جيش الأسد.. الملاذ الأخير

يحمي دمشق والمطارات.. وفقد قدرته على الهجوم في الشمال والشرق

جيش الأسد.. الملاذ الأخير
TT

جيش الأسد.. الملاذ الأخير

جيش الأسد.. الملاذ الأخير

لم تبق قوات المعارضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في شمال البلاد وشرقها، إلا مناطق مقطعة الأوصال، تحميها مقرات عسكرية ضخمة لم تتمكن قوات المعارضة من السيطرة عليها، وترفد بعضها بالإمدادات عبر الجو، فيما ينطبق المشهد نفسه على قوات المعارضة في وسط البلاد والمناطق المحيطة بالعاصمة السورية، وذلك بعد نحو 4 سنوات على تغير دراماتيكي في الخريطة العسكرية، وعمليات كر وفر، شهد خلالها الميدان تبدلا في المواقع بين القوات الحكومية وقوات المعارضة المعتدلة وتنظيمات متشددة، وقوات كردية دخلت على الخط منذ عام 2012.

يصعب على المعارضين التحديد بدقة، حجم انتشار القوات الحكومية، ونسبة الجغرافيا التي تسيطر عليها، في ظل وجود مساحات شاسعة من الأرض الجرداء التي تتعرض لسيطرة نارية، حتى لو كانت تفتقد إلى وجود ميداني على الأرض.. لكن الثابت، أن القوات النظامية تحكم سيطرتها على جميع المدن السورية، باستثناء الرقة (شمال البلاد)، وعلى 21 مطارا عسكريا من أصل 28، تستخدم جميعها لانطلاق الطائرات الحربية والمروحية التي تعتمد عليها القوات الحكومية في حربها المتواصلة على مساحة البلاد.
وفقدت القوات النظامية في شمال البلاد إلى حد كبير قدرتها على الهجوم، كما تقول مصادر المعارضة المعتدلة في الشمال لـ«الشرق الأوسط»، إذ «تحولت إلى قوة مدافعة عن مواقعها العسكرية، والمطارات التي تعززت حامياتها منذ عام 2013 وسط حصار لمدن وبلدات معزولة، لا تزال خاضعة لسيطرة النظام»، في حين تحاصر القوات الحكومية مواقع للمعارضة في وسط البلاد، وخصوصا في حمص، كما تهاجم في ريف دمشق وحماه، «واستعادت قدرتها على الهجوم في الجنوب، بعد تقدم قوات المعارضة خلال الأسبوعين الأخيرين في الجبهة الجنوبية»، من غير أن تسفر المعركة بعد عن تطورات استراتيجية.
وعلى مدى 4 سنوات، ورغم الحصار الذي فرضته قوات المعارضة على مواقع كبيرة للنظام في الشمال، لم تتمكن من السيطرة عليها، كما لم تتمكن من السيطرة على المدن، بعدما نقلت المعركة إلى أطرافها، مثل مدينة إدلب، ومدينة حماه، ومدينتي دير الزور والحسكة، بينما تقاسم الطرفان السيطرة على مدينة حلب (شمال) ومدينة درعا (جنوب البلاد).
ويصف معارضون بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في الشمال، بأنها «جزر معزولة»، نظرا إلى محاصرتها، ومنع طرق الإمداد إليها، مثل بلدتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي، وبلدة الفوعة في إدلب، وغيرها... وأنشأت القوات الحكومية حاميات على أطراف البلدات والمدن الخاضعة لسيطرتها، بهدف منع اقتحامها. وتعرضت تلك المناطق على مدى أكثر من عامين لهجمات كبيرة، جرى صدها، مما يشير إلى أنها باتت حصونا عسكرية للنظام.
ومع تزايد الحديث عن مساع للتوصل إلى حل سلمي للبلاد، تتضاعف قواعد النظام العسكرية في المناطق الواقعة غرب سوريا، في منطقة تعد معقلا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وخصوصا في اللاذقية وطرطوس. ويقول ناشطون إن «هذه المناطق تتضمن مستودعات الذخيرة، وقواعد إطلاق صواريخ أرض – جو، وصواريخ أرض – بحر، إضافة إلى صواريخ أرض – أرض، فضلا عن معامل الدفاع في المنطقة الواقعة شرق محافظة اللاذقية»، علما أن المنطقة لا تتضمن مطارات فعالة، باستثناء مطار باسل الأسد العسكري والمدني في اللاذقية. وبدءا من هذه المنطقة وباتجاه الجنوب والوسط، تمتد نقاط نفوذ القواعد النظامية، وقواعدها العسكرية التي لا تزال فاعلة بشكل كبير، وخصوصا في مناطق شرق حمص وجنوبها.
ويقول ناشطون إن «النظام، بعدما استعاد السيطرة على منطقة القصير في جنوب حمص، عزز وجوده العسكري، حتى باتت نقطة انطلاق لشن هجمات على ريف دمشق الشمالي والغربي». ويشير مصدر معارض إلى أن النظام جدد وجوده في بلدة قارة الحدودية بين حمص وريف دمشق الشمالي، كما في القصير وأعاد الخدمة إلى مطار الضبعة العسكري ». أما مناطق شرق حمص، التي تعرف بمناطقها الشاسعة، فعزز قدراته العسكرية فيها، كما بقي محافظا على مطارات عسكرية فاعلة، هي الأكبر في البلاد.
ويحتوي مطار الشعيرات أو الجيارات العسكري على 40 حظيرة إسمنتية، ويتضمن سربا من طائرات «ميغ 23» وسرب «سوخوي 22»، و«سوخوي 25» القاذفة، وفيه مقر الفرقة الجوية 22، ولديه مدرجان أساسيان وله دفاعات جوية محصنة جدا من صواريخ «سام 6»، ويقع المطار على بعد 31 جنوب شرقي حمص.
أما مطار «T4»، فيعد من أكبر المطارات العسكرية في سوريا، ويحتوي على 54 حظيرة إسمنتية وأغلب طائراته حديثة جدا «ميغ 29» و«ميغ 27» و«سوخوي»، وهو محصن بدفاعات جوية متطور جدا ورادارات قصيرة التردد المحمولة. ويبعد المطار عن حمص 85 كم شرق حمص. إضافة إلى ذلك، يستخدم مطار تدمر المدني لأهداف عسكرية، ويبعد عن حمص 150 كلم شرق حمص ويستقبل طائرات مدنية وله دفاعات جوية ورادارات قصيرة التردد.
ثقل الوجود العسكري للنظام، موجود في أرياف دمشق ودرعا. ففي القلمون الواقعة غرب وشمال العاصمة السورية، لا تزال كبرى القواعد العسكرية على حالها. تمكنت قوات المعارضة في السابق، لدى سيطرتها على بلدات ومدن القلمون، من الوصول إلى أحد أكبر مستودعات الذخيرة المعروف بمستودع «مهين»، والاستحواذ على عدد من الصواريخ الحرارية، لكن القوات النظامية سرعان ما استعادت السيطرة عليه. ويقول معارضون إن «المنطقة لا تزال معقلا عسكريا لقوات النظام، وتعززت بعد استعادة السيطرة عليها، وخصوصا في المنطقة الواقعة شرق دمشق، وشمالها، حيث يوجد مطار الضمير العسكري، ومنصات الصواريخ التي كانت تضرب الرقة منها في وقت سابق».
ويعد مطار الضمير، ثاني أكبر مطار عسكري في سوريا، ويقع على بعد 42 كيلومترا شمال شرقي العاصمة السورية، ويحوي 50 حظيرة إسمنتية ومنها 8 تحت الأرض وهو مطار سري ويحوي طائرات «ميغ 23» و«ميغ 24» و«ميغ 27»، ويمتلك دفاعات جوية قوية طول المدرج 3.1 كلم.
أما مطار السين، فيتصدر مطار الضمير أهمية، إذ يعد الأكبر والأضخم والأقوى والأهم، ويحوي سربا من طائرات «ميغ 29» و«ميغ 23»، وسربا من طائرات «سوخوي 24» القاذفة.
أما العاصمة السورية، فتعد معقلا أمنيا، وتتضمن مقرات القيادة العسكرية، ومنظومات الدفاع الجوي. ولعل أبرز القواعد فيها، هو مطار المزة العسكري الذي يحوي 22 حظيرة ومنها 5 حظائر بحراسة مشددة وطائراته من «ميغ 21» و«ميغ 23» ومروحيات «مي 24» و«مي 17» و«غزيل» الفرنسية، ويتضمن دفاعات جوية، ويبعد عن مركز العاصمة مسافة 6 كيلومترات.
وتتصدر محافظة درعا، وريف دمشق الجنوبي والغوطة الغربية، قائمة القواعد السورية، منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 مع إسرائيل، نظرا أن هذه المنطقة تعد الحامية الأولى للعاصمة السورية. لكن درعا، التي شهدت انطلاقة الثورة السورية ضد النظام في عام 2011، فقدت جزءا من أهميتها العسكرية بعد تحييد نحو 50 في المائة من قواعدها العسكرية عن العمل، بفعل سيطرة المعارضة عليها. ويقول معارضون: إن «المنطقة الواقعة شرق درعا فقدت فيها القوات النظامية جزءا كبيرا من قواعدها»، كذلك المنطقة الواقعة في غربها، بعد سيطرة المعارضة وقوات «جبهة النصرة» في الأشهر الأخيرة من العام الماضي على قواعد عسكرية في الشيخ مسكين ونوى. بينما لا تزال قواعد النظام فاعلة في ازرع، والصنمين وجاسم بشكل أساسي، إضافة إلى القواعد المتصلة بغوطة دمشق الجنوبية، وفي المنطقة المتصلة بمحافظة القنيطرة الحدودية مع إسرائيل.
