المتحف الوطني العراقي.. الإرث الذي لا يراه أحد

وعود بفتحه لا أحد يعرف منى تتحقق

المتحف العراقي بعد سرقته..  و(في الاطار) من معروضات المتحف في بغداد
المتحف العراقي بعد سرقته.. و(في الاطار) من معروضات المتحف في بغداد
TT

المتحف الوطني العراقي.. الإرث الذي لا يراه أحد

المتحف العراقي بعد سرقته..  و(في الاطار) من معروضات المتحف في بغداد
المتحف العراقي بعد سرقته.. و(في الاطار) من معروضات المتحف في بغداد

ظل المتحف الوطني العراقي مغلقا طيلة فترة ما بعد حرب عام 2003 وحتى يومنا الحالي، ولم تمح من ذاكرة المؤرخين في العالم وأيضا لعراقيين مرارة مشاهد سلب الموروث الحضاري لبلاد ما بين النهرين الذي يعود تاريخه لسبعة آلاف من الأعوام. رجال بعضهم يرتدي زيا مدنيا، وآخر معه جماعة تحمل بنادق ومسدسات، جيش أميركي يجري في باحة المتحف في 2003 واحد من أكثر الأحداث المأسوية في تأريخ العراق. فقد نهبت بحسب إحصاءات رسمية ما يعادل مائة وسبعين ألف قطعة أثرية شوهد بعضها فيما بعد في بلدان شتى، بعضها بيع، وهذا ما جعل المراقبين يسمونه بالنهب المنظم. بقيت آثار الخراب والحرائق شاخصة في المتحف الوطني لسنوات، لم ير العراقيون آثار بلدهم منذ ذلك الوقت إلا على الأكتاف تنهب، وسط تلاشي مؤسسات الدولة وغياب أي رادع قانوني أو حتى أخلاقي يوقف الناهبين. في فبراير (شباط) 2009 شهد المتحف الوطني أول افتتاح له، أي بعد ست سنوات فتحت قاعات حضارات السومريين والبابليين والآشوريين والأكديين، استعيدت بعض قطعها الآثارية وأخرى ظلت تنتظر من يعيدها لمكانها الأول، هذا الافتتاح شكل إشارة رمزية على إعادة تاريخ الإنسان العراقي الذي بقي مهملا طيلة عقود، لكنه بدلا من أن يكون ذلك بداية للعراق الجديد، لفت الانتباه إلى أن ما فعلته حماية المسؤول الرسمي الذي قام بكرنفال الافتتاح شكلت فارقة تدل على أن الأزمان تنسج بعضها، مع تغير نوع السلطة، ولعل الأفراد الذين تعرضوا للضرب المبرح على يد رجال الأمن وكسرت أدوات طواقم إعلامية دلت على بداية لم تكن مثلما يأملها الناس أو الرأي العام في مراقبة ولادة جديدة على أبواب المتحف العراقي. هذا الحدث الذي عومل على أنه عابر شكل السلطة فيما بعد، وصار سمة لها، فهي التي تنادي بعراق الحضارات وأكد وسومر على المنصات، فيما أبقت هذا الإرث خلف الأبواب المغلقة رسميا ولا يسمح لأحد بدخولها إلا بعد استحصال موافقات من أكثر من هيئة رسمية كلها لها علاقة متداخلة بالإشراف على المتحف الوطني.
وزارة الثقافة العراقية أعلنت في 13 مايو (أيار) 2010، عن اتفاق تم بين العراق والولايات المتحدة، يقضي باستعادة أرشيف اليهود العراقيين وملايين الوثائق التي نقلها الجيش الأميركي من بغداد عقب اجتياح العراق عام 2003. من بينها الأرشيف الخاص بحزب البعث لكنها لم تشر إلى خبر يوصل المراقبين لتاريخ ما عن فتح المتحف الوطني الذي بقي مغلقا لأسباب أمنية كما يعلق المسؤولون المتلاحقون.
عام 2011 شكل علامة فارقة للعراق، تعددت التسميات لكنها تدور جميعا حول خروج القوات، الأميركية من العراق في عهد أوباما، بعد الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن، عراق ما بعد أميركا، وأحلام السيادة والقانون التي كان نصها الأول على يد المشرع حمورابي ومسلته الشهيرة. أعوام عراقية، اختبرت نفسها جيدا، قد تبشر بالأحلام العراقية الممتدة امتداد الحروب وضياع الإنسان العراقي في طاحونتها، لتبقى مسلة حمورابي على امتداد الأعوام في متحف اللوفر بباريس. أما قاعات المتحف الوطني التي تصنف إلى اثنتين وعشرين قاعة فلم تزرها غير حملات إعادة الإعمار وزيارات السائحين الأجانب، هذا ما فسره فتح أبواب المتحف عام 2013 أمام وفد بريطاني من الآثاريين والمهتمين وتواريخ تعلن عن إعادة فتح المتحف الوطني العراقي، تواريخ أصبحت وفق السياق العراقي الجديد قابلة للتجديد وليس ثمة حكم يراقب أن هذه التأجيلات المتكررة لم تفض إلى فتح بوابة عشتار بشكل دائم، فطالما ذهبت الكاميرات وعدسات التصوير، لكن مهمة المسؤولين عن الإقفال انتهت وأودعت إلى شرطة وحرس في الجيش العراقي لهم أوامر أمنية حازمة ليس لهم مفر عن إطاعتها بالحرف الواحد.
في عام 2011 استعاد المتحف واحدة من أهم نفائسه بجهود رجل أعمال سويسري، وبمساعدة الدبلوماسيين العراقيين. قطعة نُقش عليها الملك الآشوري ثرثانو الممسك بصولجان الحكم وقطعة ملحقة بها نقش عليها قائد أركان جيشه، لتكتمل بذلك ثاني مدينة آشورية تاريخية في العراق، لكن الجهود الفردية والرسمية تواجه أيضا بحسب المتابعين أزمة إرث عراقي يجوب العالم لا يحمل ختم المتحف الوطني العراقي فضلا عن قطع أخرى خرجت من العراق رسميا على سبيل الإعارة لكنها بقيت في تلك الدول حتى بعد انتهاء مدة الإعارة!
مديرة الإرشاد التربوي في المتحف الوطني العراقي لمى ياس، ربما هي شاهد العيان الوحيد على تقلبات حال المتحف الوطني العراقي، وأيضا هي شاهد ألم على ما خرّب وما بقي مهملًا عسى أن يعاد افتتاحه للمرة الأخيرة بشكل دائم، فقد خسر المتحف الوطني بأحد التقديرات الرسمية نحو مائة وسبعين ألف قطعة آثارية تمكن العراق من استعادة ألف وخمسمائة منها أما وزير السياحة والآثار عادل الشرشاب فإنه ينضم في آخر تصريحات له العام الحالي 2015 إلى التبشير بافتتاح المتحف الوطني!
وهنا لا بد أن نتذكر العلامة المؤرخ الراحل سالم الآلوسي في إحدى شهاداته عن الآثار العراقية الموزعة في بلدان العالم، إذ قال أثناء رحلة له إلى ألمانيا: «إنهم يستحقون الاحتفاظ بها، لو كانت هذه القطع في بلدها الأصلي لن يتم حفظها ولا صيانتها بالطرق المعروفة للحفاظ على الآثار وعرضها للناس بطريقة تليق بإرث إنساني أولا وآخرا».
في عام بغداد عاصمة للثقافة العربية، 2013 بقي المتحف الوطني العراقي يتيما مع زيارة واحدة شكلية للوافدين لعاصمة الثقافة، وأيضا مع سبب آخر للغلق «وهو إعادة تأهيل قاعات المتحف الوطني لحين افتتاحه». وفي عام 2014 تمكن جهد العراق الرسمي استعادة نحو مائة وسبعين قطعة آثارية بعضها يعود للحضارة الآشورية من ست بلدان بينها أميركا وألمانيا واليابان المغرب ولبنان والكويت، في المحصلة، في سياق الوقائع والأحداث وتواريخها، وتاريخ المتحف الوطني قد نخرج بحصيلة ما تعول على أن يصبح هذا الإرث الإنساني متاحًا لزائريه بعد أن أعلنت الأطراف الرسمية عن أنها هذه المرة تريد أن تحتفي بالموروث عبر إتاحته للنظر والتأمل فعلا وليس تخدير الناس بوعود لا أحد يعرف متى تتحقق.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.