في جزيرة استوائية خلابة مثل سريلانكا، ربما لم يعد هناك مكان أجمل من الشواطئ الرملية البيضاء الممتدة على طول مضيق بالكا، وهو السبب الذي دفع بالمخططين إلى بناء أحد المنتجعات السياحية الفاخرة هناك. لكن مع ذلك، هناك سلبيات للبقاء في «منتجع ثالسيفانا السياحي»؛ فقد يلقى القبض عليك إذا وصلت إلى المكان من دون حجز مسبق، وإذا خرجت في نزهة على الشاطئ بعد غروب الشمس قد يفاجئك جندي من أحد المخابئ يحمل في يديه بندقية آلية ويخبرك أنك تجاوزت منطقة أمنية شديدة الحراسة ثم يأمرك بأن تعود أدراجك.
الموقع الإلكتروني الخاص بالمنتجع يوصي القادمين إليه بطلب قائمة الطعام مقدما، لكن دون أن يحدد مقدار الوقت المطلوب، في مطعم بالميرا، وهناك «بالإضافة إلى مختلف أساليب الاختيار، فإنهم يقدمون لك طبق (جافنا) الخاص الذي يمنحك الطعم الحقيقي للمكان». للنوادل في المطعم شعر رأس قصير وبنية جسدية قوية بشكل مثير للريبة، والطعام غير المطلوب مقدما، رغم أنه مقبول، يبدو كما لو أنه طُهي في مقصف عسكري.
ثم إن هناك مسألة أخلاقية مثيرة للإزعاج من حيث حرية استمتاعك بالمنظر العام للمشهد الذي استولى عليه قبل ربع قرن من الزمان قصف مدفعي دموي لآلاف العائلات التي لا تزال غير مستقرة حتى يومنا هذا. ويتساءل أروناتشالام غونابالاسينغام (69 عاما) وهو رئيس لجنة العائلات بالمنطقة: «هل زرت منطقتنا؟ كيف بدت إليك؟»، حيث إن أيا من تلك العائلات لم ير أو يتلق ثمن ممتلكاتهم التي هربوا منها للنجاة بحياتهم في 5 يونيو (حزيران) 1990.
مر شهران على هزيمة الرئيس ماهيندا راجاباكسا على يد ميثريبالا سيريسينا، الذي تعهدت حكومته سريعا بإطلاق سراح مئات المعتقلين من أقلية التاميل وإعادة معظم الأراضي الواقعة في الشمال والشرق والتي احتلها الجيش السريلانكي ولا يزال يحكم سيطرته عليها.
خلقت تلك الوعود حالة من الفرح بين عشرات اللاجئين، لكن الضحك المستهتر أوجد حالة من الضجر ونفاد الصبر بين بعضهم، وخلق سخطا لدى آخرين، وإدراكا عاما بأن عملية المصالحة لما بعد الحرب هناك لن تكون موجزة أو يسيرة. ويقول الآن كينان من «المجموعة الدولية للأزمات» التي تتخذ من لندن مقرا لها: «حتى في أفضل السيناريوهات، ستكون عملية طويلة ومعقدة».
يكشف المرور حول أرجاء سريلانكا أن نقاط التفتيش العسكرية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها في تلك الجزيرة خلال حربها الأهلية التي استمرت قرابة 30 عاما، والتي اندلعت بين متمردي أقلية التاميل العرقية والحكومة التي تسيطر عليها الغالبية السنهالية، قد اختفت. غير أن الآلام التي خلفها فقدان عشرات الآلاف من الأشخاص والأراضي المستولى عليها لا تزال حية. كل واحد في المنطقة لديه قصة عن أحد المفقودين، والآن فقط بدأت تعلو أصوات أصحاب تلك القصص بعد أن تجاوزت حاجز الهمسات البغيض.
تعهد رئيس الوزراء رانيل ويكرميسينغ، في مقابلة أجريت معه بمكتبه في «تيمبل تريس» (مقر الحكومة)، ببيع منتجع ثالسيفانا وكل المنتجعات العسكرية أو تأجيرها إلى رجال الأعمال بالقطاع الخاص. وأضاف ويكرميسينغ مازحا: «ألديك رغبة في إدارة إحداها؟». لكن مع ذلك، لا يزال الجنود في منتجع ثالسيفانا يعملون على تشييد منشأة جديدة فسيحة على مقربة من الشاطئ ومن المنتجع الأصلي الذي كان قد افتتح عام 2010. وفي «منتجع ماربل بيتش» بالقرب من ترينكومالي، كان هناك عدد كبير من الجنود يقومون على خدمة القليل من العملاء، وهو الأمر الذي يثير حنق أصحاب الفنادق الخاصة.
يقول سوريش كيه. شاه، وهو رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة سيلون: «لا يحب أصحاب الفنادق الدخول في منافسة مع الحكومة؛ فلديهم قواعد العمل الخاصة بهم، وموظفوهم أحرار».
استبدل رئيس الوزراء ويكرميسينغ الكثير من القيادات العليا بالجيش، غير أن هناك تكهنات واسعة الانتشار بأن علاقته مع الجيش شابها بعض التوتر؛ حيث إن المشروعات التجارية على الأراضي المستولى عليها لا توفر للضباط منازل أنيقة وإجازات فاخرة فحسب، بل توفر لهم الإثراء الشخصي كذلك. بدأت حالات الضجر أيضا تنتشر بين جموع أقلية التاميل، مع تزايد الخلافات حول كيفية مواجهة الحكومة الجديدة بقوة، وهي التي انتخبت بتأييد واسع من التاميل أنفسهم. يقول إيسواراباثام سارافانابافان، وهو من أعضاء التاميل في البرلمان السريلانكي والعضو المنتدب لدى صحيفتي «أوثايان» و«سودار أولي»، خلال مقابلة أجريت معه كان يكرر الإشارة فيها إلى رئيس الوزراء الجديد ويصفه بالثعبان الذي لن يفي بوعوده التي أطلقها لأقلية التاميل، «إن غالبية كبار قادة التاميل من الأغبياء».
تسللت عشرات العائلات النازحة، بتشجيع هادئ من بعض قادة التاميل، إلى أراضيهم بالقرب من ترينكومالي في 9 يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم التالي للانتخابات الأخيرة. أقامت تلك العائلات أكواخا من القش مستخدمة المواد المستهلكة المتبرع بها. لم تكن هناك كهرباء، أو مياه للشرب، أو أي مصدر جاهز للطعام، غير أنهم جميعهم أعربوا عن رضاهم التام لوجود أسوار الأسلاك الشائكة التي تحدد مواقع أماكنهم الصغيرة. ولما سئلت عن سبب رغبتها في العيش في أماكن أكثر بؤسا من مخيمات اللاجئين التي غادرتها أجابت مانغولاديفي راسامانيكام (60 عاما) ببساطة «إنها أرضنا».
وهناك جدل كبير حول حقيقة أن هذه أرضها. فقد أزال الجيش المنازل والأشجار والآبار ومعظم المعالم المميزة للمكان. ويقول بعض قادة التاميل إن هناك حاجة إلى جهود مسحية كبيرة، وقال آخرون إن العائلات ستعمل على تسوية أي مسألة تتعلق بالممتلكات بأنفسهم.
وتلوح في الأفق كذلك قضية المعتقلين القابلة للانفجار في وقت وشيك. فخلال الشهر الحالي، اعتبر الإفراج عن الناشط التاميلي جياكوماري باليندران، وهو الذي كان قيد الاعتقال من دون محاكمة لأكثر من عام كامل، خطوة مهمة في اتجاه المصالحة من قبل الحكومة، غير أن إطلاق سراح معتقل آخر يعرف باسم فيرا فاناثان العام الماضي لم يحرك أوتار الأمل هناك.
ظل فاناثان قيد الاعتقال منذ عام 1991 دون توجيه أية اتهامات بحقه، وهو يعاني الآن من متاعب عقلية وجسدية، ولم يذكر أحد وجوده في محبسه كل تلك السنوات إلا مؤخرا، لكنه قال إنه يعلم أنه تعرض للتعذيب وأُجبر على العمل القسري.
* خدمة «نيويورك تايمز»
التجاوزات القديمة ضد التاميل.. قنبلة موقوتة تهدد السلام الهش في سريلانكا
الأقلية القاطنة شمال البلاد ضاقت ذرعًا بوعود الحكومة الجديدة رغم دعمها لها في انتخابات يناير
التجاوزات القديمة ضد التاميل.. قنبلة موقوتة تهدد السلام الهش في سريلانكا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة