العرض المسرحي (ثري دي).. يحاور إرث التراجيديا الإنسانية

معزوفة درامية لممثلين شباب على مسرح صلاح عبد الصبور في القاهرة

شعار المسرحية
شعار المسرحية
TT

العرض المسرحي (ثري دي).. يحاور إرث التراجيديا الإنسانية

شعار المسرحية
شعار المسرحية

يلعب العرض المسرحي «ثري دي - 3D» على وتر التراجيديا الإنسانية، باعتبارها إرثا مسرحيا، قادرا على إثارة الدهشة والامتداد والانعكاس في الزمان والمكان، وهو الرمز الذي يحيل إليه عنوان العرض، لافتا إلى أن الإنسان وحقائق الوجود والأشياء قابلة للتعدد في جوهرها، وأنه دائما ثمة بعد آخر، هارب وراء بعدها المادي الماثل للعيان.
بهذه الروح وعلى مدار نحو 80 دقيقة، بقاعة الشاعر صلاح عبد الصبور، بمسرح الطليعة بالقاهرة، استطاع العرض أن يحقق شكلا من الفرجة الحميمة، تفتقدها العروض المسرحية في السنوات الأخيرة، وبخاصة مسرح الدولة، الذي تنتمي إليه قاعة العرض.
تبدت حميمية الفرجة في حماس الجمهور وتفاعله بحيوية مع أداء الممثلين، ولحظات صعود وهبوط العرض دراميا، عبر شوط واحد بلا فواصل للراحة والتقاط الأنفاس، كما أضفت قاعة العرض البسيطة والتي بالكاد تسع 50 كرسيا، جوا من الشعور بالونسة بين الممثلين والجمهور، ونجح مخرج العرض الفنان الشاب محمد علام في أن يستغل هذه المساحة المحدودة، في إنضاج الصراع، وتكثيفه من زوايا ورؤى إنسانية متعددة، يمتزج فيها الضحك بالبكاء، السخرية باللعب، واستطاع بمفردات ديكور شديدة التقشف أن يحول الغرفة إلى شرفة يطل منها الممثلون والجمهور معا على صراع يوهم أنه حدث في الماضي، في أزمنة ومناخات إنسانية متباينة، لكنهم يعايشونه وكأنه يتقاطع ويتجاور مع ما يحدث في اللحظة الراهنة، على شتى المستويات، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ليؤكد العرض أن جذور الوجع الإنساني تتناسل خيوطها وتسلم بعضها بعضا رغم اختلاف العصور والأمكنة، لكن يبقى المهم، هو كيف نرى ذلك، كيف ننتشل مغزاه ودلالاته من تحت الحطام والدمار الذي لا يكف عن تلويث وجودنا، ويريد أن يحولنا إلى أعداء للحياة، ويجففها من كل معنى للحب والأمل.
تلتقط الكاتبة صفاء البيلي، مؤلفة النص، خيوط هذا الوجع، وتضفره في عجينة مسرحية شيقة، تتصارع فيها عدة نماذج من التراجيديا الإنسانية: كليوباترا وأنطونيو، عطيل وديدمونة، شفيقة ومتولي، ومن خلال المنظور الزمني المتعدد الأبعاد، تحاور نصوعها العاطفي والإنساني الشفيف، وتفكك أقنعتها، لنصبح في نهاية النص أمام أكثر من كليوباترا وأنطونيو، أكثر من عطيل وديدمونة، أكثر من شفيقة ومتولي، وكأنهم يعيشون بيننا الآن يتنفسون مأساتنا، وتبادلون معنا السخرية على الماضي والحاضر معا.
اللافت في العرض أن الممثلين انصهروا بهذه العجينة، امتلأوا بها بحب، حتى اختمرت واستوت في أدائهم السلس الرائق، جسدا وروحا، فتنقلوا برهافة درامية شديدة، وبمقدرة عالية في الأداء بين قناع وآخر، وكأنه لا مسافة بينهما، مقدمين تنوعا جذابا في التعبير، بالحركة والوصف والحوار والتوجه مباشرة إلى الجمهور، ومحاولة جذبه ليصبح شريكا في العرض.
كما بدا لافتا هذا التجانس بين الممثلين والممثلات (هاني سراج، وميدو عبد القادر، وبسمة شوقي، وهاجر عفيفي، وياسر فرج، وإبراهيم سعيد، ورحمة أحمد) وبين المخرج، حيث استطاع أن يوظف إمكاناتهم ويكشف عن كثير من طاقاتهم الإبداعية المخبوءة، ورغم أنهم جميعا ممثلون شباب، إلا أنه خلال مشاهد العرض أكدوا أنهم على حرفية عالية، وأنهم بالفعل نجوم، قادرة على أن تسطع بقوة وثقة في سماء الفن المسرحي. وتضافر مع كل هذا الإعداد الموسيقى والأشعار لإبراهيم سعيد، والسينوغرافيا لوائل عبد الله، والمونتاج لفاروق الشاذلي، كذلك إعداد الديكور والملابس.
اعتمد العرض على أسلوب المناظرة الحية، وراعى النص أن يتم خلالها تقليب الحكاية الدرامية سواء في شقها التاريخي، بكل ما يفيض عنه من دلالات وتداعيات وطنية، ترتبط أساسا بفكرة البطولة والكرامة والشرف، وأيضا في شقها العاطفي الإنساني، حيث ارتبطت كل هذه التجارب بفكرة الحب، الذي جمع بين أطرافها، وما يدور تحت سقفه من خيوط التواطؤ والخيانة والغيرة، وتدبير المكائد والحروب الصغيرة، ولم يخل هذا التناظر الجذاب من الإطلالة على الواقع الراهن في شكل مقارنات خاطفة، تفجرها جملة حوارية ما، أو تعليق شفاهي، أو تعبير بملامح الوجه والجسد، بعيدا عن حيل الإسقاط والتلسين السياسي التقليدية الشائعة، وأحيانا كثيرة، كان الجمهور نفسه ودون اللجوء لكسر الإيهام أو الجدار الرابع، يقوم تلقائيا، بعمل هذه المقارنة ضمنيا، وهو ما أضفى على العرض متعة خاصة، وجعل البطولة بمثابة فعل جماعي، يشارك في صنعه كل الممثلين، على خشبة المسرح، ومن خلفهم كل الفنيين المشاركين في العرض.
ولأننا أمام زمن دائري متصل، أو بمعنى آخر أمام شكل من تدوير التراجيديا الإنسانية، لجأ المخرج إلى توظيف عناصر الديكور البسيطة التي لا تتجاوز حجرة هيكيلة تشكل الكتلة الأساس تقبع في عمق المسرح، تلتصق بها أحيانا كتلة أصغر على هيئة سلالم، تمكن الممثلين من الصعود وأداء المشهد من فوقها، لتنويع الحركة من أسفل وأعلى منصة العرض والعكس أيضا، ويفتتح النص مشاهده بصندوق خشبي بسيط يتحرك على عجل، يستقله ممثل وممثلة، يغنيان ويجدفان بأيديهما، في حركة مرحة توحي بأننا إزاء نوع من التجديف في الزمن. وتصعيدا لهذا الانفتاح الجديد على الزمن، ومناوشة ثقله الدرامي والتراجيدي، يبتكر المخرج حيلة غاية في الإتقان والجمال، حيث يجعل «الحجرة»، كتلة الديكور الأساسية تدور على نفسها في الكثير من المشاهد، خصوصا مع وصول المشهد للحظة الذروة، بينما الممثلون قابعين عليها يؤدون أدوارهم، وكأنهم داخل دوامة، لا تؤكد صيرورة الزمن فحسب، وإنما صيرورة الصراع الإنساني، في كل زمان ومكان، بين الوهم والحقيقة، الحب والكره، الخير والشر، العدل والظلم، وغيرها من نوازع الصراع الإنساني.
وعلى حوائط القاعة ثبت المخرج شريطا عريضا من الورق أشبه بقماش «الخيامية» الشهير، مكتوبا عليه فقرات من أغان وقصائد وحكم وأمثال ومأثورات تراثية وشعارات سياسية، مما أعطى النص زخما شعبيا ونكهة مصرية خاصة. وبرز هذا الحضور في المشهد الختامي للعرض، حين يواجه الممثلون والممثلات بعضهم بعضا، متسائلين في دهشة عن هويتهم الحقيقية تحت قناع الشخصية المتعدد. فكلهم أنطونيو وعطيل ومتولي، وكلهن كليوباترا، وديدمونة وشفيقة.. وفي الوقت الذي يصرخ فيه الممثلون صرخة حيرة واحدة، معطين ظهورهم للجمهور، تتناثر شرائح السينوغرافيا، بالشعارات والحروف والكلمات والأشعار والموسيقى على قطع الديكور، وأجساد وملابس الممثلين، في ذبذبة بصرية موحية، تؤكد أن أزمنة التراجيديا الإنسانية لا تزال حية، تخطف البصر والبصيرة، وهنا يسجل العرض نقطة نجاح أخرى، حيث انسابت عناصر السينوغرافيا بحيوية على مفردات العمل، دون استخدام شاشة للعرض.
تبقى التحية واجبة لفريق هذا العرض الشيق، الذي يؤكد أن المسرح في مصر زاخر بالقيم والواهب الشابة الواعدة، فقط تحتاج أن يلتفت إليها المسؤولون بحب حقيقي وعناية مخلصة.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.