المشهد

موهبة نشطة وبلا أثر

المشهد
TT

المشهد

المشهد

«هل صحيح أن جيمس فرانكو أكثر ممثل أميركي ظهورا على الشاشة؟ عدد أفلامه أكثر من عدد أفلام أي ممثل آخر في التاريخ؟».
سألني أحد الزملاء بعد مشاهدته فيلم «كل شيء سيكون على ما يرام» الذي يضطلع جيمس فرانكو ببطولته. أجبت على الفور بأن عدد أفلام فرانكو ممثلا فقط، بين أعمال قصيرة يؤديها بكرم حاتمي لمن يطلبه وبين أدواره في أفلام كبيرة، يقترب من المائة، في حين أن سامويل ل. جاكسون أنجز نحو 165 فيلما في حياته. أما حين يأتي الأمر إلى التاريخ، فإن الأفلام التي مثلها جون واين - مثلا - تبلغ 187 فيلما، وهناك آخرون كثيرون تجاوز كل منهم المائة والخمسين فيلما طويلا قام بتمثيلها.
لكن فرانكو في الحقيقة لا يهدأ، وهنا على شاشة مهرجان برلين لديه فيلمان وربما ثلاثة. وفي عام 2013 ظهر في 7 أفلام، بالإضافة إلى فيلمين قصيرين، وصور فيلما، وأنتج 3، وكتب سيناريو أحد الأفلام التي مثلها وأخرجه، كما أخرج فيلمين آخرين أيضا. سنة 2014 قام بتحقيق 3 أفلام قام بتمثيلها، ومثل من إخراج سواه، ومثل في 4، ووجد الوقت لينتج واحدا، ويظهر في فيلمين قصيرين.
مع مطلع هذا العام هو الموظف في السفارة البريطانية في طهران في «ملكة الصحراء»، والكاتب الذي صدم طفلا بسيارته في فيلم فيم فندرز «كل شيء سيكون على ما يرام»، ولم نر بعد 4 أفلام أخرى كونها في مراحل مختلفة في التصوير أو بعده.
نعم بالتأكيد هو نشط، لكنه هل هو جيّد؟ أعتقد أن فيلم «ملكة الصحراء» للألماني فرنر هرزوغ استفاد من غيابه؛ إذ مات (من دون أن نرى موته) بعد نحو ثلث ساعة من ظهوره. أما في فيلم الألماني الآخر فندرز «كل شيء سيكون..» فإن فرانكو بدا جيدا لبعض الوقت ثم متكررا وبلا تطور تعبيري لباقي الفيلم.
إلى الآن لم أشاهد له دورا صبغ الفيلم بحضوره أو موهبته على نحو شديد. دائما هناك من هو أفضل منه في الدور الذي يؤديه، بينما لا يمكن مثلا التفكير بممثل آخر سوى ليوناردو ديكابريو في «جزيرة مغلقة» Shutter Island أو ماثيو ماكونوفي في «دالاس بايرز كلوب» أو جون كوزاك في «الغراب».
طبعًا كل واحد من هؤلاء كان يمكن استبداله، لكن الثمن هو فيلم آخر، لأن الممثل يمنح الفيلم بصمة أولى ذات غموض. مثلا، لا يمكن تصور «كازابلانكا» من دون همفري بوغارت، أو «غاندي» من دون بن غينغسلي. لا يعني ذلك أن لا أحد يستطيع تمثيل الدور ذاته، لكنه وإلى حد سيكون فيلما مختلفا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.