أفغانستان: تصدعات طالبان.. فرصة لانتعاش «داعش»

الملا عبد الرؤوف أبرز قادة المسلحين من طالبان خريج «غوانتانامو» يدعو المسلحين للولاء للبغدادي

قلق في صفوف طالبان من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش (نيويورك تايمز)
قلق في صفوف طالبان من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش (نيويورك تايمز)
TT

أفغانستان: تصدعات طالبان.. فرصة لانتعاش «داعش»

قلق في صفوف طالبان من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش (نيويورك تايمز)
قلق في صفوف طالبان من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش (نيويورك تايمز)

عبر رقعة من العنف الشديد الذي يضرب جنوب أفغانستان، تنتشر الشائعات حول حفنة من مقاتلي حركة طالبان السابقين، الذي أعلنوا ولاءهم لتنظيم داعش، ويعتقد أنهم باتوا يقاتلون رفاق السلاح القدامى، من أجل فرض الهيمنة.
سرعان ما أدت التقارير الواردة هذا الشهر عن القتال الدائر بين مجموعات المتطرفين المتناحرة، في منطقة كاجاكي البعيدة بإقليم هلمند، إلى إثارة ضجة.
وأعرب بعض المسؤولين الأفغان عن قلقهم من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش، والمعروف اختصارا باسم (ISIS) أو(ISIL)، الذي يبعد آلاف الأميال عن البلاد.
لكن المقابلات التي أُجريت مع المسؤولين الغربيين ومع الأفغان، إلى جانب تصريحات السكان المحليين بأن حركة طالبان وأحد المقاتلين الذين وصف نفسه بأنه قائد فرعي في المجموعة الجديدة الموالية لـ«داعش»، أفادت بأن الأمر لا يعدو كونه مثالا على الانقسامات الداخلية ضمن حركة طالبان، أكثر من كونها توسعا كبيرا لتنظيم داعش داخل أفغانستان.
بعد سنوات من قتال طالبان للتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة، وضد قوات الأمن الأفغانية الجديدة، صار تماسك الحركة محل تساؤلات كثيرة ومتزايدة. وخصوصا، الغياب الطويل لزعيم طالبان المنعزل، الملا محمد عمر، الذي دفع بحالة من الاستياء والحنق بين صفوف حركة طالبان أفغانستان.
وفي تلك البيئة، جاءت النجاحات التي حققها تنظيم داعش في ساحات المعارك السورية والعراقية لتعلي راية جديدة من السخط والغضب لدى حركة طالبان.
يأتي الملا عبد الرؤوف خادم، كأهم وأبرز قادة المسلحين من طالبان في إقليم هلمند. ولقد كان من معتقلي السجن العسكري في خليج غوانتانامو لعدة سنوات، ثم عاد إلى صفوف حركة طالبان عقب إطلاق سراحه، ليؤدي دوره كقائد عسكري على مستوى الإقليم. ثم سقط منذ خروجه مع زملائه المتمردين، ويعتقد البعض أنه يدعو المجندين إلى دعمه وإسناده في دوره الجديد كزعيم محلي موالٍ لتنظيم البغدادي. غير أن الوقوف على دقة تلك الانقسامات تتباين كثيرا.
يرفض زعماء حركة طالبان المحليون، وجيرانهم تلك المزاعم الداعية إلى أن الملا خادم قد أنشأ خلية جديدة موالية لتنظيم داعش في إقليم هلمند.
قال حاجي دوراني، وهو مزارع لديه أقارب في حركة طالبان، ويعيش بالقرب من قرية الملا خادم في كاجاكي، ويقول إنه يشاهد الطالب السابق يوميا، وغالبا ما يكون برفقة 10 أو أكثر من مؤيديه: «ليست لديه علاقات مع (داعش)».
كما رفض الملا محمد شاه، وهو من قادة طالبان المحليين، المزاعم القائلة إن تنظيم داعش له نشاط ما في منطقة كاجاكي، أو في أي مكان آخر في إقليم هلمند.
وقال عبر الهاتف: «لم نشاهد أي عنصر من عناصر داعش يتحرك في كاجاكي. إننا نعرف الملا عبد الرؤوف خادم جيدا. لقد كان عضوا في طالبان، ولكنه يلزم منزله الآن».
ولكن هناك آخرين لا يتفقون مع ذلك. يقول حاجي ملا صاحب، وهو زعيم لإحدى القبائل في كاجاكي، إن الملا خادم يعمل بنشاط على تجنيد المقاتلين تحت لواء «داعش»، وتمكن من إحراز بعض النجاح في ذلك، حيث انتقلت سيارتا نقل محملتين بالمقاتلين وأسرهم إلى مكان قريب أخيرا. وأضاف: «إنهم يحاولون تجنيد الناس، ويرسلون الخطابات إلى الناس ليؤيدوهم».
وقال حاجي شارين، وهو زعيم قبلي آخر، إن الملا خادم كان يضغط على رفاقه القدامى من حركة طالبان للانضمام إليه. مضيفا: «طلب منهم التبرؤ من طالبان، ويعمل جاهدا على إيجاد موطئ قدم لـ(داعش) في كاجاكي».
وفي المقابلات، قال رجل يدعى حاجي ميرويس إنه التحق بصفوف «داعش» نائبا تحت قيادة الملا خادم، وزعم أن خليتهم تبلغ 300 مقاتل. وأضاف أن الملا خادم شعر بالتهميش من جانب حالة الصمت الطويلة التي لازمت الملا محمد عمر، وتشكك حول قيادة حركة طالبان في المنفى «من قبل، كان القادة الميدانيون يتلقون التوجيهات والإرشادات من الملا عمر، ولكننا لم نسمع عن الملا عمر منذ سنوات. وذلك هو جل اهتمامنا. إننا نحترم الملا عمر. ولكن إذا كان على قيد الحياة، فلماذا لا يظهر ويقودنا؟».
قال أعضاء من حركة طالبان المحلية في وقت لاحق إن أحدهم، ويدعى حاجي ميرويس، كان من المقاتلين تحت قيادة الملا خادم، وإنه شوهد برفقته أخيرا.
وقال المسؤولون الغربيون إنهم يتابعون تلك التقارير حول «داعش» في أفغانستان عن كثب، ويحاولون تبين ما إذا كان تنظيم داعش يسعى لاجتذاب جيل جديد من المقاتلين، أو على الأغلب يوفر فرصة إعادة الانضمام للمخضرمين من مقاتلي طالبان.
وقال الجنرال جون ف. كامبل، قائد قوات التحالف في أفغانستان، في مقابلة أجريت معه إن أركانه يحققون في التقارير التي تفيد بأن «داعش» يجند المقاتلين هناك، بما في ذلك نشر خطابات الدعاية مساء في الجامعة بمدينة جلال آباد، وجهود تجنيد الملا خادم في هلمند.
حتى الآن، كما يقول الجنرال كامبل، ظلت النتائج محدودة. ولكنه أضاف يقول: «لا أريد التقليل من شأن ذلك الأمر. فإن (داعش) اجتاح الأراضي في سوريا والعراق سريعا، ولا يريد الناس لمثل ذلك الأمر أن يحدث هنا».
كما قال الجنرال كامبل كذلك إن خطاب تنظيم داعش قد يثير جاذبية أعضاء حركة طالبان الساخطين. «قد يصيبهم الحنق ويندفعون إلى (داعش)، ظنا منهم أنهم يحصلون على الموارد واسم أكبر لهم»، كما قال مستخدما الاسم العربي المختصر لـ«داعش»: «أعتقد أن هناك من الناس من يحاول اللحاق بالقافلة».
ألحق الجنرال كامبل الملا خادم ضمن ذلك الفريق مضيفا: «إنه يبحث عن وسيلة جديدة ليظل في الصورة». وليست تلك هي المرة الأولى التي جاءت فيها تقارير حول «داعش» في أفغانستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»