ويقول خبراء عسكريون إن قيادة الفيلق الأول الموجودة في بلدة قطنا الواقعة جنوب غربي دمشق، تعد الحامية الأساسية للعاصمة السورية، ولا يزال النظام يحتفظ فيها بقدرته على الردع، وعلى إطلاق العمليات. كما لا تزال الفرقة التاسعة واللواء 79 من أبرز المقرات التي تحتفظ فيها القوات النظامية على المثلث الواقع بين درعا ودمشق والقنيطرة.
إضافة إلى ذلك، لا يزال النظام يحتفظ بكامل مواقعه العسكرية في محافظة السويداء جنوب شرقي البلاد، على غرار مناطق غرب البلاد. وإضافة إلى مواقع الدفاع الجوي، لا يزال يحتفظ بالمطارات العسكرية بينها مطار خلخلة العسكري الذي يحوي 30 حظيرة إسمنتية، ويبعد عن مدينة السويداء 40 كلم شمال غربي المدينة. أما مطار الثعلة، فيبعد عن مدينة السويداء 13 كم غرب المدينة.
وفي الشمال، لا تزال القوات الحكومية تحتفظ بمواقع عسكرية كبيرة على طول البلاد وعرضها. ففي الشمال، يحتفظ النظام بمرابض مدفعية ومنصات إطلاق صواريخ في أطراف المدن التي يسيطر عليها، إلى جانب مطارات عسكرية، أبرزها في محافظة حلب، مطار النيرب أو مطار حلب الدولي الذي يحتوي على 8 حظائر طائرات إسمنتية وهو يتضمن طائرات من نوع «ميغ 21» وطائرات مروحية «مي 24» الهجومية والروسية الصنع، ويبعد عن مركز المدينة حلب 5 كم شرق حلب. أما مطار كويريس الواقع بريف حلب الشرقي، فيعد القاعدة العسكرية الوحيدة للنظام في شرق حلب، وقد حوصر منذ أكثر من عام ونصف العام، مع تمدد تنظيم داعش في محيطه، ويستخدم كمطار للمروحيات وطائرات «ميغ 21».
وتعد المطارات العسكرية، أبرز القواعد الحربية التي تحاول القوات الحكومية الحفاظ على سيطرتها عليها في المنطقة الشمالية بعد انحسار رقعة المعسكرات والقواعد العسكرية الكبيرة، باستثناء تلك الموجودة في الحسكة والقامشلي والأحياء الشرقية لمدينة حلب وعلى مدخلها الواقع جنوب شرقي المدينة. ففي الحسكة، لا يزال يحتفظ النظام بمطار عسكري هو مطار القامشلي، إلى جانب عدة تجمعات عسكرية، بينها نقطة كبيرة في جنوب المحافظة، ونقطة أخرى على الحدود مع تركيا، إضافة إلى تجمعات داخل المدينة، وعلى أطراف القامشلي وأطراف مدينة الحسكة.
ويسيطر الجيش النظامي على معبري كسب والقامشلي الحدوديين مع تركيا، والوليد مع العراق، ونصيب مع الأردن، والنقاط الحدودية مع لبنان.
وفي ريف إدلب، يحتفظ النظام بآخر مقراته العسكرية وهي مطار أبو الظهور الواقع شرق المحافظة، بعد خسارته معسكري الحامدية ووادي الضيف قبل شهرين، حين سيطرت عليهما جبهة النصرة وحلفاؤها. وتحاول قوات المعارضة التقدم إلى المطار الذي تعزز بحاميات إضافية، كما يقول معارضون.
ومطار أبو الظهور، يقع على بعد 50 كم شرق إدلب وهو من أهم المطارات في المنطقة الشمالية، ويضم 20 حظيرة إسمنتية، وتركن فيه طائرات «ميغ 23» و«سوخوي 25» و«ميغ 25» ولديه مدرجان أساسيان، وباستطاعته تقديم الدعم اللوجيستي لطائرات الكبيرة العسكرية وطول المدرج 3 كم.
وفي الشرق، خسر النظام معظم مقراته العسكرية مع تقدم تنظيم داعش في المنطقة، لكنه تمكن من صد هجمات واسعة شنها التنظيم مطلع هذا العام وأواخر العام الماضي، استهدفت مطار دير الزور العسكري الذي يعتبر حامية للمدينة.
وبعد فقدانه السيطرة على مقرات عسكرية ضخمة، يبقى المطار المقر الوحيد للنظام في المحافظة، ويحوي 4 حظائر وقوة جوية ضاربة تتألف من طائرات «ميغ 21» و«ميغ 23»، ويضم مدرجين بطول 3.1 كم ويحتوي على دفاعات جوية فعالة من «سام 2» و«سام 4» ويبعد عن دير الزور 5 كم جنوب شرق المدينة.
وفي حماه، يتضاعف نفوذ القوات الحكومية السورية، بدءا من المدينة التي تتضمن مطارا عسكريا وقاعدتين عسكريتين بمحيطها، وأخرى في جنوبها الغربي. ويحتوي مطار حماه على 17 حظيرة إسمنتية ويتضمن طائرات «ميغ 21» وطائرات «مي 8» و«مي 24» وبإمكانه تقديم الدعم المدني واستقبال طائرات مدنية وطول المدرج 2.8 كم ويبعد عن مركز مدينة 3 كلم. ويقع غرب المدينة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».