مكافحة سموم النباتات.. بالبكتيريا

أبحاث علمية لتوظيف ميكروبات مضادة للزرنيخ السام المؤثر على نمو محصول الأرز

مكافحة سموم النباتات.. بالبكتيريا
TT

مكافحة سموم النباتات.. بالبكتيريا

مكافحة سموم النباتات.. بالبكتيريا

عندما قام هارش بياس بتنمية نباتات الأرز في أطباق مليئة بالمياه في جامعة ديلاواير في أميركا، أمكنه بسهولة معرفة تلك التي لم تتعرض إلى الزرنيخ، فالنباتات التي تعرضت منها كانت ضعيفة واهنة، بجذوع قصيرة، وأوراق صفراء متقصفة يشوبها الاصفرار.
ويعمل بياس على تطوير نباتات الأرز التي تتلقى كميات أقل من الزرنيخ من عناصر التلوث الشائعة في حقول الأرز في الهند والأقطار الآسيوية الأخرى. وقد ارتبط التعرض المزمن لهذه المادة بأمراض القلب، وداء السكري، والتلف الجيني الذي له علاقة وطيدة بأمراض السرطان.
ميكروبات مضادة
وبدلا من تنسيل سلالات جديدة من الأرز، أو تغيير حمضها النووي، قام بياس وآخرون من العلماء بسلوك منحى جديد. فقد بحثوا عن مستوطنات واسعة غير مقيدة من الميكروبات التي تعيش قرب جذور الأرز. وهذه البكتيريا هي الموازية نباتيا لـ«الميكروبيوم» (المحيط الميكروبي) البشري، الذي هو عبارة عن تريليونات من العضويات الصغيرة التي تستوطن معدة الإنسان، بعضها يقوم بأعمال مفيدة، مثل هضم الطعام، ومحاربة العدوى والالتهابات.
والأمل المعقود هنا هو العثور على بكتيريا من شأنها سد الطريق على الزرنيخ لعدم العبور من التربة إلى جذور وجذوع الحبوب التي يتناولها البشر. وخلال السنوات الثلاث الماضية تمكن بياس من عزل أكثر من عشر فصائل من البكتيريا التي أضافها إلى النباتات في مشتله باحثا عن إشارات التسمم بالزرنيخ. وهو يقول إنه يركز حاليا على إحدى الفصائل المسماة «بانتويا أغلوميرانس»، التي يبدو أنها تخفض مستوى هذا السم في النبات، إلى ثمن مستوياته السابقة.
والأبحاث جارية على قدم وساق على «ميكروبيوم» النباتات، لأن الجميع يحاولون العثور على وسائل من شأنها زيادة نموها وعطائها، وفقا إلى بياس الأستاذ المساعد في علم الأتربة والنباتات في جامعة ديلاواير. لكنه أضاف أنه بالنسبة إليه فإنه يعتبر الزرنيخ في الأرز مسألة مهمة جدا.
وبالنسبة إلى العلماء المهتمين بفهم وتعديل ميزات النباتات، ثمة قائمة طويلة بخلاف البكتيريا التي ينبغي التحري عنها. فتماما مثل الأبحاث الجارية على «الميكروبيوم» البشري، فقد مكن التقدم الحاصل في تسلسل الحمض النووي من التعرف على مجموعات واسعة من البكتيريا ذات الصلة، من أنواع مختلفة من النباتات والأتربة.
وتقوم الشركات الزراعية سلفا باستخدام البكتيريا على بذور المحاصيل الرئيسية كالذرة، وفول الصويا، لمساعدتها على حمل الثمار، وجعلها تحتاج إلى أسمدة ومخصبات أقل، فضلا عن مقاومة الأمراض والآفات الزراعية. لكن هذه المنتجات البيولوجية، أو المجهرية، كان قوامها غالبا من البكتيريا المعروفة من عدد محدود من المجموعات ذات الصلة.
وخلال العام الحالي دخلت شركة «مونسانتو» بشراكة مع «نوفوزايمز» الشركة الدنماركية التي تبيع أكثر من 200 صنف أو منتج بيولوجي، للشروع في اختبار كائنات عضوية من «ميكروبيوم» الذرة، وفول الصويا على آلاف من الحقول والمواقع.
أبحاث زراعية
وتجرى حاليا دراسة واسعة على «ميكروبيوم» الأرز في مختبر فينكاتيسان سانداريسان، أستاذ بيولوجيا النباتات وعلومها في جامعة كاليفورنيا في ديفيز في أميركا. وعن طريق استخدام تسلسل الحمض النووي، وجد على الأقل نحو ربع مليون فصيلة بكتيريا في «ميكروبيوم» الأرز.
وعلى الرغم من أن سانداريسان كان ينظر إلى المجموعة الميكروبية ككل، وكيفية تغيرها، عندما تتعرض النباتات للتوتر، فإنه كان مهتما بوظائف الميكروبات الفردية أيضا. لذا عقد اتفاق تعاون مع بياس، وأرسل له عينة تربة من جذور الأرز من حقل تجاربه في ديفيز.
وقام بياس بعزل 11 سلالة من البكتيريا من تراب ولاية كاليفورنيا، كما غطى رقعا منفصلة من بذور الأرز بسلالة واحدة لكل منها، قبل زرعها في مشتل للزراعة المائية. وبعدما برعمت البذور، تم نقل كل نوع من الميكروبات إلى جذور كل منها، عندها قام العلماء باختبار كيفية تأثير الرفيق البكتيري هذا على نمو النبات في وجود الزرنيخ، أو عوامل الأمراض الأخرى. وأظهر «بانتويا أغلوميرانس» أنه الميكروب الأول الذي بمقدوره تخفيض الزرنيخ في الأرز.
وعلى الرغم من أن الميكروب أظهر قدرته على إبعاد غالبية الزرنيخ من جذع نبتة الأرز وأوراقها، كان السؤال المهم هو عن كيفية تأثيره على الحبوب والقمح. ويأمل الباحثون في الإجابة عن هذا السؤال في موسم الزراعة المقبل.
والسؤال الكبير الآخر هو كيفية عمل البكتيريا المقاومة للزرنيخ. يبدو أن الدليل البارز هو في مساعدة الجذور على ضخ الأكسجين خارجا، وربما مساعدة أكسدة الحديد الموجود في التربة. وتكون النتيجة صدأ الحديد المعروف بتقييده الزرنيخ ولجمه ومنعه من النفاذ إلى النبات.
ويبقى معرفة ما إذا كان «الميكروبيوم» المقاوم للزرنيخ يمكنه من العيش في وجه التنافس أو المزاحمة من قبل العدد الذي لا يحصى من بكتيريا التراب. فالمعروف أن ميكروبات المحاصيل مشهورة بصعوبتها، كما يقول توم آدامز نائب رئيس دائرة التقنيات الكيمائية في «مونسانتو»، لكنه أضاف أن التقنية الجديدة من شأنها أن تساعد في توقع أي الميكروبات التي تعمل بشكل أفضل في أحوال التربة والبيئة المختلفة. وقد تصبح المنتجات البيولوجية واحدة من استراتيجيات متعددة من شأنها تخفيض الزرنيخ في الأرز، إلى جانب التنسيل والتعديل الوراثي (الجيني).
ويقول شانون بينسون، اختصاصي النباتات في وزارة الزراعة الأميركية «أفضل أن تسهم الميكروبات في تعزيز الإمكانيات الجينية، وإدارة المياه، وتقصير فترة النمو، فالخطوات الصغيرة معا من شأنها أن تنتج خطوة كبيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً