رئيس المحكمة الدستورية العليا التركية يعلن عن تقديم استقالته

القاضي كيليج يحذر من تحول القضاء إلى «أداة انتقام»

رئيس المحكمة الدستورية العليا التركية يعلن عن تقديم استقالته
TT

رئيس المحكمة الدستورية العليا التركية يعلن عن تقديم استقالته

رئيس المحكمة الدستورية العليا التركية يعلن عن تقديم استقالته

حذر هاشم كيليج، رئيس المحكمة الدستورية العليا في تركيا، أمس، من أن يتحول القضاء في البلاد إلى «أداة انتقام» على يد السلطات السياسية بعد أن عززت شخصيات مدعومة من الحكومة قبضتها على محاكم رئيسية.
وعززت انتخابات الهيئات القضائية على ما يبدو مساعي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لكبح السلطة القضائية وتخليصها من نفوذ رجل دين إسلامي يتهمه إردوغان بمحاولة الإطاحة به عن طريق فضيحة فساد مصطنعة.
وقال كيليج إنه سيستقيل قبل شهر من انتهاء مدته في مارس (آذار) المقبل، محذرا من أن تركيا تواجه مشكلات خطيرة تتعلق باستقلال القضاء.
وأضاف في مؤتمر صحافي يشكو فيه من طريقة إجراء الانتخابات القضائية: «الجميع يعلم الآراء السياسية للقضاة وممثلي الادعاء في القرى النائية في البلاد. لا يمكن أن نستمر بمثل هذه الهيئة القضائية». وأضاف: «ما دامت هذه الانتخابات تجري، فستحدث صراعات سياسية وخلافات. القضاء ليس أداة انتقام، وليس سلطة لأي طرف لكي يحقق أهدافه».
وجرى التصويت قبل 4 أشهر من الانتخابات العامة التي يأمل إردوغان أن تمهد الطريق أمام إصلاحات تمكنه من تحقيق طموحاته بأن يصبح «رئيسا تنفيذيا».
واختلف كيليج مع إردوغان من قبل، خاصة بشأن حكم برفع الحظر الذي فرضته السلطات على «تويتر» لغضبها من مزاعم فساد.
وانتخب أعضاء المحكمة الدستورية زهدي أرسلان رئيسا جديدا للمحكمة بواقع 11 صوتا مقابل 6 أصوات. وقال مسؤول كبير مطلع على الأمر ورفض نشر اسمه لـ«رويترز» إن إردوغان دعم ترشيح أرسلان.
وقال مصطفى سنتوب، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية لـ«رويترز»: «المحكمة الدستورية بحاجة إلى بداية جديدة، وزهدي أرسلان يعتبر فرصة رائعة لتحقيق ذلك».
وفي تصويت منفصل، انتخب روستو جيريت رئيسا لمحكمة الاستئناف العليا ودعمت ترشيحه رابطة قضائية قريبة من الحكومة. ومنذ ظهرت تحقيقات فساد استهدفت الدائرة المقربة من إردوغان بنهاية عام 2013، جرت إقالة أو نقل مئات من القضاة وممثلي الادعاء وآلاف من ضباط الشرطة. وأسقطت محاكم دعاوى ضد المتهمين بالكسب غير المشروع.
ويقول إردوغان إن «الفضيحة» اختلقها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن في محاولة للإطاحة به. وينفي غولن هذا الاتهام. وكان غولن حليفا وثيقا لإردوغان في السنوات التي تلت انتخاب حزب العدالة والتنمية لأول مرة عام 2002.
ونفى كيليج (64 عاما) أنه يعتزم الدخول في العمل السياسي، وذلك مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل. وسوف يعين مكان كيليج زميله في المحكمة الدستورية القاضي زهدي أرسلان.
وأظهرت بيانات نشرها موقع التدوين المصغر «تويتر» أول من أمس، أن تركيا تقدمت بطلبات تزيد 5 مرات على ما تقدمت به أي دولة أخرى لإزالة محتويات من على الموقع خلال النصف الثاني من عام 2014.
وستعزز الأرقام على الأرجح المخاوف من حملة على حرية الإنترنت في البلد الذي تسكنه أغلبية مسلمة ويحمل عضوية حلف شمال الأطلسي، حيث يقول الرئيس رجب طيب إردوغان إنه عازم على القضاء على ما يراه أنشطة غير مشروعة على الإنترنت.
وأظهر تقرير الشفافية الذي أصدره «تويتر» أن تركيا قدمت 477 طلبا لإزالة محتويات بين يوليو (تموز) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين، وهي زيادة بأكثر من 150 في المائة مقارنة بالأشهر الستة الأولى من 2014.
وجاءت روسيا وألمانيا في الترتيب الثاني والثالث بـ91 طلبا، و43 طلبا. وفي المجمل ارتفعت طلبات الحكومات لإزالة محتويات بواقع 40 في المائة.
وتركزت الطلبات التركية بشكل عام على الاتهامات بانتهاك الحقوق الشخصية والتشهير بمواطنين ومسؤولين حكوميين.
وحجبت تركيا بشكل مؤقت موقعي «تويتر» و«يوتيوب» قبل الانتخابات المحلية في مارس الماضي بعد أن نشرت تسجيلات صوتية تكشف فيما يبدو فسادا ضمن الدائرة المقربة من إردوغان على الموقعين. وأثار القرار غضب الرأي العام وانتقادات دولية شديدة.
وقال إردوغان إن «فضيحة الفساد» كانت من تخطيط معارضين سياسيين يسعون للإطاحة به، وتعهد بمحو «تويتر» الذي اتهمه بتهديد الأمن القومي.
وفي يناير (كانون الثاني) اقترح حزب العدالة والتنمية الحاكم قانونا جديدا سيتيح للوزراء بشكل مؤقت حظر مواقع يرون أنها تمثل خطرا على الحياة والنظام العام أو حقوق الناس وحرياتهم.
وقال موقع «تويتر»: «قدمنا اعتراضات في المحكمة ردا على أكثر من 70 في المائة من أوامر المحكمة التركية التي تلقيناها، وفزنا في نحو 5 في المائة من طعوننا»، مضيفا أن نحو 15 في المائة من الطعون لا تزال قيد النظر في المحاكم.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».