جيمس بوند ما زال يتصدر جواسيس السينما لكن عدوه الجديد قد يكون الأخطر

عالم مكتظ بالجواسيس

دانيال كريغ يعود في «سبكتر»  -  المخرج سام مندس وراء الكاميرا
دانيال كريغ يعود في «سبكتر» - المخرج سام مندس وراء الكاميرا
TT

جيمس بوند ما زال يتصدر جواسيس السينما لكن عدوه الجديد قد يكون الأخطر

دانيال كريغ يعود في «سبكتر»  -  المخرج سام مندس وراء الكاميرا
دانيال كريغ يعود في «سبكتر» - المخرج سام مندس وراء الكاميرا

كاميرتان، واحدة على مقدمة سيارة آستون موديل DB10 والأخرى على مؤخرة سيارة جاغوار (موديلC‪ - ‬X75)، تقومان بالتصوير معا كلتاهما موجهتان ضد الأخرى، وذلك في مشهد مطاردة بين سيارتين سنراه في الفيلم الجديد من سلسلة جيمس بوند وعنوانه «سبكتر».
لا داعي للمخرج سام مندس هنا. لقد ترك المهام لمخرج الوحدة الثانية المكلفة بإخراج مشاهد المطاردة والأكشن غير الفردية (تلك التي لا تحتوي على لقطات أو جهود تمثيل من الممثلين الرئيسيين). لذا، وبينما تقع المطاردة في الشارع المؤدي إلى الفاتيكان في روما، يحصر المخرج مندس ممثليه في ستديوهات باينوود التي طالما استضافت سلسلة جيمس بوند سابقا.
لكن، هذه ليست المرة الأولى التي يتم تصوير مشاهد بوندية في روما. التصوير الذي وقع في أواخر الشهر الماضي بالقرب من الفاتيكان وفي نواحي نهر تيبر كان نوعا من الاحتفاء على مرور 20 سنة على تصوير فيلم آخر من سلسلة بوند في روما. ذلك الفيلم هو «غولدن آي» الذي تولى بطولته بوند آخر هو بيرس بروسنان تحت إدارة المخرج مارتن كامبل.
الفارق، يحلو لي أن أقول، هو أن المطاردة في ذلك الفيلم تمت بين سيارتي آستون وسيارة فيراري ولم تكن الأجهزة التقنية على ما هي عليه الآن من تقدم، ولو أن مشاهد المطاردة كانت جيدة في ذلك الفيلم وعلى النحو المنشود لها.

* اتجاه تقني
«سبكتر» هو الفيلم الرابع والعشرين من السلسلة الأشهر في عالم الجاسوسية. وهو الفيلم الرابع لبوند الجديد كما يقدمه دانيال كريغ والثاني للمخرج سام مندس الذي واجه حب الجمهور لفيلمه السابق «سكايفول» فانطلق مواجهة مهمة مستحيلة: تجاوز ما حققه سابقا من أسباب ذلك النجاح. والأسباب متعددة وكل جانب منها عبارة عن ميدان شاسع مليء بالحسابات والتحديات. هناك ما هو فني وما هو تقني وما هو إنتاجي ثم ما يتعلق بمن يقف خلف الكاميرا من فنيين وما يقف أمامها من ممثلين وما هو درامي أيضا. هذه المرة تعود منظمة «سبكتر» التي قدمتها أفلام جيمس بوند السابقة في الستينات كمنظمة إرهابية تشرف على كل قلاقل العالم إلى الواجهة، في عالم فيه ما يكفيه من قلاقل.
لكن الجاسوسية تختلف اليوم عما كانت عليه بالأمس.
في الواقع لم يعد الأمر يتطلب «سوبرهيرو» بل «سوبرماشين». لن يكن مرغوبا، في كل مرة، الدفع بمتسللين إلى ما وراء خطوط العدو للتنصت والرصد وكتابة التقارير المشفرة. التقنيات الحديثة تقوم بكل ذلك من دون تعريض العنصر البشري للمخاطر.
إنه أسلوب فيلم «محادثة» لفرنسيس فورد كوبولا (1974) الذي بدا آنذاك شططا خياليا: رجل يستطيع أن يتنصت على أحاديث الناس عن بعد بآلة استرقاق سمع وتسجيل لحساب جهاز حكومي، في حين أن الصورة المفضلة لهواة أفلام الجاسوسية كانت أولئك الرجال (غالبا) القادرين على الوصول إلى أدق أسرار المنظمات والدول المعادية متحدين القوى المختلفة والظروف الصعبة، تليها تلك المشاهد التي ينكشف فيها الغطاء عن الجاسوس فيتعرض لمحاولات القتل وللمطاردات وينجو في كل مرة. من قال إن الدنيا تخلو من العجائب؟
من «المحادثة» إلى «سيتيزنفور» (النقد أدناه) حلقة كاملة. فيلم «كوبولا» حذر من الاتجاه التقني الجديد في عمليات التجسس والفيلم التسجيلي للورا بويتراس يخبرنا أن العلوم التقنية تم تجييرها لصالح الدول القادرة على امتلاك كل القدرات لرصد الناس، كل الناس، من دون الحاجة لجهد بدني أو بشري واحد.

* رصدا للكيفية
لكن بوند لا يبدو أنه يستطيع الاتكال كثيرا على هذا النحو من العمليات. لو استطاع لكان معنى ذلك أن يرتاح من عناء عمله ويقبل بوظيفة تبقيه في جوار السيد «م» (يؤديه حاليا راف فاينس) والسكرتيرة مونيبيني (ناوومي هاريس). سيرتاح من عناء المخاطر التي تقوده إلى أكثر من باب يؤدي إلى الموت فيتجنبه في آخر لحظة، ومن تلك الرحلات غير المحمودة العواقب ما بين عواصم ومدن مختلفة (في الفيلم الجديد حضور للمغرب والمكسيك وبريطانيا وإيطاليا). بالتالي، لتغير نظام الاستقبال لدى ملايين الناس التي تود أن ترى جيمس بوند في «الأكشن» وليس وراء المكتب.
بوند، منذ فيلمه الأول، «دكتور نو» (1962)، كان رجل عنف ومجابهات. شيء مثل تطبيق المثل مع بعض التحوير «إن لم تكن بوند أكلتك الذئاب»، والذئاب حينها كانت روسية وصينية ومؤسسات تعمل في السر للتسبب في اندلاع حروب عالمية أو أخرى تريد سرقة مخزون الولايات المتحدة من الذهب الخالص. بوند قدر له، بالاستناد إلى مؤلفه إيان فليمنغ ثم إلى براعة منفذيه جميعا، أن يكون بطل العالم للمهام التي لا يستطيع جاسوس آخر القيام بها الذي قد يستحق نوبل للسلام بحسب عدد المرات التي منع فيها حدوث كوارث عالمية.
لكن، حتى في ذلك الحين لم تكن صورة بوند حقيقية. ليس أن العنصر الخيالي لم يكن مقصودا، بل كان طاغيا، بل من حيث إن ما قام به بوند من مغامرات ليس تماما ما يقوم به الجواسيس. هناك مخاطرات فعلية بالطبع، لكن لا توجد بطولات خارقة مثل السقوط من الطائرة والهبوط على الأرض بسلام من دون مظلة أو مثل تعرضه لهجوم تماسيح تخفق في التهامه أو كغرق سيارته في البحر وتحولها إلى غواصة في الوقت المناسب قبل أن يموت.
جواسيس ما قبل بوند (وما بعده ولو على نحو محدود) تؤمن بدراسة الشخصيات الماثلة وتفضيل الدراما النوعية على الحركة والمغامرة. التشويق المتأتي من مراقبة الوضع أكثر من ذلك الآتي بمساعدة التكنولوجيا داخل الفيلم وخارجه.
ألفرد هيتشكوك أوصل الأفلام الجاسوسية إلى مرتبة عالية من التشويق عندما حقق، على نحو متوال، «الرجل الذي عرف الكثير» (1934)، و«الدرجات الـ39» (1965)، و«عميل سري» (1936)، و«سابوتاج» أو «تخريب» (1936). ثم أكمل أميركيا مع «مشهورة» (1946)، و«شمال، شمالي غرب» (1959).
لكن، حتى هذه الأفلام التشويقية لم تكن رصدا للكيفية التي يعمل بها الجواسيس بقدر ما كانت حبكات تشويقية خالية من عنصر المغالاة في القدرات الإنسانية. في «الرجل الوسيط» لكارول ريد (1953)، ذلك النوع الأهدأ من الرصد لأزمة رجل أجبر على التعاون مع البريطانيين خلال الحرب الآيرلندية الأهلية. وفي «الرجل الذي لم يكن» لرونالد نيم (1956) الذي كان تلميذا لهيتشكوك؛ إذ اشتغل تحت إدارته مصورا في الثلاثينات، حكاية الجاسوس البريطاني الذي نجح في تعطيل آلية الدفاع عن جزر صقلية خلال هجوم الحلفاء سنة 1943.
لن يفيد هنا الإتيان بأمثلة كثيرة؛ إذ إن السينما الجاسوسية تتعدد وتتكاثر في اتجاهاتها وأنواعها وأحجامها. لكن المفاد في هذا الشأن هو أن العدو الجديد لبوند لن يكون في المستقبل مؤسسة سبكتر أو الروس أو الإكوادوريين. في الحقيقة لن يكونوا من البشر بل من تلك التراكمات العلمية والتقنية التي تسارع لأن تحيله على المعاش.

* على غرار بوند
* ككل بضاعة ناجحة هناك مقلدون، وفي الستينات عندما انطلق جيمس بوند أول مرة طغت تسونامي الأفلام الشبيهة جادة وهزلية ولعبت على الاسم والرقم ومنها: «العميل 8 3/‬4»، و«جيمس تونت»، و«008: العملية: إبادة» و«العميل 077 من الشرق مع غضب»، كما «مافياويان ضد غولدفينغر» و«د. غولدفوت وبيكيني ماشين».



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.