تجمع كل الأطراف في تونس على أن الملف الاقتصادي يمثل أحد أهم التحديات التي سيواجهها المهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية الجديدة. وقد أشار جمعة في خطابه أمس أمام المجلس التأسيسي التونسي (البرلمان التونسي) خلال جلسة منح الثقة لحكومته، إلى عدد من الأولويات التي ستشتغل عليها حكومته. ورغم أن بعض الأوساط العارفة بأحوال الاقتصاد التونسي ترى أن الحكومة التونسية الجديدة لن تقدر على معالجة كل «علل» الاقتصاد التونسي خلال الأشهر التي ستبقى فيها في الحكم إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة قبل نهاية السنة الحالية، أو بداية السنة المقبلة على أقصى تقدير، فإنها تتحدث عن وجوب التركيز على عدد من التحديات الحيوية بالنسبة لتونس في الوقت الراهن.
ويأتي على رأس هذه التحديات إعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2014 وهو ما أشار إليه المهدي جمعة في خطابه أمس أمام المجلس التأسيسي، علما بأن قانون المالية الذي أعدته حكومة علي العريض المتخلية جوبه برفض واسع من فئات كثيرة، وكان سببا في حدوث احتجاجات في عدد من المدن التونسية، مما أدى إلى تعليق هذه الإتاوات. رغم أن البعض يرى أن جوانب أخرى في ميزانية 2014 بحاجة إلى المراجعة، وهو ما أكده الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي التونسي في تصريحات إعلامية حين قال إنه على الحكومة الجديدة «إعادة النظر بشكل كامل في مجمل الميزانية وليس فقط في الإتاوات الواردة في قانون مالية 2014 التي تقرر تعليقها».
كما سيجابه رئيس الحكومة الجديد بمجرد تسلمه رسميا مهامه، معضلة توفير التمويلات اللازمة لميزانية 2014 وخاصة المتأتية من الهيئات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، حيث من المنتظر أن يقوم المهدي جمعة باتصالات مع هاتين المؤسستين قصد تسريح بعض القروض المعلقة التي منحت لتونس، وهي موارد تحتاج إليها تونس بشكل عاجل للإيفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية. وتعاني خزينة الدولة تراجعا كبيرا في مواردها. وينتظر أن يتناول صندوق النقد الدولي في اجتماعه الدوري الذي يعقد بداية من اليوم في واشنطن الملف التونسي، وخاصة إمكانية تسريح قسط جديد من القرض الذي منحه لتونس السنة الماضية. وقد أشار المهدي جمعة في خطابه أمس أمام المجلس التـأسيسي إلى «أهمية الدعم الخارجي لتونس في هذه المرحلة».
وعن حظوظ نجاح حكومة جمعة في التغلب على هذه المصاعب الاقتصادية يرى بعض المراقبين أن المصادقة على الدستور الجديد، وتأثير ذلك على الأجواء السياسية العامة بالبلاد، سيساعدان الحكومة الجديدة في عملها على معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، شرط أن يتواصل هذا الانفراج وتعرف البلاد الاستقرار الضروري. وفي هذا الإطار رأت وكالة التصنيف الدولية «فيتش رايتنغ»، في بيان أصدرته الاثنين، أن المصادقة على دستور جديد للبلاد تعد «خطوة هامة نحو التقليص من أجواء عدم الثقة السياسية في تونس»، وأشارت الوكالة في بيانها إلى أن الحكومة الجديدة مطالبة بمواجهة تحديات سياسية كبرى، من بينها تنفيذ ميزانية 2014 والتقليص من العجز الحاصل فيها.
أما الخبير الاقتصادي معز الجودي فقد أكد في تصريح له أمس الثلاثاء أنه «يجب أولا وقبل كل شيء العمل على إعادة بناء الثقة في تونس»، مؤكدا أن «المصادقة على الدستور الجديد ستساعد على ذلك»، مستشهدا بتحسن قيمة الدينار التونسي منذ بداية تبلور ملامح حل للأزمة السياسية بعد أشهر من الانهيار أمام العملات الأجنبية، والارتفاع القياسي الذي شهده مؤشر بورصة تونس أول من أمس الاثنين مباشرة بعد المصادقة على دستور تونس الجديد، حيث حقق ارتفاعا بـ1.68 هو الأهم منذ ثلاث سنوات.
المهدي جمعة سيعول أيضا على عوامل أخرى لمعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، منها معرفته الجيدة بأحوال الاقتصاد التونسي بحكم منصبه السابق وزيرا للصناعة في الحكومة المتخلية، وبحكم تكوينه الاقتصادي وتجربته في عدد من المؤسسات الأجنبية الكبرى، وكذلك اختياره لفريق من الكفاءات التونسية المرموقة، استقدم عددا منهم من الخارج، سيتولون الحقائب الاقتصادية في الحكومة الجديدة بعضهم عمل في مؤسسات عالمية كبرى، حيث اختار لمنصب وزير الصناعة والطاقة والمناجم كمال بن نصر وهو مسؤول رفيع في مؤسسة عالمية في مجال التنقيب عن البترول وقع استقدامه من البرازيل، وحكيم بن حمودة وزيرا للاقتصاد والمالية وهو خبير مالي معروف، كان يشغل منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الأفريقي للتنمية، وهي المؤسسة التي يشتغل بها لسعد لشعل وزير الفلاحة الجديد. في حين سيشغل منصب وزير التجهيز الهادي العربي وهو إطار سام بالبنك العالمي. أما آمال كربول وزيرة السياحة الجديدة فهي خبيرة في مجال التصرف والريادة وتوظيف الموارد البشرية تعمل بكل من ألمانيا وإنجلترا وتتقن أربع لغات. في حين عاد منصب وزيرة التجارة إلى نجلاء حروش معلى ابنة منصور معلى وزير التخطيط والمالية في عهد الزعيم بورقيبة وهي إطار عال في واحد من أكبر البنوك الخاصة التونسية.
ولئن لم يشكك أي طرف في القيمة العلمية والمهنية لهؤلاء الوزراء الجدد الذين سيتقلدون الحقائب الاقتصادية، فإن نقاط الاستفهام تطرح حول مدى قدرتهم على التأقلم السريع مع أجواء الإدارة التونسية، خاصة بالنسبة للوافدين من الخارج بعد سنوات طويلة من الغياب عن الوطن وما عاشه من تغيرات وأزمات.
جمعة يعول على كفاءات تونسية بخبرة خارجية لمواجهة وضع اقتصادي خانق
بعضهم عمل في مؤسسات عالمية كبرى.. ومخاوف من تعذر تأقلمهم مع واقع البلاد
جمعة يعول على كفاءات تونسية بخبرة خارجية لمواجهة وضع اقتصادي خانق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة