لم يفق عراقيون بعد من صدمة ألمت بهم، الأسبوع الماضي، بعد إقدام «داعش» على تهديم آثارهم في الموصل، حتى صدمهم خبر «تجريف» مدينة نمرود الآشورية الأثرية في شمال البلاد هذه المرة، من قبل العصابات ذاتها، باستخدام الآليات الثقيلة، مستبيحة بذلك المعالم الأثرية التي تعود إلى القرن الـ13 قبل الميلاد وما بعده.
جرافات ومعاول «داعش» التي استهدفت الآثار خلّفت جدلا ومعركة اتهامات في الوسط الثقافي والإعلامي والآثاري العراقي، بشأن أهمية تلك الآثار وما حصل من تشويه وإهمال لها طيلة السنوات الماضية، ونظرة البعض لها، وردود فعل متباينة.
وزارة الثقافة العراقية، أكدت في تصريح خصت به «الشرق الأوسط» ردا على الحادث، بأن التدمير بفعلته البشعة يعبر عن حالة من «اليأس» التي وصلت إليها قيادات «داعش» الإرهابية وهي تحاول محو هوية الإنسان العراقي، وأن الجريمة ليست بالجديدة، فقد أقدم عليها من قبل في مدن عدة مثل أفغانستان.
وقال وزير الثقافة العراقية فرياد رواندزي: «نحن كوزارة ثقافة نعلم أن (داعش) يعلن حربه على الحضارة الإنسانية للعراق، ويجب على جميع الدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى المنظمات العربية والعالمية أن يفكروا أكثر من مرة بأهمية صد هجوم (داعش) لمدينة النمرود القديمة، فحضارة البلاد ليست ملكا للعراق وحده إنما هي ملك للإنسانية كلها». وطالب بأن يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء هذه الانتهاكات الخطيرة بحق التراث الإنساني العالمي، وطرد كل منابع الإرهاب ومموليه والواقفين معه، وكذلك نطالب السلطات العراقية المعنية بالدفاع عن الأرض بالتحرك سريعا لتحرير مدينة الموصل وإنقاذ ما تبقى من تراث الأجيال».
بدوره، قال الفنان والباحث العراقي إبراهيم رشيد في معرض رده على ما حصل لتخريب الآثار بالقول: «ما يحدث اليوم من تدمير لكنوز الحضارة ليس جديدا علينا، فمنذ الأزل ونحن نحطم ما نبنيه! لا نبقي أثرا لنا ولا لغيرنا، كما أن ما يحدث من تشويه للتأريخ والدين ليس نابعا من صورة الغرب لنا، بل نابعا من ثقافتنا الإقصائية وأفعالنا العنيفة والمدمرة، الأمر الذي أدى إلى تحطيم ذاتنا وهويتنا بأيدينا وبأبشع صورة لها، وأصبحت ثقافتنا وحضارتنا غير حاضرة ولا فعالة، بل مشوهة وقد أصابها الكثير من العقم، لقد حولنا صراعنا مع العالم باقتدار إلى صراع مع (ما بعد التخلف) وليس صراعا مع (ما بعد الحداثة)».
أما الفنان والإعلامي ناصر الربيعي، فقال: «ربما كان مقطع الفيديو الذي بثه إعلام (داعش) عن عملية تكسير وتحطيم موجودات المتحف الآثاري في الموصل سببا في جذب الانتباه لدى الكثير من العراقيين عن جانب حيوي في التراث التاريخي العراقي لقي من الإهمال والازدراء منذ 2003 ما جعله منسيا تماما أحيانا.. فما إن ظهرت معاول التكفيريين، وهي تهوي على رؤوس الآلهة الأشورية والثور المجنح حتى تنبه المعنيون إلى أن للبلد آثارا وتاريخا يكاد يندثر، وسارعوا إلى المناشدات والتنديد وحتى فتح أبواب المتحف العراقي المغلق منذ سنين لأسباب عقائدية».
وأضاف: «هناك من كان يصف ذلك الإرث الإنساني العظيم بأنه عبارة عن أصنام وأوثان، فالحقيقة أن عملية إذابة وتحطيم آثار البلد لم تكن في مقطع الفيديو هذا، بل بدأت منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وحتى الصور التي بثت والتصريحات الحكومية التي تلتها خلقت حالة من الإرباك بين الشك واليقين عن حقيقة ما جرى، بل أكاد أجزم أننا لن نصل إلى أي نظرية صائبة في هذا الموضوع؛ فمع غبار التكسير وضبابية الموقف الرسمي ضاعت النمرود والحضر، وكل ذلك التراث الخالد».
ووصف المهندس حامد رويد رئيس مركز «ميزوبوتاميا للفن الرافديني»، ما فعله «داعش» في تحطيم الآثار، بأنه عملية إبادة ثقافية (هولكوست) لأجل هدم الحضارة وطمسها بالذات في المنطقة المحصورة في الهلال الخصيب».
وتوقع أن عصابات «داعش» قد قامت من قبل بسرقة الآثار من القطع النفيسة والسهلة الحمل للمتاجرة بها في الخارج، أما القطع الكبيرة فعمدت إلى تحطيمها لأنها لم تستطع نقلها.
جرافات «داعش» تثير جدل الاهتمام بالمعالم الأثرية في العراق
وزير الثقافة العراقية: اعتداء على الإرث الإنساني وليس العراقي فحسب
جرافات «داعش» تثير جدل الاهتمام بالمعالم الأثرية في العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة