اعترض خبير العقار اللندني أندرو لانغتون على سؤال من «الشرق الأوسط» يفترض أن قمة سوق العقارات اللندنية لم تتأثر بالتغييرات الضريبية التي جرت مؤخرا، وقال إنه يعرف شخصيا العديد من كبار المشترين من الشرق الأوسط وروسيا وبروناي الذين يعرضون عقاراتهم اللندنية للبيع الآن. وأضاف أن هناك العديد من الحقائق التي يجب الاعتراف بها، على رغم من أن «الغبار لم يهدأ بعد عقب زوبعة التغيير الضريبي الأخيرة».
من هذه الحقائق ظهور عامل عدم الثقة بعد أن غيرت الحكومة البريطانية الضريبة العقارية ثلاث مرات منذ توليها الإدارة وعدم الثقة في أن تفعلها مرة أخرى. وأضاف أن لندن كانت جنة ضريبية للأثرياء أما الآن فقد تحولت إلى غابة ضريبية وجعلت الأثرياء الأجانب يشعرون بأنهم غير مرحب بهم.
وأكد لانغتون، رئيس مجلس إدارة شركة «إيلزفورد الدولية» للعقار، أنه يعرف شخصيا العديد من كبار الأثرياء الذين يعرضون عقارات لندنية للبيع الآن، خصوصا مع انهيار سعر البترول، والضربة الثنائية للاقتصاد الروسي في تراجع أسعار البترول من ناحية وانهيار سعر الروبل من ناحية أخرى.
ولاحظ لانغتون أن وزير الخزانة البريطاني في خطابه الأخير رفع ضريبة العقار السنوية على غير المقيمين من 140 ألف إسترليني إلى 228 ألف إسترليني لعقارات تزيد قيمتها على 20 مليون إسترليني، وهناك عدم ثقة في أن حكومة عمالية قد ترفعها أكثر. كما قد تفرض حكومة عمالية في المستقبل ضرائب إضافية على العقار الفاخر. وعلاوة على هذا كله، هناك ضريبة رأسمال على زيادة القيمة قدرها 28 في المائة تفرض على غير المقيمين.
من ناحية أخرى، قال الخبير أليكس نيوال، من شركة «هانوفر برايفت هاوس»، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لاحظ تغييرا في نمط الشراء العقاري في القطاع الفاخر في لندن وتحولا إلى الشراء باسم شركات أوفشور بدلا من الشراء الشخصي. وعلى الرغم من أن هذا التوجه يعني ضريبة عقارية قدرها 15 في المائة بدلا من 12 في المائة على عقارات فوق حد 1.5 مليون إسترليني، فإنها توفر الخصوصية التي يطلبها الأثرياء. وأضاف أن هذا يتضح جليا في فئة العقارات بقيمة 20 مليون إسترليني، والتي تتفاوض بشأنها الشركة حاليا لصالح مشترين أجانب.
وأشار نيوال إلى أن الأثرياء يستمعون الآن بدقة إلى نصائح خبراء الضرائب والقانون، وأن اللجوء إلى الشراء عبر الشركات قد يكون أرخص على المدى الطويل على الرغم من الضريبة الأعلى عند نقطة الشراء. ولاحظ نيوال أيضا تراجع عمليات الشراء وزيادة عمليات المساومة الشاقة، وإن كان بعضها يؤدي إلى صفقات بأسعار قريبة من المطلوب. وأضاف أنه مع دخول الأسواق إلى عام 2015 سوف تتضح الصورة أكثر بحسم المشترين الحاليين لأمرهم في ما يخص قرار الشراء من عدمه بينما تفتح الأسواق أبوابها لمشترين جدد يقبلون الأمر الواقع.
ولا شك أن التغييرات الضريبية على شراء العقارات في لندن، التي أعلنها وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن قبل أسابيع، كان لها وقع المفاجأة على العديد من المتعاملين في سوق العقارات اللندنية. المفاجأة كانت في التوقيت حيث كان الجميع يتوقع أن تظل السوق على ما هي عليه، وأن تأتي التغييرات بعد الانتخابات العامة في شهر مايو (أيار) المقبل. كما فوجئ البعض أيضا بأن التغيير كان هيكليا وجذريا في تركيبة الضريبة، بحيث استفاد منها البعض وعانى منها البعض الآخر خصوصا على قمة السوق. واعتبر الخبراء أن تعديل الضريبة قد يلغي الحاجة إلى فرض ضريبة إضافية في حالة فوز حزب العمال، وإن كان هذا الأمر غير مؤكد.
من ناحيته، قال الخيبر روبن تشاتوين من شركة «سافيلز» إنه لم يشهد ليلة عصيبة كتلك التي تلت الإعلان عن التعديل الضريبي الذي كان سيصبح نافذ المفعول بداية من منتصف ليلة الإعلان الضريبي. وهو يصف حالة الطوارئ في الشركة بأن الهاتف لم ينقطع عن الرنين بعد الإعلان الضريبي. وبالإضافة إلى الصفقات التي كانت تعمل عليها لإنهائها قبل نهاية هذه الليلة، فإن الشركة عقدت صفقة بيع وشراء من البداية إلى النهاية في نفس الليلة لعقار ثمنه خمسة ملايين إسترليني، بتوفير للمشتري بلغ حجمه 160 ألف جنيه إسترليني.
وفي شركات أخرى قال مديرون بها إن الاستفسارات كانت تدور حول ما يعني هذا التغيير الضريبي للصفقات الجارية ومخاوف من فسخ التعاقدات بسبب الضرائب الإضافية التي يتحملها المشتري. ولكن ما حدث بالفعل لم يكن انسحابا جماعيا من الصفقات أو توقف عمليات الشراء في القطاع الفاخر، وإنما بداية لعمليات إعادة تفاوض ومحاولات من المشترين لتحويل النفقات الإضافية إلى البائعين ورفض معظم البائعين هذا المبدأ.
كما حاول بعض المشترين تقسيم المبلغ الإضافي مناصفة بين البائع والمشتري، وكان الرد أيضا هو الرفض. ولكن مع ذلك استمرت الصفقات ولم يتوقف نشاط السوق. وكان الوضع هو تحمل المشتري لكامل التعديل الضريبي أو تنازل البائع قليلا في الثمن من أجل إتمام الصفقة.
وبينما لم يتضرر كثيرا القطاع بين مليون ومليوني إسترليني، فإن القطاع الفاخر فوق مليوني إسترليني شهد حالة من إعادة الحسابات يشوبها الإحباط وبعض الغضب من التطبيق الفوري لضرائب تصاعدية مفاجئة وفورية مثلما يحدث في دول العالم الثالث.
الإجماع بين آراء الخبراء هو أن التعديل الضريبي لن يؤدي إلى انهيار السوق أو توقف الصفقات كما كان يخشى البعض، ولكن إلى تراجع النشاط مرحليا. وبوجه عام أنهت بعض أحياء لندن عام 2014 بزيادات سعرية بلغت 25 في المائة مقارنة ببداية العام. وفي العام الجديد سوف تمتص السوق هذه الزيادات بحيث يدخلها المشتري في الاعتبار من قبل التقدم بطلب شراء لواحد من عقارات لندن.
من ناحية أخرى زاد النشاط بنسبة كبيرة في القطاع المتوسط الذي يقل عن 900 ألف إسترليني، حيث انخفضت معدلات الضريبة عليه. ونتج عن هذا الوضع أن المشترين زادت قدراتهم المالية مع انخفاض الضريبة وتطلعوا إلى عقارات أعلى في الثمن. وشهدت بعض الشركات مثل «هارت» التي تعد أكبر وكالة عقار مستقلة زيادة في استفسارات شراء العقار بنسبة 15 في المائة عقب التعديل الضريبي. وقال مدير الشركة راسيل جارفيس إن إدراك المشترين أن باستطاعتهم رفع عرض الشراء ربما إلى عقارات أغلى ثمنا كان وراء النشاط المفاجئ في السوق الذي أسفر عن عقد العديد من الصفقات.
وفي حالات أخرى كان يفصل فيها فارق السعر بين البائع والمشتري في حدود خمسة إلى عشرة آلاف إسترليني. بعد التعديل الضريبي انتهى هذا الفارق بفعل الخفض الضريبي، وعاد التفاوض بجدية على إنهاء الصفقات.
وعبر بعض الخبراء، في حوارات سابقة مع «الشرق الأوسط»، عن اعتقادهم في أن السوق سوف تشهد فترة خمول في بدايات عام 2015 وحتى موعد الانتخابات العامة، ولم تتغير النظرة العامة لفترة تصحيح في عام 2015 بعد أن اتضحت الرؤية الضريبية التي يأمل متعاملو العقار في استقرارها.
ووفقا للنظام الضريبي القديم الذي استفادت منه الخزانة البريطانية بحجم 6.4 مليار إسترليني في العام الماضي، كانت الضريبة تفرض على العقارات بأكملها وفقا للشريحة السعرية التي تقع فيها. فعند حد ربع مليون إسترليني كانت الضريبة تتغير من واحد إلى ثلاثة في المائة. وكان هذا يعني عمليا أن العقار الذي يبلغ ثمنه ربع مليون إسترليني كانت تستحق عليه ضريبة 2500 إسترليني ضريبة، أما العقار الذي يزيد ثمنه إلى 251 ألف إسترليني فالضريبة عليه ترتفع إلى 7530 جنيها. وتحت النظام الجديد سوف لن تزيد الضريبة على عقار ثمنه 275 ألف إسترليني على مبلغ 4500 إسترليني.
وفي الماضي كانت شركات العقار تأخذ الضريبة في الاعتبار عند تقييم أي عقار، فالشريحة السعرية بين ربع مليون و265 ألف إسترليني كانت شريحة ميتة. فالبائع لن يطلب مثل هذا السعر مع معرفة أن المشتري لن يدفع فوق ربع المليون إسترليني بسبب الضريبة. الآن يمكن التسعير الواقعي في حدود 255 ألف إسترليني بدلا من سعر سابق سجين تحت حد ربع المليون إسترليني. وتشير إحصاءات التسجيل خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2014 إلى أن معظم الصفقات في القطاع جرت تحت حد ربع المليون إسترليني، بينما القليل منها كان بين 250 ألفا و260 ألف إسترليني.
وفي القطاع الأعلى كانت معظم الصفقات تعقد تحت الحدود التي ترتفع بعدها الضريبة، مثل حدود نصف المليون إسترليني الذي ترتفع عنده الضريبة إلى نسبة أربعة في المائة وحدود مليون ومليوني إسترليني للعقار.
ويعتقد نيل هدسون، الخبير العقاري في شركة «سافيلز»، أن التغييرات الضريبية من شأنها رفع أسعار العقار في القطاع المتوسط في لندن. ويقول إن الفوائد الضريبية سوف يستفيد منها البائع والمشتري على السواء. وهو يشير إلى أن بعض العقارات الجيدة سوف تخرج عن سجنها الضريبي تحت الحدود الضريبية وتقوم بقيمتها الحقيقية بينما تبقى بعض العقارات الأخرى في مكانها.
وقد شكت العديد من الجمعيات السكنية في لندن من أن التعديلات الضريبية تم تسويقها حكوميا على أنها تأتي لدعم محدودي الدخل لكنها في الواقع لم تغير شيئا لأن عقارات لندن ما زالت فوق القدرة الشرائية لمعظم سكان لندن من الجيل الجديد الذي يلجأ الآن إلى الإيجار كبديل وحيد.
خبراء عقار يحذرون: لندن تحولت من جنة ضريبية إلى غابة ضرائب
رفع الضرائب على العقار وتراجع النفط سيؤديان إلى انسحاب الأثرياء الأجانب
خبراء عقار يحذرون: لندن تحولت من جنة ضريبية إلى غابة ضرائب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة