في الأنبار.. الأعراف القبلية أصبحت ضحية للخلافات السياسية

«الشرق الأوسط» تفتح ملف العشائر على ضوء دعوة العبادي إلى «ثورة عشائرية» (1)

في الأنبار.. الأعراف القبلية أصبحت ضحية للخلافات السياسية
TT

في الأنبار.. الأعراف القبلية أصبحت ضحية للخلافات السياسية

في الأنبار.. الأعراف القبلية أصبحت ضحية للخلافات السياسية

في ضوء الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى وفد من محافظة الأنبار للقيام بما سماه «ثورة عشائرية»، تفتح «الشرق الأوسط» ملف العشائر في المنطقة الغربية من العراق، التي تشمل محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى، والتي وقع عليها بعد عام 2003 مواجهة إشكاليتين في آن واحد.. الأولى الموقف الملتبس مع الحكومات العراقية المتعاقبة التي كالت لهذه العشائر شتى التهم، أبرزها عدم الولاء للنظام السياسي الجديد من منطلق خلفيات سياسية ومذهبية.. والثانية موقفها من تنظيم القاعدة بالأمس و«داعش» اليوم، وهو الموقف الذي جعلها تدفع الثمن مرتين بعد أن بقيت بين مطرقة الحكومة وسندان التنظيمين المتطرفين بالأمس واليوم.

بالنسبة لشيخ عشائر الدليم الشيخ ماجد العلي السليمان فإن «العشائر سواء كانت في محافظة الأنبار أو غيرها من المحافظات العراقية الأخرى هي جزء من النسيج المجتمعي الذي يشكل الوطن في النهاية والذي تنتج عنه حكومة».
وفي سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» حول دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عشائر الأنبار للقيام بـ«ثورة عشائرية» جديدة ضد تنظيم داعش، قال السليمان إن «العشائر باتت تطالب الآن بما فوق طاقتها وكأنها منظومة أو تكوين معين، بينما هي عبارة عن عادات وأعراف وقيم قبلية تسعى هذه العشائر إلى الاحتفاظ بها دون أن تدخل السياسة طرفا فيها».
لكن الأمر بالنسبة للسليمان مثلما هو للشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي شيخ عشيرة البوفهد، إحدى العشائر التي تتصدى منذ فترة لتنظيم داعش في مناطق مختلفة من محافظة الأنبار المترامية الأطراف، لم يعد يبدو كذلك. فمثلما يرى الشيخ السليمان أن «العشائرية كمفهوم مرت في غضون أكثر قليلا من عقدين من الزمن بثلاثة مظاهر من تدخل الدولة فيها»، فإن الفهداوي يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة التي تعانيها عشائر الأنبار الآن هي دخول أطراف عشائرية في العملية السياسية أو تحت مظلات سياسية، وبالتالي جلبت المصائب والويلات للمحافظة عندما حاولت استثمار زخم العشيرة للحصول على مكاسب سياسية».
وبالعودة إلى الشيخ السليمان، وهو عم الشيخ المتمرد علي حاتم السليمان الذي باتت غالبية العشائر التي تقاتل تنظيم داعش اليوم في المحافظة تتهمه بالتواطؤ مع هذا التنظيم من خلال زعامته لما سمي في حينها «مجلس ثوار العشائر» قبل أن يتوارى هذا المجلس وقياداته عن الأنظار الآن عقب سحب «داعش» البساط من تحت أقدام الجميع بمن في ذلك المجالس العسكرية، فإنه يسترسل في حديثه قائلا إن «الحكومات المتعاقبة على العراق على الأقل منذ تسعينات القرن الماضي على عهد صدام حسين وحتى ما بعد 2003 احتاجت كلها العشائر ولكن بالطريقة التي تفيد الحكومة، حتى لو أدى ذلك إلى شق وحدة العشيرة وضرب أعرافها وتقاليدها»، مضيفا أن «صدام حسين مثلا أنتج ما سمي بشيوخ التسعين حين حاول استمالة العشائر إلى جانبه في السيطرة على المجتمع، فحاول شراء الذمم، فنتج عن ذلك شيوخ طفيليون، وهو ما حصل بعد عام 2003 عندما حاول الأميركيون إنتاج شيوخهم الخاصين بهم، واليوم تحاول الحكومة أن تستعين بالعشيرة بعد أن تعرضت لمزيد من التمزيق وكثرة المتطفلين لتأمين الحماية، بينما المفروض أن تخضع العشيرة، بوصفها جزءا من المجتمع، لحماية الدولة من خلال مؤسساتها الأمنية من جيش وشرطة، وتبقي على العشيرة كصمام أمان مجتمعي، لا أن تتحول إلى جيوش وتدريب وتسليح ويريد منها البعض أن تكون بديلا عن المؤسسة العسكرية».
وردا على سؤال بشأن المخاطر التي تتعرض لها الأنبار الآن في ظل ضعف المؤسسة الأمنية مما يفرض على العشيرة دورا إضافيا، قال السليمان «هذا صحيح ونحن معه، وسبق لنا أن طالبنا الحكومة التي تريد اليوم ثورة عشائرية بأن تمدنا بالسلاح وتدرب رجالنا، لكننا في الحقيقة لم نحصل إلا على الوعود فقط».
أما الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، شيخ عشيرة البوفهد وهي إحدى عشائر الدليم، فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدعوة التي وجهها العبادي للقيام بثورة عشائرية تبدو مبررة، لكن ليس لأن الحكومة تطلب ذلك، بل لكون الأنبار الآن شاءت أم أبت هي في قلب العاصفة، لكن في ظل اتساع الرقعة الجغرافية لعمليات القتال في المحافظة وقلة التسليح والتدريب فضلا عن قلة أعداد الجنود بعد أن اتسعت ظاهرة الفضائيين (الجنود الوهميين)، فإن ذلك يرتب مسؤوليات إضافية وخطيرة على أبناء العشائر».
ويرسم الشيخ الفهداوي خارطة المحافظة كالتالي «75 في المائة من أهالي الأنبار مهجرون، و80 في المائة من مساحة الأنبار الآن خالية من السكان تقريبا، والـ20 في المائة من المناطق المأهولة تقع في أماكن محدودة مثل حديثة وبعض أجزاء مدينة الرمادي وعامرية الفلوجة والحبانية، وبالتالي فإننا حتى ننجح في محاربة الإرهاب لا بد أن تكون العشائر في أماكنها، لكن هذا يتطلب تجهيز هذه العشائر بما يلزمها للمواجهة، وهو غير موجود من الناحية العملية».
ويوجه الفهداوي نقدا حادا لجهة سياسية في الأنبار تحاول استخدام العشيرة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال تصدرها المشهد مرة ثانية حتى في انتخاب محافظ جديد للأنبار مؤخرا. وبينما يوجه الفهداوي النقد للحكومة «التي لم تقم بواجبها بما يكفي على صعيد الدعم، فإن عشائر الأنبار ومن منطلق مسؤوليتها الذاتية قامت بتشكيل تحالف عشائري أطلقت عليه تسمية حلف الفضول، تتكفل بموجبه العشائر بمساعدة بعضها البعض ما وجدت إلى ذلك سبيلا».
الصورة لا تبدو مختلفة بالنسبة لعشيرة البونمر وشيخها نعيم الكعود (ضابط سابق في الجيش العراقي)، إذ وجدت هذه العشيرة نفسها أمام مواجهة غير متكافئة مع تنظيم داعش الذي قتل المئات من أفرادها. ويقول الكعود في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة التي نواجهها أحيانا هي ليست من الحكومة المركزية، بل حتى من قيادات عسكرية محلية ومن أبناء المحافظة ذاتها»، مشيرا إلى أنه «حين تم نقل قائد الفرقة السابعة اللواء الركن قاسم المحمدي إلى منصب قائد عمليات الأنبار اختل التوازن في جبهة القتال بين هيت وحديثة، لأن هذا القائد ميداني ويلبي حاجيات أبناء العشائر». ويضيف الكعود أن «للقادة العسكريين دورهم السلبي والإيجابي في حفز همم العشائر وإسنادها في حال تميز القائد بصفات قيادية ممتازة أو بالعكس، وهو ما عانيناه في الأنبار على الرغم من أننا لا نشكو مثل محافظات أخرى مشاكل طائفية، كون أبناء الأنبار وعشائرها كلهم من طائفة واحدة هي الطائفة السنية».
وفي كل مراحل القتال في الرمادي وصفحاته فإن للصحوات دورها في هذا المجال. وبالنسبة للشيخ وسام الحردان، أحد أبرز قادة الصحوات في الرمادي، فإن «الصحوات حاضرة في كل مراحل القتال، وهي التي تتصدى لتنظيم داعش في قواطع عديدة على الرغم من كل ما تعانيه هي الأخرى من قلة الدعم والإسناد وتأخر صرف رواتب منتسبيها». الحردان يضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الصحوات مرت بمراحل، وبعضها تحول إلى تيارات سياسية مثل تيار أحمد أبو ريشة (مؤتمر صحوة العراق)، ومنها جماعات ذابت في الصحوات الجديدة مثل أبناء العراق التي يتزعمها الشيخ محمد الهايس، لكنها بشكل عام موجودة وتتولى عملية تنظيم شؤونها بنفسها، لأن الدعم الذي يقدم من الحكومة قليل ولا يكفي على الرغم من أن الحكومة تعلن عدم تخليها عنها بأي شكل من الأشكال». مع ذلك فإن الأمر بالنسبة للحردان لا يخلو من جنبة ثأرية، حيث يقول إن «الصحوات صاحبة ثأر مع تنظيم القاعدة، واليوم مع تنظيم داعش ومن تحالف معه من السياسيين، وبالتالي فإننا سنستمر في القتال مهما كلفنا ذلك من ثمن».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».