من تركة الحضارة الإسلامية: أبو حامد الغزالي

من تركة الحضارة الإسلامية: أبو حامد الغزالي
TT

من تركة الحضارة الإسلامية: أبو حامد الغزالي

من تركة الحضارة الإسلامية: أبو حامد الغزالي

شهد القرنان الأول والثاني الهجريان حركة فتوحات واسعة النطاق جعلت الدولة الإسلامية ممتدة الأطراف، ومع هذا التوسع جاء كثير من الظواهر الجديدة بعدما اختلطت العرب بالحضارات والثقافات الأخرى، وعلى رأسها الحضارة الغربية ممثلة في الفكر اليوناني القديم، وعلى رأسه أفكار أرسطو وأفلاطون وسقراط.. وغيرهم. وقد شهد العصر الأموي حالة نأي بالذات عن هذه التيارات الفكرية ولم يرغب الخلفاء الأمويون الدخول في عملية التعرف على هذه الثقافات لسببين رئيسيين؛ هما: التعصب للثقافة العربية في إطار تثبيتهم للعنصر العربي على ما سواه ممن دخلوا الدين الإسلامي، إضافة لأن عصرهم لم يشهد المشكلات المرتبطة بأثير هذه الأفكار على المسلمين والمتأسلمين في الدولة الإسلامية الفتية، ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلا، خاصة بعدما تولى العباسيون الخلافة الإسلامية في عام 132 من الهجرة، فلقد كان السند الرئيسي لهم في حربهم ضد بني أمية هم الفرس الذين كان لمعتقداتهم قبيل اعتناق الإسلام أثرها الكبير في نشر بعض أفكارهم التي خرجت عن الرداء الفكري الإسلامي خاصة فرق «المانوية» وارتباطها بمفهوم الخير والشر، إضافة إلى أفكار وتيارات «الغنوصية» في الغرب التي بدأت تضرب في أساسيات الدين الإسلامي من التوحيد والنبوة والطبيعة الإلهية.. وغيرها. لذلك نجد الخليفة أبا جعفر المنصور أول من اهتم بعملية ترجمة الفكر الفلسفي اليوناني لمحاولة الذود عن الإسلام وأفكاره ومعتقداته، مستخدما الفكر اليوناني القديم، خاصة الأرسطي، ثم جاءت خلافة المأمون بن هارون الرشيد لتشهد أقوى عملية ترجمة واسعة للمؤلفات اليونانية القديمة بشكل ممنهج، وعلى الرغم من أنها ساهمت بشكل كبير للغاية في الرد على الأفكار التي هجم بها على الإسلام، فإن هذه الظاهرة اقترنت أيضا بظهور تيارات فكرية داخل العباءة الإسلامية تخرج عن المعتقدات الراسخة والفكر الإسلامي القويم.
وفي ظل هذه الظروف، ولد الإمام أبو حامد الغزالي سنة 450 من الهجرة في خراسان لوالد صوفي، وقد رباه صديق لوالده بعد موته، وسرعان ما بدأ الشاب في السفر لتلقي العلم في ربوع العالم الإسلامي؛ في نيسابور، ثم في بغداد، ليتولى بعد فترة مسؤولية الإشراف على المدرسة النظامية إبان حكم الوزير السلجوقي نظام الملك، ثم مر الرجل بمرحلة عدم استقرار نفسي أدت به إلى اللجوء للتصوف والانعزالية لمحاولة التقرب إلى المولى عز وجل، وقام برحلة طويلة إلى الشام ثم إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، ومنها عاد إلى بغداد ثم إلى مسقط رأسه في طوس، ودخل إلى مرحلة من التصوف إلى أن توفي في عام 505 من الهجرة، تاركا من الإرث الفكري الكثير من المؤلفات؛ على رأسها «تهافت الفلاسفة»، و«إحياء علوم الدين».. وغيرهما من المؤلفات المهمة التي رسمت فكر هذا الرجل.
لقد اعتنى الإمام الغزالي بالتعرف على وسيلة الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، فكان هذا الفكر هو الأساس الذي اشتق من خلاله الكثير من مؤلفاته ورؤاه، وبعد دراسات متعمقة للغاية في الفلسفة اليونانية، خاصة المنهج الأرسطي وما كتبه المسلمون من أمثال الفارابي وغيره، وصل إلى قناعة كاملة بأن الطريق إلى الإيمان لا يمر بالعقل، وهنا وضع نقده للحواس والعقل بوصفها وسيلة للوصول إلى المعرفة النهائية، فلقد بدأ بالشك في الحواس التي رأى أنها كثيرا ما تخدع الناظر إليها، وضرب مثلا بالشمس التي تراها العين المجردة كأنها عملة معدنية بينما هي أكبر من الأرض، لذلك فالبصر والسمع واللمس وغيرها من الحواس يمكن أن تكون مخطئة، وهو ما أكد له أن ضروب المعرفة الحسية يمكن أن تصبح أداة لإخفاء الحقيقة أو اليقين الإيماني، بالتالي لجأ إلى العقل، ولكنه رأى فيه أيضا أداة لا تصلح للتقرب إلى المولى عز وجل، لأنه غير كاف، ومداركه لا تستطيع وحدها أن تدرك فاطر السموات والأرض، بل إن قوة الله سبحانه وتعالي وهيبته وعظمته أقوى من أن يدركها العقل. وهنا وضع الغزالي لبنة فكره الأساسية؛ وهي أن الطريق إلى الله سبحانه وتعالي لا يكون إلا من خلال الإيمان بوصفه وسيلة للعلم اليقيني، فالإيمان هنا يصبح قوام اليقين، وهذا لا يتأتي بالحفاظ على طقوس الدين أو الفروض فقط، ولكنها مرحلة أقوى وأعمق بكثير من هذا كله، فهي تجربة إنسانية عظيمة لمحاولة التوصل بالإيمان إلى طريق الهدى الذي رسمه المولى عز وجل، مقدما بذلك تجربة أقرب ما تكون إلى التصوف هدفها تطهير الروح والجسد والقلب، داعيا إلى ما يقرب من فكر جهاد النفس لإبعاد الروح عن متاع الدنيا للوصول إلى اليقين، ولكنه يرفض أيضا كثيرا من أفكار بعض فرق المتصوفة، التي ضلت الطريق من وجهة نظره باتباع أفكار غير مقبولة وبدع غير مفهومة.
وبمجرد أن وضع الإمام الغزالي أسسه الفكرية في هذا الإطار، توجه إلى نقد الحركات الفكرية التي شاعت في ذلك الوقت، ومعهم المشتغلون بالفلسفة، فلقد تحفظ على كثير من علماء الكلام لأنهم، من وجهة نظره، يستخدمون العقل في الرد على ناقديهم، مؤكدا أن الطريق إلى معرفة الله يتأتى من خلال الإيمان وليس بالحجج العقلية والبراهين المنطقية المستقاة من الفلسفة، وبالتالي تصبح وسيلة خاطئة للوصول للهدف السامي.
كذلك فقد شن الغزالي هجوما ضاريا على فرقة «الدهرية» التي نعتها بالكفر مباشرة لأنهم يؤمنون بأن العالم موجود منذ الدهر، وهو ما يشكك في النص القرآني الواضح. كما أنه رفض فكر بعض الفرق التي رأت في الحساب والعقاب في الآخرة تجربة روحية غير مادية، كما تصدى لأفكار فرق دخيلة على الإسلام نادت ببدع فكرية لا أساس لها في الدين الإسلامي من قريب أو بعيد.
لقد شن الغزالي هجومه مستندا إلى مبدأ علمي قوي؛ وهو رفض قانون السببية في التعامل مع الإيمان، فلقد وصل إلى قناعة كاملة بأن السببية غير قابلة للتطبيق في الطريق إلى الإيمان وإلى الله سبحانه وتعالى، فهو يرى أن قانون السببية غير ثابت، فاقتران ظاهرتين عمليتين كلتيهما معا بقانون السببية أمر غير محسوم علميا، ولكنه مأخوذ على أساس فكري لارتباطهما وتكرار هذا الارتباط مع مرور الزمن، مثلما هي الحال بين الرعد والمطر، فالأولى تتزامن مع الثانية، ولكنها ليست بالضرورة مبنية على مبدأ السببية، فقد يكون هذا المبدأ راسخ في العلوم الطبيعية بالتجربة، ولكنه غير راسخ في الطريق لمعرفة الله سبحانه وتعالى.
كذلك عني الغزالي بمفهوم صناعة الكون الذي رأى فيه أنه مبني على مفهوم الوحدانية الذي هو حجر الزاوية الأول في الدين الإسلامي، بالتالي لا يمكن الدخول هنا في مهاترات الفكر حول خلق العالم من عدمه، فالأمر أكبر من إخضاعه للمفاهيم العقلية الضيقة والأدوات الفكرية غير الكافية للوصول إليه، مؤكدا فكره بأن الإيمان هو قوام العلم في هذا الإطار، وأن الإنسان بفطرته خير، ولكنه يكتسب الشر من تجاربه ونتيجة العوامل الخارجية، وأن أصله روحي وليس ماديا، بالتالي فإن كل إنسان قادر على الوصول إلى تجربة الإيمان.
مما لا شك فيه أن الإمام أبا حامد الغزالي يظل علامة فارقة في الفكر الإسلامي والعالمي على حد سواء، فلقد ساهمت كتاباته بشكل مباشر في تنقية الإسلام من كثير من الأفكار الهدامة التي كانت كفيلة مع مرور الزمن بالتشكيك في العقائد الأساسية للدين الإسلامي الحنيف، وعلى الرغم من تشدده في رفض كثير من المفكرين الذين سبقوه، فإن كتاباته، خاصة ما يتعلق منها بمبادئ الفلسفة والفكر والمنطق، لم يكن هدفها هدم هذه المبادئ، التي يمكن أن تكون أدوات عظيمة للحياة الطبيعية للإنسان وفي فهم الظواهر المختلفة، ولكنه فقط يرى أنها لا تتناسب مع غاية الوصول إلى الله، وحذر من أن تتحول لوسيلة للبعد عن الله سبحانه وتعالى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».