(2*)
ينتهي «لعبة المحاكاة» من سرد حكايته وملعقة السكّر ما زالت في فمه رغم أنه يرسم نهاية تراجيدية لبطله عبقري الحسابات الذي استطاع فك شيفرة قيادة الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية وإنقاذ أرواح الجنود البريطانيين. يمهد السيناريو الذي كتبه غراهام مور (أول مرّة) وأخرجه النرويجي مورتن تيلدوم (أول فيلم بالإنجليزية له) بأن القيادة البريطانية عجزت عن فك الطلاسم قبل دخول تورينغ (بندكت كمبرباتش) لمقابلة الآمر العسكري دنيستون (الجيد تشارلز دانس) وطرحه نفسه كمنقذ لفشل المؤسسة بثقة مثيرة: «أنا لست بحاجة لكم، أنتم بحاجة إليّ».
يصغي القائد دنيستون بإعجاب كما لو كان يتابع استعراضا سحريا ويقرر منح هذا الشاب فرصة. لكن الفيلم لا يبدأ من هنا تماما، بل من قيام البوليس البريطاني، بعد سنوات من الحرب، بالتحقيق مع تورينغ. وهذا التحقيق يظهر ويختفي في نقلات زمنية إلى الأمام (فلاش فوروود). كذلك ترد مشاهد سنوات ما قبل الحرب (فلاشباك) من الثلاثينات عندما كان تورينغ لا يزال طالبا صغيرا.
تلك الفترة هي التي أدرك فيها تورينغ ميوله المثلية، لكن صلب الأحداث ما يقع حاضرا (الأربعينات) وهي عبارة عن متابعة الشاب المتأفف والمتعجرف أحيانا تورينغ وكيف حصل على الوظيفة لإنقاذ أرواح الجنود البريطانيين متحدّيا المستحيل، ولو أنه في معظم المشاهد التي كان عليها أن تذكر كيفية حل الشيفرات تظهره واقفا أمام جهاز يشبه خزانة بلا أبواب ومليئة بالتسجيلات يستعرضها كما لو كان واقفا أمام لوحة لبيكاسو. لا نعرف كثيرا عنها. نسمع أرقاما ونقفز وراء صيحات يأس وصيحات أمل أو فرح، لكن لا مجال للفيلم لتقديم قدر واف من العمق.
لا يدخل الفيلم في متاهات سردية لكنه يضيع قليلا فيما هو أكثر أهمية. هل هو عن تلك المهمّة العسيرة ذاتها؟ أم هو عن صعوبات التواصل بين تورينغ وسواه؟ هل هو عن حب من طرف واحد تبثّه نحوه فتاة اختارها لمساعدته؟ أو هو (كما الشق الأخير من الأحداث) عن مثليته الجنسية؟
بعد جرعة من المواقف التقليدية في نصف الفيلم الأول ومشاهد كليشيه محسوب تأثيرها، يتأزم الوضع مع صعوبة حل الشيفرة، ثم صعوبة حمايتها بعد حلها، والموقف الأخلاقي بين إنقاذ سريع لأرواح الجنود أو استكمال فك الشيفرة لحرمان الألمان من تغييرها. ثم مثلية بطل الفيلم التي لم تمنع جوان (كايرا نايتلي) من حبّه ورغبتها في الزواج به (كما كان حال بطلة «نظرية كل شيء» التي لم تمانع الزواج من مُعاق لأنها تحبّه) ولو أنه يقرر الانسحاب من حياتها. تبلور السيناريو لا ينقذ الفيلم تماما. المأزق الأول هو الافتراض بأن علينا القبول حين يذكر الفيلم صعوبة فك الشيفرة من دون أن يظهر لنا عمليا ما يوازي من تفاصيل. الجميع في العمل والنتائج متأخرة لكننا لسنا على مسافة واحدة مما يحدث، بل ما نراه ونسمعه يأتينا مقررا علينا. أداء كمبرباتش يبدو مناسبا وهو بالتأكيد مفعم بالخلجات العاطفية ولو متكررة، لكن الصورة المتداولة هنا تعاطفية تحاول تذليل المتطلّبات الأكثر تعقيدا بأسلوب سينمائي يوهم بفن ليس فيه.
شاشة الناقد
The Imitation Game
شاشة الناقد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة