القوات العراقية تتقدم بحذر نحو تكريت من 3 محاور.. تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف

قائد فيلق القدس الإيراني يقدم المشورة > 30 ألفا من عناصر الجيش والشرطة والحشد الشعبي وأبناء العشائر يشاركون في الهجوم

عناصر في الحشد الشعبي يتموضعون قرب تكريت أمس (إ.ب.أ)
عناصر في الحشد الشعبي يتموضعون قرب تكريت أمس (إ.ب.أ)
TT

القوات العراقية تتقدم بحذر نحو تكريت من 3 محاور.. تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف

عناصر في الحشد الشعبي يتموضعون قرب تكريت أمس (إ.ب.أ)
عناصر في الحشد الشعبي يتموضعون قرب تكريت أمس (إ.ب.أ)

توغلت القوات الأمنية العراقية والقوات المساندة لها من مقاتلي الحشد الشعبي والعشائر في مناطق عدة من مدن محافظة صلاح الدين مع انطلاق عملية تحريرها من سيطرة تنظيم داعش فجر أمس.
وفي تطور لافت، كشفت مصادر ميدانية مطلعة في تكريت أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني وصل إلى المدينة السبت لتقديم الاستشارات للقادة العراقيين في عملية تحرير المحافظة.
وذكرت وكالة «فارس» للأنباء الإيرانية أنه كان في استقبال اللواء سليماني لدى وصوله تكريت قادة الجيش والحشد الشعبي. وأضافت أن سليماني شارك استشاريا في العديد من عمليات تحرير المدن والمناطق المهمة في العراق ومنها تحرير جرف النصر (جرف الصخر سابقا).
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال العقيد محمد إبراهيم، مدير إعلام الشرطة الاتحادية التي هي إحدى التشكيلات الرئيسية في حملة تحرير محافظة صلاح الدين، إنه «تم تحرير 3 أحياء في تكريت (مركز محافظة صلاح الدين) وهي مناطق حي الطين وحي القادسية ومنطقة البوعبيد. كما تم تحرير منطقة تل الفضلي وقرية الطارش الواقعتين قرب مناطق البوعجيل». وأشار إلى أن القوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر تستخدم لأول مرة المدافع الثقيلة، موضحا أن المساحة التي تدور فيها المعارك تتجاوز 5 آلاف كيلومتر.
ويشارك في العملية العسكرية التي أعلن عن ساعة الصفر لانطلاقها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي من سامراء أول من أمس نحو 30 ألف عنصر يدعمهم الطيران العراقي وهدفها النهائي استعادة مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس الأسبق صدام حسين.
وقال ضابط برتبة لواء في الجيش لوكالة الصحافة الفرنسية إن القوات تتقدم نحو تكريت عبر «3 محاور أساسية باتجاه الدور والعلم وتكريت (...) كما سيتم التحرك بمحاور فرعية أخرى لمنع تسلل وهروب (داعش)».
وتتقدم هذه القوات بالاتجاه الجنوبي لتكريت الواقعة عند ضفاف نهر دجلة، انطلاقا من سامراء، وشمالا من قاعدة سبايكر وجامعة تكريت التي تستخدم حاليا كمقر عسكري، وشرقا من محافظة ديالى التي كانت القوات العراقية أعلنت الشهر الماضي «تطهيرها» من تنظيم داعش. ولم يتضح ما إذا كان طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن مشاركا في عمليات القصف. لكن اللواء في الجيش أشار إلى أن التغطية النارية «كبيرة (...) لضمان التقدم نحو تكريت وقطع طرق الإمداد»، مشيرا إلى أن القوات الأمنية تتقدم بحذر تخوفا من «قيام (داعش) بهجمات انتحارية».
ويلجأ التنظيم المتطرف عادة إلى التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة والقنص ضد القوات التي تحاول استعادة المناطق التي يسيطر عليها. وغالبا ما يستخدم في هجماته الانتحارية آليات عسكرية استحوذ عليها بعد انهيار العديد من قطعات الجيش العراقي في وجه هجومه في يونيو (حزيران) الماضي.
وحسب وكالة «رويترز»، واجه الجنود ومقاتلو الفصائل الشيعية مقاومة شديدة من مسلحي «داعش» الذين أتيحت لهم عدة أشهر للتحصن. وأفادت مصادر عسكرية وطبية بأن 16 من الجنود المتقدمين و11 من مقاتلي الفصائل الشيعية قتلوا في إطلاق نار وتفجيرات قنابل مزروعة على جوانب الطرق. وقالت الشرطة ومصادر مستشفى إنه إلى الشرق من سامراء أيضا قاد انتحاري سيارته المحملة بمتفجرات نحو قافلة من مقاتلي الفصائل فقتل 4 مقاتلين. كما أصيب أكثر من 30 من مقاتلي الفصائل الشيعية في اشتباكات وقعت بالقرب من الدور.
وكان العبادي أكد أول من أمس أن «الأولوية» التي أعطيت للقوات المهاجمة هي «أن ترعى وتحافظ على أمن المواطنين؛ لأن همنا الأول والأخير هو حماية المواطنين وتوفير الأمن» لهم، مشددا على «أهمية الحذر في التعامل مع المواطنين المدنيين وأن نحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم». وفي هذا السياق، أكد قائد عمليات صلاح الدين الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي: «سنتعامل مع أهالي صلاح الدين كإخوة، وأغلب العائلات في تكريت تم إجلاؤها».



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».