عبر رقعة من العنف الشديد الذي يضرب جنوب أفغانستان، تنتشر الشائعات حول حفنة من مقاتلي حركة طالبان السابقين، الذي أعلنوا ولاءهم لتنظيم داعش، ويعتقد أنهم باتوا يقاتلون رفاق السلاح القدامى، من أجل فرض الهيمنة.
سرعان ما أدت التقارير الواردة هذا الشهر عن القتال الدائر بين مجموعات المتطرفين المتناحرة، في منطقة كاجاكي البعيدة بإقليم هلمند، إلى إثارة ضجة.
وأعرب بعض المسؤولين الأفغان عن قلقهم من التهديدات المتصاعدة لتنظيم داعش، والمعروف اختصارا باسم (ISIS) أو(ISIL)، الذي يبعد آلاف الأميال عن البلاد.
لكن المقابلات التي أُجريت مع المسؤولين الغربيين ومع الأفغان، إلى جانب تصريحات السكان المحليين بأن حركة طالبان وأحد المقاتلين الذين وصف نفسه بأنه قائد فرعي في المجموعة الجديدة الموالية لـ«داعش»، أفادت بأن الأمر لا يعدو كونه مثالا على الانقسامات الداخلية ضمن حركة طالبان، أكثر من كونها توسعا كبيرا لتنظيم داعش داخل أفغانستان.
بعد سنوات من قتال طالبان للتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة، وضد قوات الأمن الأفغانية الجديدة، صار تماسك الحركة محل تساؤلات كثيرة ومتزايدة. وخصوصا، الغياب الطويل لزعيم طالبان المنعزل، الملا محمد عمر، الذي دفع بحالة من الاستياء والحنق بين صفوف حركة طالبان أفغانستان.
وفي تلك البيئة، جاءت النجاحات التي حققها تنظيم داعش في ساحات المعارك السورية والعراقية لتعلي راية جديدة من السخط والغضب لدى حركة طالبان.
يأتي الملا عبد الرؤوف خادم، كأهم وأبرز قادة المسلحين من طالبان في إقليم هلمند. ولقد كان من معتقلي السجن العسكري في خليج غوانتانامو لعدة سنوات، ثم عاد إلى صفوف حركة طالبان عقب إطلاق سراحه، ليؤدي دوره كقائد عسكري على مستوى الإقليم. ثم سقط منذ خروجه مع زملائه المتمردين، ويعتقد البعض أنه يدعو المجندين إلى دعمه وإسناده في دوره الجديد كزعيم محلي موالٍ لتنظيم البغدادي. غير أن الوقوف على دقة تلك الانقسامات تتباين كثيرا.
يرفض زعماء حركة طالبان المحليون، وجيرانهم تلك المزاعم الداعية إلى أن الملا خادم قد أنشأ خلية جديدة موالية لتنظيم داعش في إقليم هلمند.
قال حاجي دوراني، وهو مزارع لديه أقارب في حركة طالبان، ويعيش بالقرب من قرية الملا خادم في كاجاكي، ويقول إنه يشاهد الطالب السابق يوميا، وغالبا ما يكون برفقة 10 أو أكثر من مؤيديه: «ليست لديه علاقات مع (داعش)».
كما رفض الملا محمد شاه، وهو من قادة طالبان المحليين، المزاعم القائلة إن تنظيم داعش له نشاط ما في منطقة كاجاكي، أو في أي مكان آخر في إقليم هلمند.
وقال عبر الهاتف: «لم نشاهد أي عنصر من عناصر داعش يتحرك في كاجاكي. إننا نعرف الملا عبد الرؤوف خادم جيدا. لقد كان عضوا في طالبان، ولكنه يلزم منزله الآن».
ولكن هناك آخرين لا يتفقون مع ذلك. يقول حاجي ملا صاحب، وهو زعيم لإحدى القبائل في كاجاكي، إن الملا خادم يعمل بنشاط على تجنيد المقاتلين تحت لواء «داعش»، وتمكن من إحراز بعض النجاح في ذلك، حيث انتقلت سيارتا نقل محملتين بالمقاتلين وأسرهم إلى مكان قريب أخيرا. وأضاف: «إنهم يحاولون تجنيد الناس، ويرسلون الخطابات إلى الناس ليؤيدوهم».
وقال حاجي شارين، وهو زعيم قبلي آخر، إن الملا خادم كان يضغط على رفاقه القدامى من حركة طالبان للانضمام إليه. مضيفا: «طلب منهم التبرؤ من طالبان، ويعمل جاهدا على إيجاد موطئ قدم لـ(داعش) في كاجاكي».
وفي المقابلات، قال رجل يدعى حاجي ميرويس إنه التحق بصفوف «داعش» نائبا تحت قيادة الملا خادم، وزعم أن خليتهم تبلغ 300 مقاتل. وأضاف أن الملا خادم شعر بالتهميش من جانب حالة الصمت الطويلة التي لازمت الملا محمد عمر، وتشكك حول قيادة حركة طالبان في المنفى «من قبل، كان القادة الميدانيون يتلقون التوجيهات والإرشادات من الملا عمر، ولكننا لم نسمع عن الملا عمر منذ سنوات. وذلك هو جل اهتمامنا. إننا نحترم الملا عمر. ولكن إذا كان على قيد الحياة، فلماذا لا يظهر ويقودنا؟».
قال أعضاء من حركة طالبان المحلية في وقت لاحق إن أحدهم، ويدعى حاجي ميرويس، كان من المقاتلين تحت قيادة الملا خادم، وإنه شوهد برفقته أخيرا.
وقال المسؤولون الغربيون إنهم يتابعون تلك التقارير حول «داعش» في أفغانستان عن كثب، ويحاولون تبين ما إذا كان تنظيم داعش يسعى لاجتذاب جيل جديد من المقاتلين، أو على الأغلب يوفر فرصة إعادة الانضمام للمخضرمين من مقاتلي طالبان.
وقال الجنرال جون ف. كامبل، قائد قوات التحالف في أفغانستان، في مقابلة أجريت معه إن أركانه يحققون في التقارير التي تفيد بأن «داعش» يجند المقاتلين هناك، بما في ذلك نشر خطابات الدعاية مساء في الجامعة بمدينة جلال آباد، وجهود تجنيد الملا خادم في هلمند.
حتى الآن، كما يقول الجنرال كامبل، ظلت النتائج محدودة. ولكنه أضاف يقول: «لا أريد التقليل من شأن ذلك الأمر. فإن (داعش) اجتاح الأراضي في سوريا والعراق سريعا، ولا يريد الناس لمثل ذلك الأمر أن يحدث هنا».
كما قال الجنرال كامبل كذلك إن خطاب تنظيم داعش قد يثير جاذبية أعضاء حركة طالبان الساخطين. «قد يصيبهم الحنق ويندفعون إلى (داعش)، ظنا منهم أنهم يحصلون على الموارد واسم أكبر لهم»، كما قال مستخدما الاسم العربي المختصر لـ«داعش»: «أعتقد أن هناك من الناس من يحاول اللحاق بالقافلة».
ألحق الجنرال كامبل الملا خادم ضمن ذلك الفريق مضيفا: «إنه يبحث عن وسيلة جديدة ليظل في الصورة». وليست تلك هي المرة الأولى التي جاءت فيها تقارير حول «داعش» في أفغانستان.
* خدمة «نيويورك تايمز»