* هناك كثير من الأفلام التي دارت حول فتيان وقعوا في هوى السينما. المرء يتذكّر فيلم «بحب السيما» لأسامة فوزي، و«سينما باراديزو» لجيسيبي تورناتوري، و«صندوق عجب» لرضا الباهي، لكن فيلم «400 نفخة»، الذي أخرجه الفرنسي فرنسوا تروفو سنة 1959 لا يزال، وإلى حد بعيد، أفضل ما تم تحقيقه من أفلام تدور عن الهوى المبكر للسينما الذي أصاب بطل الأحداث منذ سنوات وعيه الأولى.
* في الأصل هو بعض تاريخ المخرج نفسه حين كان صغيرا، فهو كبطله جاء من عائلة من الطبقة المتوسطة، ومثله كان يهرب من دروس المدرسة لكي يؤم صالات السينما ويهرب من مشاكل البيت ليدخل القاعات المظلمة ليتابع ما رسمته على الشاشة شخصيات تبدو كما لو كانت مزيجا من السحر والظلال المتحركة.
* كان تروفو ناقدا سينمائيا في تلك الفترة، وأم الإخراج السينمائي من عام 1955 بفيلم قصير. سبق معظم أترابه من الذين أسسوا موجة السينما الجديدة بمن فيهم جان - لوك غودار. لكن خط تروفو من ذلك الفيلم وصاعدا هو خط رومانسي في الأساس. ويتضح ذلك من حيث إنه لم يرغب في فيلم يدور عن «حقائق» وتأكيدات وإثباتات، بل أبقاه أقرب إلى خلجات العاشق متكررة في معالجة المخرج لذكرياته الخاصة.
* المشاهد الأخيرة من الفيلم هي تحفة بحد ذاتها. الصبي أنطوان (جان - بيير ليو الذي شبّ ممثلا معروفا ولعب في أفلام لاحقة للمخرج أكثر من مرة) ينطلق راكضا بين أشجار الصنوبر على شاطئ البحر. مسعاه الوصول إلى الساحل، ليس لشيء إلا لأن البحر هو رمز متعدد الصفات، وهنا هو يعني مستقبلا شاسعا وإن كان غير معروف. الكاميرا، والفيلم بالأبيض والأسود، تلحق الصبي. مدير التصوير (هنري ديكاي) يوجهها في «تراكينغ شوتس» لمسافات طويلة. التعبير عن المكان والهدف والدراما التي في داخل الشخصية يجمعها ذلك الركض الطويل لصبي لن يتعب سريعا والكاميرا التي تصاحبه جانبيا تسبر غور زمن كانت الحياة فيها أكثر بساطة من اليوم، بحيث إن عاشق السينما كان يستطيع أن يصدّق أنها هي الحياة والحياة هي السينما. عند تلك اللحظات أنطوان يعيش مستقبله في العام الذي أحبّه.. عالم الأفلام.
* مخرج آخر عبّر عن حنينه للسينما هو بيتر بوغدانوفيتش. المخرج الأميركي الذي أنجز، كثاني عمل له «آخر عرض فيلم» عن بلدة تكساسية صغيرة تغلق صالتها الوحيدة، وكيف تتلون حياة فتيان وفتيات تبعا لذلك، إذ كانت دار السينما المسرة الوحيدة المتاحة.
* لكن في نهاية المطاف فإن الحب الأكبر يبقى حب المشاهدين. في كل يوم يتدفق بضعة ملايين إلى صالات العرض حول العالم. هؤلاء يحافظون على تقليد دائم ويقبلون على مشاهدة الأفلام؛ كل حسب تفضيله. والسينما عرفت كيف تبقى على قيد الحياة بعد كل ما خاضته من عقبات ومخاطر بفضل هؤلاء الذين ما زالوا لا يرضون عنها بديلا. لا التلفزيون أفسد عليهم حبها، ولا قرصنة الأسطوانات حولتهم عنها، ولا التلصص على الأفلام من على مواقع الإنترنت حوّلهم عنها. شكرا لهم.
المشهد
عن حب السينما
المشهد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة