في الصعيد جنوب مصر لا عزاء على القتلى إلا بعد الثأر، هناك حيث تنتشر بين العائلات مجموعة من التقاليد والقيم والأعراف غير القابلة للنقاش، ومنها أن أهل القتيل لا يقبلون العزاء في ذويهم إلا عندما تشفى صدروهم بالثأر ممن قتلهم، سواء عبر القانون أو غيره. ويظل اهتمام عائلة القتيل في الانتقام من القاتل قبل أن ينصبوا سرادقاتهم لقبول العزاء، حيث إنهم يشعرون بالذل والإهانة إذا لم يتم الأخذ بثأرهم، بل يقص الرجال شواربهم، ويخلعون عنهم عماماتهم، إلى أن يتم القصاص.
ويبدو أن الرئاسة المصرية قررت أن تتبع الموروث الصعيدي في التعامل مع قضية أبناء الصعيد المقتولين على أيدي تنظيم داعش، وذلك بعد فيديو بثه التنظيم على الإنترنت يظهر قطع رؤوس رهائن مصريين، من أهل الصعيد، اختطفوا في ليبيا، وقام الجيش المصري باتباع الموروث الصعيدي من الحداد ثم الثأر القانوني ثم العزاء.
فبادئ ذي بدء، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس الحداد في البلاد 7 أيام، متوعدا بالرد بقوة وبالطريقة التي تراها مصر، وقد كان، حيث قام الجيش المصري، فجر اليوم، الاثنين، بتوجيه ضربة جوية لأهداف تابعة لتنظيم داعش في ليبيا، وقام الجيش بإصدار بيان على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أوضح فيه أنهم قاموا بـ8 ضربات جوية في معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر لتنظيم «داعش» في درنة الليبية، وأن الضربة الجوية حققت أهدافها بدقة، وعادت القوات لقواعدها سالمة.
وكان الثأر من القاتلين هو الطريق المؤدي إلى العزاء، حيث قام الرئيس المصري ظهر اليوم بزيارة الكاتدرائية المرقسية في العباسية لتقديم واجب العزاء في الضحايا المصريين، للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلن البابا تواضروس أنه سيصلي صباح غد (الثلاثاء) القداس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية طلبا للراحة لأرواح الضحايا في ليبيا، كما قرر إرسال وفد من الأساقفة للصلاة في كل قرى المنيا لتعزية أسرهم.
وقد علق الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها ورئيس اللجنة الإعلامية بالكنيسة الأرثوذكسية، على ما فعله الرئيس السيسي بأنه «ضربة قوية نابعة من شخص قوي»، مشيرا إلى أن هذه الضربة بدأها السيسي بضرب مواقع «داعش» في ليبيا، ثم أكملها بزيارة البابا في الكاتدرائية، لا ليعزيه، بل ليتعزى معه في موت أبنائه المصريين.
وأكد مرقس لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الضربة ستشفي آلام أهالي أضحايا، عندما يشعرون أن القصاص قد تحقق وأن هناك موقفا قويا من الدولة في التعامل مع هذه الفاجعة، وختم بتوجيه كلامه لـ«داعش» قائلا «ربنا يهديكم».
ومن جهتها، أعربت الدكتورة ثريا عبد الجواد، أستاذة علم الاجتماع بآداب المنوفية، لـ«الشرق الأوسط» أن ضربة بهذه السرعة والقوة كفيلة بإثلاج صدور المصريين جميعا وليس أهالي الضحايا فقط، حيث إنها جعلت العالم كله يعي أن مصر قادرة على توجيه ضربات لكل من يعاديها أو يستهدف أبناءها.
مصر تتبع «الموروث الصعيدي» في قضية المصريين المقتولين في ليبيا
الحداد ثم الثأر.. وأخيرا العزاء
مصر تتبع «الموروث الصعيدي» في قضية المصريين المقتولين في ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة