مطعم الأسبوع: مطعم الدهان.. الكباب والكفتة في ظل التاريخ

تحت شعار «طعم لن يكون مثله.. ولا كان»

مطعم الأسبوع: مطعم الدهان.. الكباب والكفتة في ظل التاريخ
TT

مطعم الأسبوع: مطعم الدهان.. الكباب والكفتة في ظل التاريخ

مطعم الأسبوع: مطعم الدهان.. الكباب والكفتة في ظل التاريخ

ليست فقط رائحة المشويات اللذيذة التي سوف تجبرك على الدخول مسلوب الإرادة إلى مطعم «الدهان» لتجربة أشهى كباب وكفتة، وتتردد في أذنك مقولة الزعيم عادل إمام الشهيرة «الكباب.. الكباب.. لنخلي عيشتكوا هباب» في فيلمه العبقري «الإرهاب والكباب»، وإنما ستجذبك اللوحة الضخمة المطلة عبر الواجهة الزجاجية للمطعم، يعلوها شعار المملكة المصرية وكتب عليها «منحت الجمعية الزراعية الملكية الحاج علي الدهان جائزة الميدالية الفضية التذكارية.. مطعم نيفة.. مصر في 1936م»، التي ستعود بك إلى مصر في عصرها الذهبي.
بمجرد الدخول سوف تخطف ناظريك مجموعة من الصور لمصر القديمة وحواريها وأزقتها في القرن التاسع عشر، وصور لأقدم فروع مطاعم الدهان يعود تاريخها إلى أكثر من 125 عاما، حيث تأسس أول فروعه في حي الحسين الشعبي عام 1890. واشتهر مطعم الدهان قديما بأنه أشهر مطاعم «النيفة» في القطر المصري، حتى أصبحت شهرته «الدهان العقر» أي الذي لا يستطيع أحد تقديم ما يقدمه من مذاق خاص.
يحتفي المطعم بتاريخ مؤسسي المطعم أحمد حسن الدهان وعلي محمد الدهان بوضع صورتهما في قائمة الطعام، وكتب تحتها بلغة شعرية «تعود بك لأجواء ألف ليلة وليلة». اتفق الجدان على أن يكون لمطعم الدهان «طعم لن يكون مثله ولا كان.. وذاع الصيت في كل مكان.. حتى وصلوا إلى ولائم الملوك وموائد الحكام»، توارث المطعم أحفاد المؤسسين، ومنذ ذلك الزمان تنتشر فروع مطاعم الدهان في عدة مناطق من القاهرة وضواحيها.
في الماضي السحيق كانت كلمة «الدهان» تطلق على جميع العاملين في مطاعم شي اللحوم قبل أن تطغى كلمة «كبابجي» المأخوذة عن اللغة التركية.
«عندنا شهادة من الملك فؤاد وعليها الختم الملكي» بكل فخر يتباهى المتر أحمد صبحي، أحد العاملين بمطعم الدهان بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: منذ أن تذوق الملك فؤاد الأول مشويات الدهان في الحسين فأعجبته، أصبح المطعم مسؤول عن تجهيز المشويات للقصر الملكي، ونحن نفخر بذلك جدا، لذلك وضعنا صورة من تلك الشهادة الملكية على واجهة المطعم، وأيضا في قوائم طعام الدهان».
ويُعد اسم الدهان ذائع الصيت في مصر؛ فإذا طلبت من أي شخص أن يصف لك أقرب مطعم من مطاعم الدهان، سوف تجد أنه لا يوجد مصري لا يعرف أين يقع مطعم الدهان؟! ورغم أن مصر غنية بالمطاعم والمقاهي التي لها تاريخ عريق يعود لأكثر من قرن من الزمان، فإنه من النادر أن تجد أيا منها، محافظا على جودة ومذاق الطعام أو الالتزام بقوائم الطعام التي كانت تقدمها، ويعد «الدهان» من المطاعم القليلة التي تقدم المأكولات الشرقية والمصرية بجودة وخدمة رفيعة المستوى.
بمجرد اختيارك لطاولتك في أحد طابقي المطعم، سوف يأتي أحد العاملين بالمطعم بالقائمة ويترك لك الفرصة في الاختيار من قائمة الطعام الشهية، بالطبع ستجد صعوبة بالغة في الاختيار ورائحة الشواء تداعب حاسة الشم لديك، لكن حاول أن تتغلب عليها لتنتقي ما تحب.
وما إن تحدد اختياراتك حتى تبدأ طقوس «الدهان» في إعدادك للوليمة الكبرى حيث تمتلئ الطاولة بأنواع شهية من المقبلات والحساء، إلى أن يتم إعداد الولائم من اللحوم والمشويات والطواجن في وقت قياسي لا يزيد عن 15 دقيقة، ورغم ذلك تتميز اللحوم بجودة طهيها ومذاقها اللذيذ، إلا أن طواجن الخضراوات أصبحت تُعد بالطريقة العصرية، ويعتمد بعضها على الخضراوات المجمدة Frozen.
تتيح لك قائمة الطعام اختيارات كثيرة ومتنوعة ترضي جميع الأذواق، حيث سيجد الراغبون في اتباع نظام أكل صحي أو «دايت» ما يرغبونه من المشويات من اللحوم والدجاج، كما توجد أصناف الخضار السوتيه، وكافة أنواع المحاشي وأفضلها ورق العنب، فضلا عن أنواع مختلفة من السلاطات، منها سلطة الزبادي، والتبولة والفتوش والسلطة الخضراء.
أما عشاق الوجبات الدسمة فأمامهم مهمة صعبة لاختيار ما يرضي رغباتهم، وننصح بتجربة فتة الدهان بالموزة البتلو، وفتة الكوارع، وإذا كانت لديك مشكلة مع الدهون فيمكنك تجربة «الفتة السادة»، وهي رائعة جدا بمذاق الخل والثوم الخلاب.
وللطبق الرئيسي من اللحوم أو الدجاج، يمكنك الاختيار كما شئت من الكباب والكفتة الضاني أو البتلو أو السجق والشيش طاووق، حيث تُقدّم اللحوم بمذاق رائع لا يطغى عليه التوابل والبهارات، كذلك يُقدم الحمام والسمان المشوي بأسعار مناسبة. ويُعد الطبق الأغلى سعرا لدى «الدهان» هو كيلو الريش البتلو التي يصل سعرها إلى نحو 190 جنيها مصريا (نحو 25 دولارا). ويمكنك الحصول على مشروبات باردة من العصائر الطبيعية الطازجة، كما يقدم المطعم عددا من أصناف التحلية المصرية وأشهرها «أم علي» والأرز باللبن والمهلبية أو الأيس كريم أو سلطة الفواكه.
يتميز مطعم الدهان بالسادس من أكتوبر بـ«فاملي مول» بالمساحة الشاسعة والديكورات الراقية، حيث تتراص الطاولات بما يتيح قدرا كبيرا من الخصوصية، كما أنها تتسع للعائلات الكبيرة، ولعل الأكثر روعة هو المنظر البانورامي الذي يطل عليه المطعم حيث يعطيك إحساسا بالرحابة والاسترخاء، وأنت تتناول أطايب الطعام مع أفق السماء البعيد، وهو منظر طبيعي نادرا ما يتوافر في مطاعم القاهرة والجيزة.
«أنا من أيام الملك»، يداعب عم أحمد أحد العاملين بالمطعم الزبائن عند انتهائهم من طعامهم، محاولا بلطف وخفة ظل سؤالهم عن رغبتهم في احتساء الشاي الأحمر بالنعناع أو القهوة، وعادة ما تترامى الضحكات في الأرجاء، خاصة أن عم أحمد يبدو في منتصف عمره، أي أنه لم يلحق حتى بآخر عهد الملكية في مصر.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.