أبراج شاهقة بتصاميم مبتكرة في الصين

«لؤلؤة الشمال» يعبر عن ماضي مدينة شنيانغ الشمالية وتراثها الصناعي والثقافي

برج «لؤلؤة الشمال»  -  مبنى بمدينة هيوانان مشيد على شكل آلة كمان وبيانو  -  تصميم لـ«حلقة الحياة»
برج «لؤلؤة الشمال» - مبنى بمدينة هيوانان مشيد على شكل آلة كمان وبيانو - تصميم لـ«حلقة الحياة»
TT

أبراج شاهقة بتصاميم مبتكرة في الصين

برج «لؤلؤة الشمال»  -  مبنى بمدينة هيوانان مشيد على شكل آلة كمان وبيانو  -  تصميم لـ«حلقة الحياة»
برج «لؤلؤة الشمال» - مبنى بمدينة هيوانان مشيد على شكل آلة كمان وبيانو - تصميم لـ«حلقة الحياة»

كان لمدينة شنيانغ مكانة عالمية بارزة في أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر عندما جعل أباطرة المانشو الغزاة من المدينة عاصمة للصين. وبعد مرور أكثر من 400 عام، يأمل مخططو المدينة أن تتمكن الهندسة المعمارية من إعادة وضع هذه المدينة الصناعية الباردة على الخريطة رغم وصف كثير من سكان المدينة لمشروعات كبرى أخرى، بأنها اختيارات خاطئة.

* أبراج «تعبيرية»
ستضم مدينة شنيانغ قريبا البرج الإداري المسمى «لؤلؤة الشمال» الذي يتكون من 111 طابقا، ليكون بذلك سابع أكبر مبنى في العالم متفوقا على أحد أبراج مركز التجارة العالمي الذي يعد أعلى مبنى في الولايات المتحدة الأميركية. وبالنسبة إلى من لا يتسمون بالحس النقدي اللاذع، سيكون المبنى مجازا مختلطا ارتفاعه 568 مترا تستقر على قمته كرة عملاقة تمثل لؤلؤة تتلألأ باللون الذهبي ليلا. ويهدف هذا الضوء إلى التعبير عن معنى المعدن المنصهر في إشارة للاحترام والتبجيل لتراث المدينة الصناعي.
وتم تصميم المبنى الرفيع بحيث يثير خلال النهار ذكرى الغوزهينغ، وهي آلة وترية تقليدية صينية. تنفتح المداخل الرئيسية في الطابق الأرضي في إشارة إلى الخيام التي كان يسكنها البدو الذين كانوا يتجولون في تلك المنطقة يوما ما. وغاب هذا المعنى عن بعض سكان المدينة، حيث تقول امرأة من الأغنياء تحمل حقائب من متاجر لها علامات تجارية شهيرة عالمية: «لم أفهم كيف يمثل التصميم مدينة شنيانغ، إلا بعد أن تم توضيحه لي. ولولا ذلك لكنت رأيته مثل المباني الشاهقة الأخرى في مدن كبرى أخرى». وقال رجل مسن متقاعد إنه إهدار للمال: «ما حاجتنا إلى مثل تلك المباني الشاهقة؟».
أما شركة «باونينغ ريل ستيت» للتنمية العقارية فتفاخرت بـ«لؤلؤة الشمال» في رسالة على موقعها الإلكتروني جاء فيها: «يمثل هذا المبنى المتميز خطوة راسخة في طريق تقدم شنيانغ لتكون مدينة عالمية». ويرى محللون أن البرج، الذي يرتفع في هذه المدينة التي يسكنها نحو 8 ملايين نسمة، دليل على عقدة بناء المباني في الصين. وقد وصلت مساحة المكاتب الإدارية في شنيانغ إلى 28.7 في المائة خلال الربع الثالث من عام 2014 حسب بيانات شركة «دي تي زي ريسيرش» للاستشارات العقارية. ويقول هو كي، أستاذ العمارة في جامعة نورث إيست بشنيانغ في حديث لـ«وول ستريت جورنال»: «لدى شنيانغ بالفعل عدد كبير من ناطحات السحاب، ولا أعتقد أن هناك طلبا عليها». ويقول وانغ غوانهوا، مدير مشروع لدى شركة «باونينغ» إن البرج لن يكون جهدا ضائعا نظرا لما تشهده المدينة من نمو سريع. ويوضح قائلا: «أعتقد أن المدينة بحاجة إلى مزيد من المباني. ويتسم المبنى الذي شيدناه بالتميز وموقعه هو أفضل مميزاته».
وكانت مدينة شنيانغ تعرف حتى وقت قريب برياحها الشديدة وبمبان غريبة أخرى وإن كانت أقل حجما. وفي عام 2001 تم تشييد مبنى من 25 طابقا بحيث يبدو مثل عملة صينية قديمة، وتم إدراج هذا المبنى على قائمة أقبح المباني في العالم. ولم يعلق أي ممثل عن شركة التنمية العقارية، التي تولت مهمة تشييد المبنى، على هذا الأمر.
وفي عام 2012 أعادت السلطات المحلية الكرة مرة أخرى من خلال بناء «حلقة الحياة» وهي حلقة معدنية تزن 3 آلاف طن في المتنزه الذي صممه مصمم يقيم في كاليفورنيا. وكان يفترض أن تمنح الحلقة، التي تشبه المدخل الذي يتخذ شكل قوس في سانت لويز، رمزا يتم التعرف عليه منذ الوهلة الأولى، لكنها باتت مثار سخرية مستخدمي الإنترنت في الصين. وسخر البعض منها لأنها تبدو مثل بوابة لبعد آخر تشبه تلك التي ظهرت في أفلام «ستار غيت» والبرامج التلفزيونية. وعرضت برامج شعبية ساخرة على الإنترنت صورا متلاعبا بها تظهر كل شيء من القطط إلى سفن الفضاء وهي تمر عبر الحلقة.

* تصاميم مبتكرة
وتأمل المدينة ألا تواجه «لؤلؤة الشمال» موجة مثل هذه من السخرية. وقبل بدء عملية البناء، اتخذت الشركة خطوة استثنائية بالنسبة إلى مدينة صينية تقع في الشمال. وليست مدينة شنيانغ المدينة الوحيدة في الصين التي لديها هذا التوجه نحو بناء مبان شاهقة، حيث تم بناء كثير من أطول ناطحات السحاب في العالم في أماكن لم يسمع بها سوى قلة قليلة من خارج الصين. وبحلول عام 2020، من المتوقع أن يتم الانتهاء من بناء 12 من بين 20 أطول برج في العالم في مدن مثل شنيانغ، ووهان، وسوجو، بعيدا عن ميدان تيانانمن في بكين أو أضواء شنغهاي الباهرة. ويمثل وصول الصين إلى عنان السماء جزءا من جنون البناء الذي أدى إلى انتشار مراكز المؤتمرات، والملاعب الرياضية، والمتاحف، ومراكز التسوق المكروهة في البلاد بشكل أكثر من اللازم.
ويمثل قطاع العقارات حاليا عبئا على الاقتصاد الصيني وأحد الأسباب التي قد تؤدي إلى فشلها في تحقيق النمو السنوي المستهدف للمرة الأولى منذ عام 1998، على حد قول خبراء الاقتصاد. وقد ظلت السلطات المحلية في الصين تحاول لفترة طويلة تمييز مدنها من خلال المعمار، وتفاوت نجاح كل منهم. واتجه البعض إلى التعبير عن التبجيل من خلال تشييد مبان على طراز البيت الأبيض، ومبنى «كابيتول هيل»، مقر الكونغرس في الولايات المتحدة، والكرملين.
وتشمل تصاميم مبتكرة أخرى متحفا مبنيا على شكل كوب شاي، وآخر مشيدا على شكل بيانو ضخم و«كمان». وفرض الرئيس الصيني شي جين بينغ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قرارا بمنع بناء ما وصفه بالمباني «الغريبة». ومن المرجح أن تتيح المجموعة الجديدة من ناطحات السحاب للسلطات المحلية الاستمرار في البناء في مخالفة واضحة صريحة لاتجاه سياسة شي.
وقد قامت شركة «بينغ آن غروب»، التي ستتولى مهمة بناء مقر ارتفاعه 2.165 قدما (660 مترا) في شينزين، ببناء ناطحة سحاب في شنغهاي تبدو مثل معبد يوناني بارتفاع أقل؛ ومغطى بصف من الأعمدة اليونانية بطول القمة التي تتخذ شكل قبة. وتقع 60 في المائة من بين أطول المباني البالغ عددها 100 والتي لا تزال تحت الإنشاء، في الصين، حسب بيانات مجلس المباني المرتفعة والبيئة العمرانية في شيكاغو. وأكثر تلك المباني في مدن لا تشتهر بكونها مراكز مالية عالمية مثل تلك التي تجذب كل أنماط العملاء الراغبين في دفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على مساحة إدارية.
وهذه ليست سوى البداية بالنسبة إلى شنيانغ، فهناك 3 أبراج أكثر ارتفاعا من مبنى «كرايسلر» في نيويورك قيد الإنشاء. وحسب روبرت تين إيلسن، المصمم الهولندي المقيم في شنيانغ، قدمت شركات التنمية العقارية خططا لبناء 12 ناطحة سحاب جديدة إضافة إلى مبنى «لؤلؤة الشمال». كذلك، وحسب تقديرات مجلس المباني المرتفعة والبيئة العمرانية، من المفترض أن يخرج مبنى «لؤلؤة الشمال» من قائمة أطول 10 مباني في العالم بحلول عام 2020 أي بعد عامين من تاريخ الانتهاء من بنائه المتوقع.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً