كل هذا ليرجع السلام إلى اليمن».
من جهته قال الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أمس، إن الأزمة في اليمن والانقلاب الحوثي مظهر آخر لاختراق النظام الإقليمي العربي ووهنه، و«عاصفة الحزم» صفحة جديدة من التعاون العربي لأمن المنطقة.
وأضاف أن الموقف الإماراتي متقدم سياسيا وعسكريا في دعم السعودية وأمن الخليج، ويدرك شمولية الأمن والاستقرار في المنطقة، واعتبر أن الإمكانيات المتطورة التي بنتها الإمارات والموقف السياسي الصلب لقيادتها ومصداقيتها يضعها في موقع متقدم في دعم الشقيق وفي تعزيز أمن الخليج.
وأبدى قرقاش أمله في نجاح عاصفة الحزم ومضى بالقول: «قلوبنا مع أبناء الخليج المشاركين في العملية، وهدفنا النجاح لإعادة الأمن لليمن وحماية أمن الخليج عبر بوابة اليمن»، وأوضح أن «الإمارات قوة خير واستقرار لصالح الخليج كله ومواقفنا السياسية الواضحة لصالح المنطقة واستقرارها تكتسب الاحترام والمصداقية كما أن علينا أن نوظف الحزم والإرادة الخليجية التي تمثلت في إطلاق (عاصفة الحزم) لتعاون استراتيجي خليجي عربي أوسع يحصن عالمنا ويحفظ أمنه واستقراره».
وشدد على أن قرار عاصفة الحزم لم يأتِ متسرعا وسبقه جهد سياسي مكثف ومبادرات صادقة لم تصادف إلا جحودا وعدوانا، «هذا العلاج جاء بعد أن طرقنا كل الأبواب منذ الانقلاب الحوثي وعدوانهم المتمدد الذي طال اليمن كله وأراد أن يفرض منطق الغالب والمغلوب على شعبه»، مؤكدا أن دعم الشرعية يصب في مصلحة اليمن ومواطنيه.
وفي ظل الفجوة التي أصابت الاستقرار الإقليمي خلال الأعوام الأخيرة، انتهزت إيران الفرصة لمد أذرعها نحو الخليج، ومن ذلك ما حدث في العاصمة البحرينية المنامة عام 2011 من تدمير للمؤسسات ومحاولة لإدخال البلاد نحو نفق مظلم، الأمر الذي لقي إجراء خليجيا صارما واكبه دخول قوات درع الجزيرة لإرساء الأمن وإعادة الأمور لحالتها الطبيعية.
وفي محطتها الثانية بعد البحرين لبث الاضطرابات، توغل تأثير إيران إلى داخل اليمن انطلاقا من محافظة صعدة، وشيدت فيها مطارا دوليا، ونقلت إليها معدات وعتاد عسكري مكّن الحوثيين من التمرد على سلطة الرئيس هادي ابتداء من الاستيلاء على أكبر مخزون للسلاح في اليمن في محافظة عمران، الأمر الذي استطاعوا من خلاله بسط نفوذهم والسيطرة على العاصمة صنعاء وإسقاط الحكومة ومحاصرة الرئيس في قصره قبل إجلائه لاحقا إلى عدن، ولم تكتف جماعة أنصار الله بذلك، بل أجرت مناورات عسكرية على الحدود مع السعودية في تأكيد واضح بأنها ستكون مصدرا للتوتر.
لم تتحين السعودية ضوءا أخضر من أية جهة لإخماد نار الفتنة القادمة من اليمن نحو أراضيها، ولم تركن حين دشنت «عاصفة الحزم» التاريخية للمواقف الدولية من أزمات المنطقة والتي ظلت خلال الأربعة أعوام الماضية رهينة للاستنكار دون أن تقدم دعما واضحا لدرء الأخطار المتلاحقة، وهو ما دعا الرياض في وقت سابق لرفض مقعد مجلس الأمن الدولي احتجاجا على قلة فاعليته من القضايا الإقليمية.
حشدت الرياض تحالفا عميقا ضم إلى جانب 4 دول خليجية، مصر وباكستان والأردن والمغرب والسودان، ورأى مراقبون أن عملياتها الحالية في اليمن، طالت مشروع إيران في المنطقة، ووضعت حدّا لتحركاتها في بث التوتر والقلق داخل الإقليم تحسبا لانهيار النظام السوري وإرهاق حزب الله اللبناني جراء استنزافه في الميدان السوري.
خطوة السعودية، جعلت قوى عالمية تعيد مراجعة حساباتها، وهو تأكيد بأن لدى الرياض القدرة على اتقاء الأخطار بمفردها، لكنها تضع الحوار فوق كل اعتبار، وتبعث بالرسائل السلمية والرغبة في الجلوس على طاولة النقاش لوقاية الشعوب من أية كوارث قد تنجم عن آلة الحرب.
وبالعودة إلى إيران، فإن السعودية قد تفاءلت بقدوم الرئيس الجديد حسن روحاني لسدة الحكم في إيران عام 2013 وما صاحب توليه السلطة من شعارات إصلاحية، وأبدت الرياض ترحيبها بفتح صفحة جديدة مع طهران تستجيب مع مصلحة الأمة الإسلامية ووقف التناحر الطائفي بين السنة والشيعة في عدة بلدان، لكن الإشارات القادمة من طهران جاءت معاكسة للتوقعات، وآخرها ما نطق به علي يونسي، مستشار الرئيس روحاني، بأن إيران أصبحت إمبراطورية في المنطقة وعاصمتها بغداد، الأمر الذي عده مراقبون بأنه بمثابة تهكم من النظام في طهران على الأوضاع التي آل إليها الإقليم، وتصريح خرج سهوا يعبر بوضوح عن أجندة الساسة هناك.
«عاصفة الحزم» حملت الرسالة الثانية لـ«طهران» بعد «المنامة»
الحوثيون فوّتوا فرصة الحوار وأفشلوا الحل السياسي
«عاصفة الحزم» حملت الرسالة الثانية لـ«طهران» بعد «المنامة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة