رغم الرفض الشديد الذي يبديه المسؤولون الروس للتعاون مع السعودية لدعم الأسعار من خلال تخفيض الإنتاج لتخليص السوق النفطية من الفائض، فإن هذا لم يوقف النقاش بين البلدين لبحث أوجه التعاون سواء في مجال النفط أو الغاز.
وبعد يوم من خروج إيغور سيتشن، رئيس شركة النفط الروسية «روسنفت» والصديق المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، وانتقاده الشديد لأوبك ووصفه إياها بأنها السبب في عدم استقرار السوق، خلال كلمة ألقاها في لندن، التقى وزير البترول السعودي علي النعيمي، في العاصمة الرياض، بفيكتور جوبكوف رئيس مجلس إدارة شركة «غازبروم» ومبعوث الرئيس بوتين إلى منتدى البلدان المصدرة للغاز.
وأوضحت وكالة الأنباء السعودية، في تصريح عقب الاجتماع، أن النعيمي ومستشاره الأمير فيصل بن تركي ناقشا مع الوفد الروسي أوضاع السوق البترولية الدولية والتعاون بين الدول المنتجة من خارج الأوبك وداخلها، إضافة إلى جانب مهم جدا وهو التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الطاقة وفرص الاستثمارات المشتركة في مجالات الغاز والتصنيع والخدمات المصاحبة.
والتقى النعيمي، بالأمس كذلك، وزير العدل حافظ الأختام الجزائري الطيّب لوح، بحضور الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز نائب وزير البترول والثروة المعدنية. وجرى خلال الاجتماع مناقشة أوضاع السوق البترولية الدولية، والتعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الطاقة، وأهمية التعاون بين الدول المنتجة للبترول في منظمة أوبك، والدول المنتجة خارجها، من أجل استقرار السوق. كما جرى الحديث عن التحسن النسبي في السوق، من حيث زيادة الطلب، واستقرار الأسعار خلال الفترة الحالية.
غاز «لوكسار»
ويأتي الحديث عن التعاون في مجال الغاز في غاية الأهمية بالنسبة للسعودية وروسيا، إذ توجد شركة «لوك أويل» الروسية في السعودية للتنقيب واستخراج الغاز غير المصاحب في المنطقة الواقعة غرب حقل الغوار. وتمتلك «لوك أويل» 80 في المائة من شركة «لوكسار» التي تعمل على المشروع، فيما تمتلك «أرامكو السعودية» نسبة 20 في المائة المتبقية.
ومضى على وجود «لوكسار» في السعودية أكثر من 11 عاما حتى الآن ولم تقم بإنتاج الغاز، رغم أنها أكدت وجود احتياطي كبير في منطقة الامتياز التي تعمل فيها والمعروفة باسم «بلوك أ»، والتي اكتشفت فيها حقلين حتى الآن هما طخمان ومشعيب. وترددت أنباء أن «لوك أويل»، التي تطالب برفع أسعار الغاز محليا حتى تغطي تكاليف إنتاجه، كانت تحاول بيع حصتها في «لوكسار» إلى مستثمر خارجي. ولكن سرعان ما تبددت هذه الأنباء مع خروج رئيس «لوك أويل» فاجيت اليكبروف يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي ليؤكد عزم الشركة على مواصلة المشروع. وأوضح اليكبروف حينها أن «لوك أويل» ستستمر في المشروع لمدة عامين وستبدأ الانتقال من البحث والتنقيب إلى الإنتاج الفعلي، وستستثمر نحو 300 مليون دولار لحفر ثلاثة آبار، منها اثنتان أفقيتان والثالثة رأسية. وأكد اليكبروف أن منطقة الامتياز فيها نحو 70 مليار طن من المكثفات الغنية بغاز الإيثان و300 إلى 400 مليار متر مكعب من الغاز. وقال اليكبروف في تصريحاته التي نقلتها وكالة «إنترفاكس» الرسمية إنه حصل على تطمينات من الجانب السعودي بأن أسعار الغاز بالنسبة لمشروع واحد يمكن أن تكون مرنة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها النعيمي مع مسؤولين روس، حيث سبق أن التقى الشهر الماضي سفير روسيا لدى المملكة لمناقشة أوضاع السوق النفطية.
روسيا لا تستطيع دخول «أوبك»
وعلى الرغم من كل أوجه التعاون بين السعودية وروسيا فإن مواقف الأخيرة من «أوبك» والسوق النفطية لا تزال بعيدة خاصة أمام رفض الأخيرة الانضمام إلى أوبك أو محاولة إقناع شركاتها النفطية بتخفيض الإنتاج.
وصرح الرئيس التنفيذي لـ«روسنفت» أول من أمس خلال اليوم الأول لفعاليات مؤتمر أسبوع النفط الدولي في العاصمة البريطانية لندن والذي يستمر لمدة أسبوع، بأن روسيا لا يمكنها ولن تنضم إلى أوبك طالما ظلت المنظمة تدير صناعة النفط من خلال شركات تملكها الحكومات. وأكد سيتشن على أن روسيا ليست جزءا من أي كيان نفطي، مضيفا أن «أوبك» طلبت من موسكو الانضمام إليها، ولكن لا يمكن لبلاده العمل مع المنظمة لأن صناعة النفط في روسيا تمت خصخصتها (رغم أن شركته حكومية)، وهناك مساهمون غير روس يمتلكون حصصا في هذه الشركات.
وأوضح سيتشن أن إحدى القضايا الرئيسية لروسيا تكمن في عدم قدرتها على وقف وبدء إنتاج النفط بحسب إرادة «أوبك»، مشيرا إلى أن العديد من الاحتياطيات النفطية الروسية قد اكتشفت في مناطق تقل درجة حرارتها عن الخمسين تحت الصفر في فصل الشتاء، وهو ما يتطلب استمرار النشاط الإنتاجي للحيلولة دون وقوع أضرار.
وانتقد رئيس أكبر شركة نفط روسية سياسة «أوبك»، وحذر من أن انخفاض إنتاج الخام بسبب تراجع الأسعار قد يفضي إلى عجز في المعروض ربما بحلول الربع الأخير من السنة. ووصف سيتشن أوبك بأنها منظمة «فقدت أنيابها»، وأن سياستها أدت إلى «زعزعة استقرار» سوق النفط. وقال إن العوامل الأساسية لسوق النفط لا تبرر التراجع الحاد للأسعار في الفترة الأخيرة.
وتعليقا على تصريحات سيتشن، قال المحلل الكويتي كامل الحرمي، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه مجرد تصريحات عنجهية، وللأسف فإنها موجهة للجمهور الخاطئ، فالصناعة وأوبك تعلم جيدا أن روسيا لا تفعل شيئا منذ سنوات سوى الاستفادة من تضحيات المنظمة لإبقاء الأسعار عالية». وأضاف الحرمي «إذا كانت أوبك خلف زعزعة أسواق النفط فلماذا لا تقوم روسيا بقيادة الأسواق وإعادة الاستقرار لها وتضرب لأوبك مثلا في كيفية إدارة القطاع والسوق؟!».
وروسيا أكبر بلد منتج للنفط في العالم، وبلغت إمداداتها أعلى مستوى لما بعد الحقبة السوفياتية عندما سجلت 10.58 مليون برميل يوميا في المتوسط العام الماضي، لكن العقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية وانخفاض الأسعار يهددان مصدر الدخل الرئيسي للدولة.
وأصدرت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق يوم الثلاثاء الماضي تقرير توقعاتها للمدى المتوسط، حيث تكهنت بأن يجتاز قطاع النفط الأميركي انخفاض الأسعار، بينما من المرجح أن تصبح روسيا «أكبر خاسر» في القطاع. وانهارت أسعار النفط في 2014 وتفاقم التراجع بعد تغيير استراتيجية منظمة البلدان المصدرة للبترول في نوفمبر (تشرين الثاني) وقرارها عدم خفض إنتاجها.
وبدلا من ذلك عمدت المنظمة المؤلفة من 12 عضوا إلى الدفاع عن حصتها السوقية التي تتعرض للتآكل بفعل المعروض المنافس من مصادر مثل النفط الصخري الأميركي.