بالنسبة للفطنين من عشاق القائد الأسطوري للاتحاد محمد نور، فإنه وبنظرة بسيطة لما بين السطور في أحاديث المدرب الروماني بيتوركا الأخيرة بشأن مصير اللاعب «المبعد» مع الفريق، تتكشف حقيقة لا تحتمل القسمة على اثنين، مفادها أن اللاعب بات رقما هامشيا في النادي الجماهيري، على الأقل إلى حين رحيل هذا المدرب أو إقالته على نحو مفاجئ من رأس الجهاز الفني للفريق.
وفي حديثه الأخير قال بيتوركا ردا على سؤال «الشرق الأوسط» حول مصير اللاعب مع الفريق: «رئيس النادي هو المعني بالإجابة عن السؤال ويمكن أن تسألوه!». وأضاف: «هو يعرف أن عقده مع النادي سينتهي في آخر الموسم، وحينها سنقيم مباراة كبيرة تليق به!».
وبين ثنايا سطور هذه الإجابة يأتي التلميح من المدرب الروماني إلى أنه «لا مجال لعودة اللاعب المبعد من الفريق رغم كل المحاولات الإدارية والجماهيرية، ورغم قوة الضغوط الإعلامية من أطراف تهتم لمصير اللاعب».
وكانت مخالفة نور لتعليمات المدرب خلال معسكر الفريق الخارجي في دبي الإماراتية خلال فترة توقف الدوري السعودي، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ومنذ ذلك الحين وبيتوركا يرفض عودته.
وعند إبعاد اللاعب من المعسكر بررت الإدارة القرار بوجود مخالفات انضباطية من اللاعب دون الإسهاب في التفاصيل، ودخل بعدها برفقة زميله المدافع حمد المنتشري في تدريبات انفرادية بصالة الحديد، لكن عودته طالت ولم يعد هناك أي خطوات محسوسة أو يمكن الاعتماد عليها لعودة اللاعب إلى البساط الأخضر والأضواء وهتاف الجماهير.
وما يعزز هذا الأمر هو تأكيد رئيس النادي إبراهيم البلوي أن «هذا أمر فني بيد المدرب الروماني بيتوركا، ولا يمكن لنا التدخل في عمل الجهاز الفني».
وكان آخر موعد تطابقت المصادر الإعلامية على ذكره لعودة اللاعب لتمرينات الفريق الأساسي هو يوم أول من أمس الثلاثاء، لكن هذا لم يحدث وهو ما يؤكد الموقف المتشدد من قبل المدرب الروماني - ذي الشخصية الحديدية والملقب في بلاده بـ«الشيطان» - تجاه اللاعب التاريخي.
ورغم كل محاولات تخويف المدرب وإقلاقه على مصيره ومن إمكانية انقلاب الجماهير الاتحادية ومعها وسائل الإعلام عليه في حال تعرض الفريق لأي خسارة أو كبوة إذا ما أصر على إبعاد نور بهذه الطريقة، فإنه بيتوركا رفض الانحناء لكل ذلك وأصر على المضي قدما بتشكيلته الشابة المطعمة بالمحترفين المتميزين، مستندا على سلسلة جيدة من الانتصارات يحققها فريقه بين الحين والآخر.
لكن هذا بطبيعة الحال لا يعني أن بيتوركا في ارتياح تام لهذا القرار التاريخي الذي اتخذه وأصر عليه، فهو في قرارة نفسه يدرك حجم الشعبية الجارفة التي يمتلكها اللاعب في المدرجات الصفراء، وهو بلا شك قرأ وسمع عن مدربين سابقين في الفريق دفعوا ثمن وقوفهم في وجه الأسطورة الاتحادية فسقطوا «جماهيريا» ونالوا قسطا كبيرا من الهجوم الإعلامي اللاذع، وانتهى بهم الأمر إلى خارج أسوار النادي الثمانيني.
ففي عام 2009 وبعد الخسارة الرباعية الثقيلة التي مني بها الفريق أمام الشباب في نهائي كأس الملك، اشتعل خلاف كبير بين المدرب الأرجنتيني كالديرون ومحمد نور على أثر رفض الأول مشاركة اللاعب في النهائي. كان كالديرون صرح قبل المواجهة بأن نور ليس جاهزا «ولا يمكنه المجازفة والمغامرة بمشاركته لكي لا يعرضه للأذى ويفاقم الإصابة عليه خاصة أنه ابتعد 3 أيام عن التدريبات». وعلى النقيض من ذلك رد نور بأنه كان جاهزا للمشاركة وبنسبة 100 في المائة واستغرب عدم إشراكه من البداية، ولم يجد رئيس النادي آنذاك مناصا من الوقوف في صف اللاعب وموافقته على حديثه بأنه كان جاهزا للمباراة، فنفذ الأخير بجلده وتعرض الأرجنتيني لحملة جماهيرية وإعلامية عنيفة لم يستطع الصمود أمامها، وتدهور حال الفريق في مباريات الدوري بشكل كبير حتى قررت الإدارة الاتحادية الاستغناء عنه رسميا وتعيين حسن خليفة مدربا مؤقتا.
وقبل رحيل كالديرون كان نور، على اعتبار أنه وصل إلى طريق مسدود مع المدرب الأرجنتيني، قرر «ضمنيا» ترك الفريق وقبول عرض الانتقال إلى الأهلي الإماراتي بنظام الإعارة لموسم واحد في مقابل 5 ملايين ريال، مع راتب شهري يصل إلى 50 ألف درهم، إضافة إلى السكن والسيارة، خلاف حصة الاتحاد الضخمة (10 ملايين ريال)، وكان عضو الشرف منصور البلوي، اعترف صراحة حينها بأن اللاعب كشف له عن خلافات مع المدرب كالديرون انعكست على نفسيته وحالته المعنوية، وقال: «بحسب حديثي مع نور، أعتقد أن خلافه مع المدرب دفعه لإعلان القرار الذي سنعمل على ثنيه عنه».
ورفض كالديرون التصريح علنا بوجود خلافات مع القائد الاتحادي، وقال: «لست في خلاف مع أحد، فأنا أعتز بجميع أصدقائي في السعودية منذ أن كنت مدربا للمنتخب السعودي، وطوال تاريخي لا أربط الأمور بعضها، فالتساؤلات التي وجّهت لي بعد نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال عن عدم إشراكي لنور، أجبت عنها في حينها بأن نور لم يكن جاهزا، وأنني لا أريد المجازفة بإشراكه، وهو غير مكتمل لياقيا، ولو كنت أتخذ الأمور بشكل شخصي من دون النظر إلى مصلحة الفريق لما أشركت اللاعب في مباراتي أم صلال والشباب».
وزاد: «لا يختلف اثنان على أهمية وجود نور في تشكيلة الفريق الأساسية، وأنه لاعب مهم لأي مدرب، فعندما أصبح جاهزا لم أتوانَ في إشراكه، فليست لدي أي مشكلة مع نور أو أي لاعب آخر».
لكن هذا الكلام بطبيعة الحال لم يخف حقيقة أن النار كانت مشتعلة بين المدرب والقائد الاتحادي، ووصلت الأمور بينهما إلى طريقة مسدود.
ولم يكن كالديرون الخصم الأوحد لنور فيما يتعلق بمجال التدريب، فقد تبعه الإسباني كانيدا الذي أقيل في عام 2013 من على رأس الجهاز الفني، إذ رفض الأخير إشراك اللاعب في الديربي التاريخي مع الأهلي ليسجل نور أول غياب عن هذه المواجهة منذ 10 سنوات وهو ما أوجد ردود فعل هائلة، واعتبرها البعض جرأة وحربا حقيقية ضد النجم الأسطوري.
وكان كانيدا علل قراراه بانخفاض مستوى اللاعب في المباريات الأخيرة، وأكد أن اللاعب الشاب هتان باهبري بإمكانه تقديم مجهودات أكبر من تلك التي يقدمها نور.
وعلى أثر هذا القرار شهدت ردهات النادي جولة حرب جديدة بين اللاعب ومدرب الفريق، استمرت حتى يوم رحيل كانيدا، إذ كانت حادثة بصق نور أمام المدرب بعد أن رفض الأخير مصافحته خلال حفل توديعه، واحدة من أكثر الحوادث إثارة في تاريخ علاقة لاعبي النادي بمدربيهم.
وفسر الكثيرون، ومنهم نقاد ومتابعون للشأن الاتحادي، رفض كانيدا مصافحة اللاعب مع بقية اللاعبين بمثابة التأكيد على أن نور كان خلف رحيله، بعد أن سبقت ذلك تصريحات للمدرب لوسائل إعلام في بلاده بشعوره بوجود حرب من خلف الكواليس تهدف إلى إسقاطه.
ودخل النجم الاتحادي في معمعة جديدة، ويتذكر الجميع القرار التاريخي الذي أصدره رئيس النادي محمد فايز في عام 2013 عندما قرر الاستغناء عن نور وعدد من اللاعبين بحجة انخفاض مستوياتهم وعدم مناسبتهم للمرحلة الانتقالية التي تنوي إدارة النادي تطبيقها في ذلك الوقت.
وأثارت جماهير الاتحاد فوضى عارمة في ردهات ناديها احتجاجا على القرار، ورددت هتافات تندد بإبعاد النجم الشهير، وكذلك عبارات مسيئة بحق الرئيس محمد فايز مع المطالبة برحيل إدارته.
وكانت شريحة كبيرة من جماهير الاتحاد أبدت تقبلها للقرار التاريخي كون نور لم يعد يقدم المستوى المأمول منه، إلا أن البعض فجر غضبه تجاه الإدارة بدعوى عدم ملاءمة الطريقة التي تم التعامل بها مع نور، مطالبين بالعدول عن قرار منحه إجازة من المشاركة مع الفريق حتى نهاية الموسم.
ولم تجد الإدارة الاتحادية بعد التجمهر من قبل المشجعين الغاضبين إلا أن تغلق تدريبات الفريق الكروي.
وتحدث عادل جمجوم نائب رئيس النادي الذي قيل بأنه الرجل الحقيقي خلف اتخاذ القرار، عن أن الإدارة ستلتزم بدفع رواتب اللاعبين الذين منحوا إجازة لنهاية الموسم وفي مقدمتهم نور، مبينا أنها تبحث عن مساعدتهم بعد تعرضهم لضغوط من قبل محبي النادي، مشيرا إلى أن مجلس الإدارة اتخذ هذه القرارات لما فيه مصلحة الكيان، واعتبر أنه لا توجد أي إشكالية في منح اللاعبين إجازة وأن تاريخهم محفوظ، مؤكدا أن الإدارة اتخذت هذا القرار بعد استشارة جميع الأجهزة في النادي وأعضاء الشرف.
وواصل: «الجماهير الاتحادية في مباراة الهلال الماضية لم تهتف كعادتها ضد الإدارة، بل هتفت ضد القائد نور وطالبت بإبعاده، إلا أن رد الفعل بشأن إبعاده كان كبيرا بسبب أن وراءه محرضين».
وكان مجلس إدارة الاتحاد برئاسة محمد فايز عقد اجتماعا لمناقشة وضع الفريق على ضوء النتائج غير المرضية التي بات يحققها من مباراة إلى أخرى، وأصدر قرارات تاريخية من بينها إبعاد نور عن النادي.
وحينها كشفت مصادر أن إدارة نادي الاتحاد، ممثلة في نائب رئيس النادي عادل جمجوم، قامت بزيارة أعضاء الشرف المؤثرين في النادي وعلى رأسهم الفريق أسعد عبد الكريم ومنصور البلوي وبعض من أعضاء الشرف، وطرح عليهم فكرة إبعاد قائد الفريق الكروي الأول محمد نور وزملائه الآخرين، حيث اعترض الجميع على الأسلوب الذي ستتخذه الإدارة في إبعادهم، موضحين أن بعض اللاعبين، وعلى رأسهم محمد نور، يجب أن يحترم تاريخهم.
وفي شهر أبريل (نيسان) من ذلك العام وقع نور عقدا مع نادي النصر، ونال قسطا كبيرا من الترحيب والهتاف من قبل المدرجات الصفراء، وتذوق حلاوة الانتصارات والبطولات مع الفارس الذي استيقظ من سبات طويل، ومع بداية عام 2014 وباتفاق مع الرئيس الاتحادي الجديد إبراهيم البلوي قرر العودة إلى بيته الأول، لكن لسوء حظه لم ينل مراده في ظل سعيه لنهاية تليق بتاريخه العريق مع النادي العميد فاصطدم بالمدرب بيتوركا ذي الشخصية الصارمة والحديدية ولم يستطع فرض أسلوبه عليه وفوجئ بعقوبات متلاحقة كشفت عن وجود أزمة حقيقية قد يعيشها مع هذا المدرب.
نور وبيتوركا شخصيتان ذواتا كاريزما قيادية وكل منهما يبدو مزهوا بتاريخه العريق في ميادين الكرة، لذا لا يمكن أن يصلا إلى حلول وسط سوى بتنازل أحدهما عن قناعاته، وهو الأمر الذي أدى إلى هذا التصادم العنيف بين الطرفين ليدفع نور في نهاية الأمر ثمن هذا الصراع.
وفي ظل محاولات الإدارة وبعض الشخصيات الاتحادية التوفيق بين طرفي المعادلة «مستحيلة الحل»، توهم البعض أن الأمور عادت إلى مجاريها بين المدرب والقائد على أثر تقديم الأخير اعتذاره إلى الجهاز الفني وتعهده بعدم التأخر في التدريبات، وقبول المدرب اعتذاره وانضمامه للبعثة المغادرة إلى مدينة دبي الإماراتية من أجل المعسكر الإعدادي، عادت الأمور إلى التوتر وفرضت عقوبة على نور دفعته للابتعاد طويلا عن الفريق، قد تؤدي به في نهاية المطاف إلى الاعتزال بشكل رسمي، وهو ما يبدو مرجحا بشكل كبير بالنظر إلى معطيات وحيثيات القضية التي باتت صداعا مزمنا في رأس الإدارة الاتحادية.
وبكل تأكيد يتحمل نور تبعات كل ما يحدث له في الوقت الراهن، ورغم سجله الباهر «كرويا» فإنه يفتقد في أحايين كثيرة دبلوماسية التعامل مع الشخصيات المحيطة به، وعلى الأخص مدربوه، وهو بلا شك يدفع ثمن اعتقاده أنه ما زال النجم الأوحد الذي ستبقى الجماهير الصفراء منتفضة من أجله إلى الأبد، فلم يكن حريصا على إبقاء شعرة العلاقة بينه وبين المدرب الروماني، وظل يتعامل بـ«لا مبالاة» مع كل نداءات الجهاز الفني بشأن ضرورة انتظامه وتقيده بالتعليمات التي يتبعها جميع زملائه اللاعبين دون استثناء، ومن حصة إلى أخرى ظل يرفض الحضور قبل بدء المران، ويأتي في الوقت الذي يريده، كما أخفق النجم ذو الأعوام الـ37 في الحفاظ على لياقته البدنية مما يمكنه من منافسة زملائه الشبان ومنهم باجندوح وأبو سبعان على مراكز الوسط في التشكيلة الأساسية، ولقد أظهر الروماني بيتوركا مدى حزمه وتشدده في عدم الاعتماد على اللاعب من خلال تعاقده مع اللاعب الروماني سان مارتن واعتماده لاعبا أساسيا في الفريق، ليضع النجم الأسطوري «نور» في مهب الريح.
ويملك نور سجلا حافلا قلما نجد نظيره، فلقد شارك في جميع البطولات الآسيوية منذ عام 1999 وحتى 2006 م بمجموع 38 مباراة حقق فيها 11 هدفا وقاد فريقه لتحقيق 3 بطولات هي كأس الكؤوس الآسيوية عام 1999 م، بعد أن سجل الهدف الثاني في المباراة التي انتهت 3-2 أمام دراغونز الكوري.
وفي دوري أبطال آسيا عام 2004 م، سجل الهدفين الثالث والرابع في المباراة النهائية أمام سيونجنام وانتهت 5-0.
وفي دوري أبطال آسيا عام 2005 م، سجل الهدف الثاني في المباراة التي انتهت بنتيجة 4-2 وهزم الاتحاد فيها نادي العين الإماراتي وكان خلف الأهداف الثلاثة الأخرى، واختير أفضل لاعب في المباراة، وبات اللاعب الوحيد في آسيا الذي يسجل عندما يصل فريقه إلى النهائي.
وقاد نور الاتحاد لكأس البطولة العربية في عام 2005 م وأحرز هدفي الفوز أمام الصفاقسي التونسي.
يعتبر اللاعب محمد نور أكثر لاعب سعودي حقق بطولة الدوري، بواقع 8 مرات، حققها مع الاتحاد 7 مرات وحققها مع النصر مرة واحدة، وهو هداف آسيا بواقع 18 هدفا مع فريق واحد.
هل يكتب بيتوركا نهاية الأسطورة الاتحادية؟!
نور دفع ثمن خلافه مع المدرب الملقب بـ«الشيطان» غاليًا.. وملامح عودته باتت «معدومة»
هل يكتب بيتوركا نهاية الأسطورة الاتحادية؟!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة