وصف جمال هلال المستشار السابق لخمسة رؤساء أميركيين لشؤون الشرق الأوسط، العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، بأنه كان رجلا صادقا وأمينا وزعيما وقائدا بكل ما تحمله الكلمات من معنى وكان دائما يردد «أنني أعمل من أجل ربي وديني وشعبي وعروبتي».
وقال هلال الذي كان حاضرا في كافة اللقاءات بين الملك الراحل والرؤساء الأميركيين «لقد عملت معه قرابة عقدين منذ كان وليا للعهد ثم ملكا، وخلال لقاءاته مع الرؤساء الأميركيين الذين عملت معهم (من الرئيس جورج بوش الأب إلى الرئيس بيل كلينتون إلى الرئيس جورج بوش الابن والرئيس باراك أوباما)، كان الملك الراحل محل ثقة كافة الرؤساء الأميركيين، ووثق فيه هؤلاء الرؤساء وفي حرصه على تقوية العلاقات الثنائية، فقد كان يتمتع بالصراحة المفرطة وينطق بما يشعر به داخله ولم يكن مناورا أو مخادعا على المستوى الشخصي، ولذا كانت كل كلمة يقولها محل ثقة كبيرة، وكان الرؤساء الأميركيون يعملون له ألف حساب، وشجاعته وصدقه كانا السبب في إيمانه أنه في حال أخطأ أصدقاؤه فإن من واجبه أن يصارحهم، وكان يتعامل مع الآخرين بثقة حتى يثبت العكس وكان لا يحب من لا يحترمون تعهداتهم وبعدها ليس هناك خط رجعة ويرى أن الرجال مواقف وصدق في الكلمات والمواقف، ومن كلماته الخاصة التي كان يرددها دائما هي عبارة (صديقك من صادقك القول)».
وعن ذكرياته خلال مشاركته في اجتماعات الملك عبد الله مع الرؤساء الأميركيين، يقول هلال «في كافة اللقاءات التي التقى فيها الملك عبد الله مع الرؤساء الأميركيين كان له دائما القدرة على رؤية الأمور السياسية وأمن المنطقة بما يجعله دائما في المقدمة وكان زعيما وقائدا بكل معنى الكلمة وله نظرة ثاقبة وحكيمة في قضايا المنطقة، ودافع عن القضية الفلسطينية بكل قوة وأتذكر لقاء الملك الراحل عندما كان وليا للعهد مع الرئيس جورج بوش الأب في مزرعته بكراوفورد بولاية تكساس في أبريل (نيسان) عام 2002 وفي ذلك الوقت كانت القوات الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون تحاصر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقره بمدينة رام الله. وكان الملك عبد الله غاضبا لإهانة رئيس عربي واتخذ موقفا حاسما وقويا مطالبا الإدارة الأميركية بالتدخل لفك الحصار الإسرائيلي عن الرئيس ياسر عرفات». ويضيف هلال «في نقاشاته مع الرؤساء الأميركيين كان الملك عبد الله يكره المكالمات الهاتفية ويقتصر فيها على الحديث عن العموميات، وكان يفضل مناقشة القضايا الهامة وجها لوجه مع الرئيس الأميركي. وكان نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني من أقرب أصدقائه من المسؤولين الأميركيين». ويؤكد هلال أن الملك عبد الله كان يؤمن على المستوى الشخصي والسياسي بالوسطية ويكره الغلو بكافة أنواعه لذا كان في طليعة الإصلاحيين في داخل المملكة وكان من المؤمنين بالتحديث ولكن بالتوازن مع السياق الاجتماعي وقد أعطى المملكة مكانة إضافية بشخصه وعلاقاته. وعلى المستوى الشخصي يقول هلال بأن الملك عبد الله كان يكره المصاعد المغلقة ويعشق الخيول ويفضل رياضة المشي داخل حمام السباحة.
بدوره، يقول دينيس روس المستشار السابق للرئيس أوباما والدبلوماسي المحنك الذي تولى تنسيق محادثات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية خلال إدارتي الرئيسين الأسبقين جورج بوش الأب وبيل كلينتون «الملك عبد الله امتلك شخصية قوية ورؤية واضحة وخلال الاجتماعات التي شاركت فيها كان يستمع بإصغاء لأفكار ورؤى الآخرين، وفي نفس الوقت يقدم وجهة نظره بشكل لا لبس فيه. وكان لا يثق في الإيرانيين ويرى أنه لا يمكن الوثوق فيهم وعندما بدأ تدهور الوضع والصراع في سوريا كان الملك الراحل أول الداعين إلى رحيل الرئيس بشار الأسد وساند الجهود التي تدعم إزاحة الأسد وتقليص نفوذ الإيرانيين». ويضيف روس «أتذكر كيف تأثرت وجهة نظره تجاه الولايات المتحدة بعد الغزو العراقي للكويت وتقديره العميق للرئيس جورج بوش الأب لإسهامه في تحرير الكويت»، وقال: «إنه يعول على أميركا، لكن في السنوات القليلة الماضية لم يستطع الملك عبد الله إخفاء خيبة أمله في نهج الإدارة الأميركية مع سوريا وشعر أن نهج الإدارة الأميركية في التعامل مع إيران كان ساذجا». ويؤكد روس أن الملك عبد الله كان صريحا ومباشرا ووجهات نظره واضحة في أوقات الأزمات والتوترات.
من جانبه، استبعد اليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي السابق بعهد الرئيس جورج بوش والباحث بمجلس العلاقات الخارجية، حدوث تغييرات جذرية في السياسات السعودية بعد رحيل الملك عبد الله، وقال: «لا أعتقد أن السياسة السعودية سوف تتغير كثيرا في ظل الملك سلمان بن عبد العزيز، فالسياسات السعودية تجاه البحرين واليمن والعراق وإيران وسوريا وفلسطين وفيما يتعلق أيضا باتجاهات النفط، ليست رؤية لشخصية واحدة وإنما كان الملك عبد الله يمثل إجماع العائلة المالكة والرؤية الوطنية للشعب السعودي».
ويرصد ديفيد أوتوواي الباحث المتخصص في الشرق الأوسط بمعهد «وودرو ويلسون» محطات التوافق والاختلاف في العلاقات السعودية الأميركية ويقول: «لقد مرت العلاقات السعودية الأميركية بنجاحات وإخفاقات خلال عهد خادم الحرمين منذ كان وليا للعهد ثم ملكا للمملكة وساءت العلاقات قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. بسبب رفض الرئيس بوش معالجة القضية الفلسطينية واتسعت الفجوة بسبب تورط سعوديين في هجمات سبتمبر وغضب الملك عبد الله من الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 وأعتقد أن العراق يقدم إلى إيران على طبق من فضة لأن حكومة شيعية مدعومة من إيران جاءت إلى الحكم بمساعدة أميركا». ويضيف اتوواي أنه في السنوات الأخيرة كانت المملكة العربية السعودية تعتقد أن الولايات المتحدة قد تخلت عن منطقة الشرق الأوسط لكن مع صعود تنظيم داعش وقرار أوباما تشكيل وقيادة تحالف دولي للملاحقة وإلحاق الهزيمة بداعش عادت العلاقات مرة أخرى إلى تعاون وثيق ولا يزال هناك تعاون وثيق لمكافحة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وخاصة في اليمن.
ويشير اتوواي إلى أن السلطات السعودية تتشكك بقوة في نوايا الرئيس أوباما تجاه إيران التي تعد المنافس الإقليمي للسعودية وتخشى الأسرة الحاكمة السعودية من التوصل إلى اتفاق إيراني مع أميركا والقوى الدولية يفتح الطريق لتقارب بين واشنطن وطهران على حساب الرياض ويؤدي إلى ميل أميركي أكبر تجاه إيران في منطقة الخليج خصوصا مع تصاعد نفوذ الحوثيين في صنعاء بدعم من إيران. ويشدد الباحث الأميركي أن أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران سيكون كابوسا للملك الجديد.
مسؤولون وخبراء يرصدون مواقف وتفاصيل لقاءات الملك عبد الله مع الرؤساء الأميركيين
دينيس روس: الراحل كانت له رؤية ثاقبة تجاه القضايا الإقليمية
مسؤولون وخبراء يرصدون مواقف وتفاصيل لقاءات الملك عبد الله مع الرؤساء الأميركيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة