خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

رئيس الائتلاف السوري.. طبيب دمشقي يمارس مهنته بالعباءة التركية

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال
TT

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

غم كل المساعي التي يبذلها الرئيس الجديد للائتلاف السوري المعارض خالد خوجة والمجموعة المقربة منه لتظهير انتصار دور سوري محض بعملية انتخابه، لا يمكن لأي متابع لمسيرته إلا ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تجمعه بتركيا التي لجأ إليها منذ ثمانينات العام الماضي، فدرس وعاش فيها حتى تعيينه سفيرا للائتلاف فيها.
خوجة السوري - التركي الجنسية، يأخذ عليه معارضون سوريون أنّه تركي أكثر منه سوريا، زاعمين أنّه انتمى لفترة طويلة للحزب الحاكم، وهو ما ينفيه مقربون منه نفيا قاطعا مؤكدين أنّه لم ينخرط في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان ولم ينشط يوما في الحياة السياسية التركية، رغم إتقانه اللغة التركية، وظلت وجهته ومشروعه سوريا محضا. لكن خوجه تواجهه تحديات جمة في عالم متناقضات سوري تعد مهمة أشبه بالسير على الحبال.
رورغم أن خوجة لم يحظ خلال عملية انتخابه مطلع الشهر الجاري بأكثرية كبيرة من أصوات أعضاء الائتلاف، ففاز بغالبية 56 صوتا في مقابل 50 صوتا لمنافسه نصر الحريري، فإن التفاف معظم الكتل السياسية المكونة للائتلاف حوله، أعطى انطلاقته نوعا من الزخم قد يكون الرؤساء السابقون للائتلاف افتقروا إليه باعتبارهم كانوا إلى حد كبير محسوبين ومن دون أي لبس على محاور إقليمية معروفة ما خلق وبشكل تلقائي عداوة وتنافسا حادا بينهم وبين عدد من الكتل المنتمية إلى المحور الإقليمي المقابل.
وقد خرج عضو الائتلاف سمير نشار، المقرب من خوجة وفور إعلان انتخابه رئيسا، ليعلن خسارة الإخوان المسلمين وفوز القوى الديمقراطية والمدنية والإسلام الوسطي المعتدل داخل الائتلاف، معربا عن تفاؤله بأن الائتلاف مع «القيادة الجديدة سيعمل على إعادة الثورة السورية إلى المسار الصحيح، ويعمل على بناء خط وطني ملتزم بالثورة وبتغيير الأسد وإقامة دولة مدنية تعددية في سوريا بعيدا عن أي إقصاء أو تهميش». ولم يتأخر الرئيس الجديد لأكبر مؤسسة سورية معارضة بإمساك دفة القيادة معلنا وبعد ساعات من عملية انتخابه، رفضه أي حوار مع السلطات السورية في موسكو، لافتا إلى أنّه «لا يمكن الجلوس مع النظام إلى طاولة واحدة إلا في إطار عملية تفاوضية تحقق انتقالا سلميا للسلطة وتشكيلا لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة».
وشدّد خوجة في أولى تصريحاته الصحافية على أن إيران وروسيا هما «أكبر داعمين لنظام الأسد وتسعيان للتسوية والحوار بشرط بقاء الأسد، وهو أمر لا تقبل به القوى الثورية والسياسية التي تمثل غالبية الشعب السوري». وعزا خوجة السبب الرئيسي في تمدد تنظيم «داعش الإرهابي» إلى عدم وجود «استراتيجية سياسية وعسكرية واضحة لدى أصدقاء الشعب السوري في مواجهة آلة القتل لنظام الأسد التي تفتك بالسوريين منذ ما يقارب الـ4 سنوات». وقال إن من الأسباب الأخرى لتمدّد «داعش» عدم تقديم العسكري اللازم للثوار من
أجل مواجهة قوات الأسد، معتبرا أن «نظام الأسد يعاني من تفكك قوته العسكرية وانحسار الدعم من بيئته، وقوته تقتصر اليوم على السلاح الجوي فقط وخاصة البراميل المتفجرة، أما في الميدان فإنّه يعتمد على الميليشيات الشيعية الطائفية».
ولم تلاق بقية مكونات المعارضة بإيجابية التصريحات الأولى لخوجة، فاعتبرها أمين سر هيئة التنسيق الوطنية السورية ماجد حبو «لا تساهم بالتوصل لتوافقات حول حل سياسي للأزمة»، مشيرا إلى أنّه «وضع شروطا فيما يتعلق بمسألة التفاوض، التي تحتاج لمؤتمر وطني عام، تعيق المسار السياسي». وقرأت هيئة التنسيق بنتائج الانتخابات الأخيرة للائتلاف «تشددا إقليميا - دوليا، إن كان من خلال شخص رئيس الائتلاف أو الهيئة السياسية»، منبهة إلى أن الائتلاف بتشكيلته الحالية «يشكل رافعة لمشاريع قطرية - تركية - فرنسية».
ويشدّد عضو الهيئة السياسية أحمد رمضان على أن «انتخاب خوجة جاء بتنافس سوري - سوري بعيدا عن أي تأثيرات خارجية»، مستغربا الحديث عن أن فوزه انتصار لدور أنقرة. وقال رمضان لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن وجود خوجة في تركيا سمح له بنسج علاقة وثيقة مع المسؤولين الأتراك ولكن علاقاته وثيقة أيضا مع باقي الدول الصديقة للمعارضة السورية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والدول الخارجية الرئيسية». ويبدو أن خوجة حدّد باكرا سلم أولوياته، وفي هذا الإطار يتحدث رمضان عن 4 أولويات للرئيس الجديد، أولها، «مواجهة الاستحقاقات السياسية، وقد انطلق بهذه العملية من خلال تشكيل لجنة من الهيئة السياسية مهمتها العمل على تشجيع الحوار الداخلي مع فصائل المعارضة كافة». أما الأولوية الثانية لخوجة فالموضوع العسكري: «من خلال مسعاه لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أن يتم ذلك عبر وزارة الدفاع التي تعمل أصلا على وضع استراتيجية لمواجهة النظام وميليشياته وخطر الإرهاب العابر للحدود». ويأتي تفعيل عمل الحكومة المؤقتة بندا ثالثا على سلم أولويات خوجة، وهو سيسعى، كما يؤكد رمضان إلى توفير الظروف المناسبة لممارسة عملها من داخل الأراضي السورية.
ويبقى تعزيز وحدة الائتلاف والسعي لإيجاد آلية للحوار ما بين الكتل الأساسية المكونة له بندا أساسيا على أجندة خوجة بعدما التمس دعما من «التجمع الوطني السوري»، والذي يُعد أهم كتلة بالائتلاف، بحسب رمضان، وهي الكتلة التي كانت تدعم منافس خوجة، نصر الحريري.
وتعوّل مصادر معارضة على فريق العمل الذي يحيط بخوجة، مرجحة أن يكون أحد عناصر القوة المساعدة للطبيب الـخمسيني. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «انتخاب هشام مروة نائبا للرئيس، وهو شخصية متمرسة بالعمل السياسي والقانوني، من أبرز عوامل النجاح لولاية خوجة كما أن الهيئة السياسية التي تضم ممثلين من كل مكونات الائتلاف تعطي الرئيس رصيدا كبيرا من الخبرة».
ويستبعد باحث في الشؤون التركية أن يكون خوجة بصدد تنفيذ أجندة تركية خلال فترة ترؤسه الائتلاف، لافتا إلى أنّه «ورغم تمتعه بعلاقة ممتازة مع الجانب التركي، وعاش في تركيا ويتحدث التركية بطلاقة، لكنه أيضا شخصية إصلاحية منفتحة على جميع التيارات والتوجهات وهذا ينطبق على علاقاته مع الجماعات ومع الدول». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هدف خوجة الأساسي ليس تمتين علاقته مع دولة محددة، بقدر ما هو حشد علاقاته مع الدول المختلفة من أجل تحقيق الهدف المنشود».
وأشار إلى أن هناك «تحديات كبيرة تنتظر خوجة وقرارات حاسمة قد تتطلبها المرحلة لناحية المسار الروسي والمسار الأميركي والمسار العربي في القضية السورية»، وأضاف: «كما أن هناك بطبيعة الحال الوضع الداخلي المعقد للمعارضة.. لكنّه يمتلك ما يؤهله من قدرات وإمكانات لتجاوز هذه التحديات إذا ما تم العمل معه داخليا بروح الفريق وخارجيا أيضا بتعاون من دول الخليج العربي وتركيا».
وشاءت الصدف أن يكون الرئيس الجديد للائتلاف كخلفه هادي البحرة دمشقيا، فخوجة ولد في العاصمة السورية في يوليو (تموز) 1965، وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية هناك قبل أن يُسافر إلى ليبيا ليكمل تعليمه الثانوي في مدينة أوباري عام 1985 وينتقل بعدها إلى تركيا حيث درس العلوم السياسية بجامعة إسطنبول عام 1986.
ويُمارس خوجة مهنة الطب في تركيا منذ عام 1994 بعد تخرجه في إحدى جامعات أزمير، هو أسس مستشفيين ومستوصفين طبيين كما يعمل مستشار استثمار وتطوير وإدارة بالقطاع الطبي منذ أكثر من 20 عاما.
أما مرحلة النضال فدخلها باكرا جدا، بعدما تعرض خلال مراحل تعليمه لاعتقالين من قبل نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. هو اعتقل للمرة الأولى في عام 1980 لـ4 أشهر متتالية، ثم اعتقل ثانية في عام 1981 لمدة عام ونصف بسبب نشاط والده السياسي في نقابة الأطباء.
ظلّ خوجة يتابع عن كثب من الجارة التركية التطورات داخل بلده حتى اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. فشارك في الحراك الثوري مؤسسا «منبر التضامن مع الشعب السوري». هو يُعد أيضا من مؤسسي المجلس الوطني السوري، كما ساهم في تأسيس الائتلاف السوري المعارض ومشروع المجالس المحلية في سوريا. وتعيينه ممثلا للائتلاف في تركيا، جعله مقربا من دوائر القرار التركية وعلى تماس مع رجال القرار فيها كما مع معظم المسؤولين عن الملف السوري في الدول الداعمة للمعارضة السورية.
وسيكون على الرئيس الطبيب في الأيام المقبلة التعاطي مع استحقاقات كبيرة وأولها مساعي توحيد صفوف المعارضة في مؤتمر مرتقب في القاهرة، وبعدها سيكون عليه تقديم التبريرات المقنعة لقرار الائتلاف التغيب عن اجتماعات موسكو.
ويبقى التحدي الأكبر له قدرته على خلع العباءة التركية لارتداء عباءة سورية يجمع في ظلها كل مكونات المعارضة، على أن يكون الإنجاز الأكبر الذي قد يتحقق في عهده التوصل لصياغة ورقة تفاهمات تتجه بها المعارضة السورية موحدة إلى المحافل الدولية وتفاوض من خلالها النظام القائم باسم الشعب السوري مجتمعا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».