بصعود اليسار الراديكالي في الانتخابات اليونانية الأحد قبل الماضي إلى سدة الحكم، تغير كل شيء في البلاد، ولم يتضمن التغيير المشهد السياسي فقط، عبر تصريحات الحكومة الجديدة التي تبنت خطابا ساخنا ضاربا بكل الأعراف الدبلوماسية والسياسية عرض الحائط فيما يخص الاتفاقيات الموقعة مع الدائنين وما يهم مصلحة البلاد - بل حتى في المظهر العام واختفاء ربطات العنق والسيارات المصفحة وقوات الشرطة والحراسة التي كانت تلتف حول أعضاء الحكومة القديمة، وتعود الشعب عليها، فبات الآن واضحا مشاهدة وزير المالية يانيس فاروفاكيس وهو يرتدي زيا عاديا، وبعيدا عن أي بروتوكول يمتطي دراجته النارية ويحمل حقيبة على ظهره، ويصعد درج قصر ماكسيمو مقر رئاسة الوزراء، وغيره الكثيرون في الحكومة التي أعطت انطباعا من اليوم الأول للفوز، أن اليونان تغيرت تماما وربما إلى الأفضل.
وعلى الرغم من أن حديث الساعة الآن هو شخصية وزير المالية الأستاذ الجامعي يانيس فاروفاكيس الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة ودرس في جامعات كثيرة، فهو وزير مالية غير تقليدي يتمتع بجسم رياضي ويرتدي زيا مختلفا تماما عما كنا نراه على أي وزير آخر، وخصوصا أن هناك بروتوكولات لا بد من اتباعها وفي كثير من الأحيان ويجب الرضوخ إليها، إلا أن هذا الأمر بات من الماضي في ظل حكومة ألكسيس تسيبراس التي لا ترى إلا مصلحة البلاد فقط، والعيش بعيدا عن الوهم والكبرياء، وارتداء ربطات العنق التي هي رمز للثراء كما يرون، في حين أن الآلاف من أبناء الشعب اليوناني يعيشون في ضيق مالي.
ويقول المحللون إن رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس أراد اتباع سياسة الراحل أندريا باباندريو رئيس حزب الباسوك الاشتراكي ورئيس الوزراء الأسبق، عندما كان يرتدي (قميصا برقبة) في بداية حياته السياسية، ليظهر للشعب أنه واحد منهم، حيث كان هذا الزي يرتديه فقط من هم تحت خط الفقر والقرويون البسطاء.
وفي تعليق لمصمم الأزياء اليوناني الشهير لاكيس كافالاس ذكر أن المهم ليس في زي فاروفاكيس، وإنما في نجاح مشروعة الوطني لخدمة البلد، موضحا أن هذا الزي ربما هو الذي جاء به إلى البرلمان اليوناني، ولذلك لا بد من احترامه وهو يعتبر موضة هذا الوقت وأناقة في نفس الوقت، وتحدث عن ضرورة تحرير السياسيين من الملابس الرسمية، وذكر أنه يكره في كثير من الأحيان ظهور الشخص بنفس الزي، وقال إنه يحب الألوان، وليس على الرجل أن يرتدي دائما ألوانا داكنة، موضحا أن الألوان الأخرى الفاتحة تجعل الرجل متحررا وسعيدا وقد يساعده ذلك على نجاح ما يسعى إليه.
وقال كافلاس عن يانيس فاروفاكيس: «أنا لا أعتقد أن هذا الزي يثير أحدا أو يسيء لأشخاص ما، فإذا كان فاروفاكيس يشعر بالراحة ويرغب في هذا الزي، فسوف يساعده ذلك على الإنتاج في العمل وتحقيق المشروع الوطني الذي يريده للبلاد، وأنا أعشق الاستماع إلى ما يقوله، فهو يريد إعطاءنا انطباعات عن تحقيق الوعود التي وعدونا بها قبل الانتخابات، وهذا أمر جيد، وأتمنى أن يتحقق، بغض النظر عما يرتديه».
أما ثيوظوروس بانغالوس وزير الخارجية اليوناني الأسبق، يبدو أنه منزعج من زي وزير المالية فاروفاكيس، ووصف الأمر أنه «مشكلة»، مشيرا إلى عدم تأييده لملابس أو لغة الجسد لفاروفاكيس، وقال إنه ليس من المقبول أن يكون هناك اجتماع رسمي والوزير يرتدي قميصا خارج السروال ويديه في جيبه.
وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع شعبان عبد العزيز، وهو مواطن يوناني من أصل عربي، ذكر أن رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس منذ تولي رئاسة حزب تحالف اليسار الراديكالي قبل سنوات وهو لا يرتدي ربطة عنق، مما جعل نمط الحزب هو رفض ربطة العنق، وضرورة ارتداء الزي العادي القريب من المواطنين الفقراء والطبقات المتوسطة، ولذلك لا يصح أن يكون رئيس الحكومة من دون ربطة عنق ويكون أحد الوزراء يرتديها، فهذا ليس من الشيء المفضل.
وأوضح عبد العزيز أن يانيس فاروفاكيس قد يريد توصيل رسالة لزعماء أوروبا من ذوي ربطات العنق، أن الحضارة الإغريقية التي بدأ شعاعها من اليونان وأنارت العالم كله، لم يكن أصحابها يرتدون ربطات عنق وإنما هم كانوا فلاسفة وأناس بسطاء، وعلى الرغم من ذلك قادوا العالم بعلومهم التي هي باقية إلى الآن.
وتقول ستيلا باباكوستا لـ«الشرق الأوسط» وهي موظفة في إحدى الوزارات، إنها فخورة كيونانية بشخصية فاروفاكيس والذي نجح في أول لقاء له مع رئيس مجموعة اليورو في أن يضعه في استعداد الانفجار وهو في نفس الوقت لا يبالي شيئا، موضحة أن بعد ساعتين من اللقاء والمفاوضات، أصر على التعبير عن رأيه للعالم، وصرح في ختام المؤتمر الصحافي أن الحكومة لا تتعاون مع خبراء الترويكا الدائنة، بغض النظر عن قميصه الفضفاض أو حركات وجهه أو جسده، وفي نفس الوقت كان هادئا ومتجاهلا. عموما الذي يهم الجميع هو مصلحة الوطن وإيقاف الرأسماليين عن ابتزاز اليونان التي ينظرون إليها كحقل تجارب.
يذكر أن وزير المالية اليوناني الجديد يانيس فاروفاكيس، هو من أصل مصري، حيث إن والده هو يورغوس فاروفاكيس من مواليد القاهرة عام 1925، وهو حاليا (أي والده) أستاذ مساعد في جامعة أثينا والرئيس الفخري للمنظمة اليونانية للتوحيد القياسي (ELOT)، وكان قد أنهى دراسته قبل الجامعية في القاهرة، ليأتي بعد ذلك إلى اليونان ليدرس الكيمياء والفيزياء في جامعة أثينا وتخرج منها في عام 1953، وفي عام 1965 حصل على شهادة الدكتوراه.
ولقد ولد وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس في أثينا عام 1961، حيث أنهى المدرسة الثانوية، ثم درست الرياضيات والاقتصاد في جامعة إسكس وبرمنغهام، ودرس في جامعتي إسكس، وكامبريدج وغلاسكو، وكان أستاذ مساعد في علم الاقتصاد في جامعة سيدني في أستراليا وأستاذ الزمالة في الاقتصاد والأخلاق الاجتماعية في جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا.
منذ عام 2000 وهو يدرس النظرية الاقتصادية والاقتصاد السياسي في جامعة أثينا، وفي عام 2003 قام بإعداد الدكتوراه في الإدارة (UADPhilEcon) حتى 2008، وهو رئيس قسم الاقتصاد السياسي في جامعة أثينا.
زي وزير المالية اليوناني المتجاهل للبروتوكول.. يتخطى هدفه الاقتصادي
مراقبون: فاروفاكيس يسعى لتوصيل رسالة بأن عظماء الحضارة اليونانية لم يرتدوا زيا رسميا

وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن خلال مقابلته نظيره اليوناني يانيس فاروفاكيس في لندن (رويترز) - لقطات لوزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس مرتديا أزياء معاصرة دون ربطة عنق أو التزام بالبروتوكول
زي وزير المالية اليوناني المتجاهل للبروتوكول.. يتخطى هدفه الاقتصادي

وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن خلال مقابلته نظيره اليوناني يانيس فاروفاكيس في لندن (رويترز) - لقطات لوزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس مرتديا أزياء معاصرة دون ربطة عنق أو التزام بالبروتوكول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة