شهد المغرب أحداثا استثنائية خلال عام 2014 سواء على المستوى الأمني أو السياسي، واختتمت السنة بحوادث موت مفجعة. تمثلت في وفاة أكثر من 47 شخصا بسبب الفيضانات، ورحيل شخصيتين سياسيتين في ظروف صادمة هما عبد الله بها وزير الدولة، والنائب أحمد الزايدي.
فعلى المستوى الأمني عاد شبح الإرهاب ليخيم على المغرب من جديد، بسبب تدهور الأحوال الأمنية في بلدان الجوار لا سيما في ليبيا، ثم بسبب التهديدات الجدية التي أصبح يشكلها تنظيم داعش بعد إعلانه قيام دولة الخلافة في سوريا والعراق، والتحاق المئات من المغاربة للقتال في صفوفه.
وفي هذا السياق رفع المغرب منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي، حالة التأهب الأمني إلى أقصى درجاتها، تحسبا لتعرض البلاد لهجمات إرهابية، إذ نصب الجيش المغربي وللمرة الأولى بطاريات ومنصات صواريخ مضادة للطائرات ومدرعات في الهواء الطلق بمدينة الدار البيضاء على الساحل الأطلسي، وكانت هذه الإجراءات العسكرية غير المسبوقة مفاجئة للمغاربة، وامتدت إلى مدن أخرى.
وفي 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كشفت السلطات المغربية عن خطة أمنية جديدة أطلقت عليها اسم «حذر» قالت إنها تدخل في إطار السياسة الأمنية الاستباقية التي يتبناها المغرب في مجال محاربة الإرهاب ومختلف أشكال العنف إذ جرى وللمرة الأولى أيضا نشر وحدات أمنية وعسكرية مسلحة أمام المؤسسات الحساسة في 6 مدن كبرى، هي فاس والرباط وأغادير ومراكش والدار البيضاء وطنجة، وذلك من أجل التدخل في حالة وقوع أي حدث إرهابي. إذ اعتاد المغاربة بعد ذلك على رؤية عناصر مسلحة من الجيش تتجول في الشوارع.
وعلى ذكر موضوع الإرهاب كان لتصريح محمد حصاد وزير الداخلية المغربي أمام البرلمان، في 15 يوليو (تموز) الماضي الذي كشف فيه للمرة الأولى عن عدد المغاربة الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق إلى جانب التنظيمات الإرهابية، وقع كبير على المشهد السياسي والأمني في البلاد، بعد أن تبين أن 1122 مغربيا يقاتلون في صفوف «داعش» وتنظيمات متشددة أخرى، يضاف إليهم المغاربة الذين ذهبوا من أوروبا، ويقدر عددهم ما بين 1500 و2000 مقاتل، بحسب وزير الداخلية، الذي كشف أيضا أن المغاربة أكثر المقاتلين تنفيذا للعمليات الانتحارية.
ونظرا للأعداد الكبيرة من المغاربة الذين يلتحقون بالجماعات الإرهابية صادقت الحكومة وللمرة الأولى على مشروع قانون يقضي بتجريم الالتحاق أو محاولة الالتحاق بمعسكرات التدريب التابعة للجماعات الإرهابية، وهو مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم مجموعة أحكام القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وجرت أيضا إضافة فصل جديد إلى مجموعة القانون الجنائي، بهدف إدراج مجموعة من الأفعال ذات الصلة بمعسكرات التدريب داخل بؤر التوتر الإرهابية، بوصفها جنايات يعاقب عليها بالسجن من 5 إلى 15 سنة، ويتعلق الأمر «بالالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي في إطار منظم، أو غير منظم، بكيانات أو تنظيمات، أو جماعات إرهابية، أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها، حتى لو كانت الأفعال المنبثقة عنها لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية ومصالحها، وكذا تلقي تدريبات أو تكوينات كيفما كان شكلها أو نوعها أو مدتها داخل وخارج المغرب، أو محاولة ذلك بقصد ارتكاب أفعال إرهابية داخل المغرب أو خارجه، سواء وقع الفعل المذكور أو لم يقع. وأيضا تجنيد أو تدريب، أو دفع شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية داخل أو خارج المغرب، أو محاولة ذلك». كما جرى بموجب مشروع هذا القانون تجريم القيام بأي فعل من أفعال الدعاية، أو الإشادة أو الترويج لفائدة الجماعات الإرهابية، وتخصيصها بالعقوبات المقررة لفعل الإشادة بالجريمة الإرهابية.
وفككت السلطات الأمنية المغربية العام الحالي ما مجموعه 11 خلية إرهابية، كانت تعد لارتكاب أعمال إجرامية تستهدف أمن وسلامة البلاد، وتجند شبابا للقتال في المناطق التي تنشط فيها الجماعات المتشددة. وجرى تفكيك عدد من هذه الخلايا بتعاون وتنسيق مع السلطات الأمنية الإسبانية.
وبما أن خطر الإرهاب لا يهدد المغرب وحده بل المنطقة العربية ككل، قرر المغرب في 28 أكتوبر الماضي إرسال وحدات عسكرية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل دعمها في مواجهة الإرهاب، وذلك في إطار التعاون العسكري والأمني الذي يجمعه بأبوظبي وغيرها من العواصم الخليجية. وجاءت المبادرة تنفيذا لتعليمات من العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل تقديم دعم فعال لدولة الإمارات العربية المتحدة في حربها على الإرهاب والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين.
وإذا كان خطر تنظيم داعش أخذ حيزا هاما من اهتمام المجتمع الدولي، وأنشئ تحالف دولي لمحاربته، فإن المغرب ما فتئ يحذر من خطر المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، ويربط تدهور الوضع الأمني في المنطقة بعدم إيجاد حل لنزاع الصحراء، وفي هذا السياق، وجه الملك محمد السادس انتقادات غير مسبوقة إلى الأمم المتحدة والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، وطالبها في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ39 للمسيرة الخضراء بموقف واضح من النزاع، وقال إنه «في الوقت الذي يؤكدون فيه أن المغرب نموذج للتطور الديمقراطي، وبلد فاعل في ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة، وشريك في محاربة الإرهاب، فإنهم في المقابل، يتعاملون بنوع من الغموض مع قضية وحدته الترابية». وعد مراقبون الخطاب «ثوريا» في مضمونه، لا سيما أنه أكد أن السنة المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل المنطقة محملا الجزائر مسؤولية حل هذا النزاع، ومؤكدا أن مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن تقدمه بلاده في هذا الشأن، وعبر عن رفض بلاده لأي محاولة لمراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، وإعادة النظر في مهام (مينورسو) أو توسيعها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
وتواجه الرباط محاولات من عدة أطراف تسعى لإقصاء الحل السياسي المقترح من قبل المغرب. ونتيجة لذلك طلب المغرب من كريستوفر روس المبعوث الأممي إلى الصحراء إرجاء زيارته إلى البلاد التي كانت مقررة في يونيو (حزيران) الماضي، إلى حين توضيح مدى احترامه ضوابط المسلسل التفاوضي بشأن النزاع.
ويرفض المغرب بشدة محاولة تغيير طبيعة هذا النزاع وتقديمه على أنه مسألة تصفية الاستعمار، كما تطالب بذلك جبهة البوليساريو، كما يرفض بشكل قاطع محاولة مراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، كما يطالب بتحميل الجزائر المسؤولية في عرقلة حل النزاع، بالإضافة إلى رفضه الموازاة بينه كدولة عضوة في الأمم المتحدة، وبين حركة انفصالية.
وبالإضافة إلى الأحداث الأمنية والسياسية، عرف المغرب في الأشهر الأخيرة من عام 2014 حوادث مفجعة، تمثلت في وفاة 47 شخصا بسبب الفيضانات في المناطق الجنوبية للبلاد، أواخر شهر أكتوبر وبداية شهر ديسمبر (كانون الأول)، ومات عدد من الضحايا بعد أن جرفتهم سيول الأودية فيما لقي آخرون حتفهم بعد انهيار منازلهم الطينية. وتناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورا مأساوية عن الكارثة، بالإضافة إلى انهيار طرق وقناطر بشكل دراماتيكي، وأعلنت السلطات المغربية منطقة كلميم في الجنوب منطقة منكوبة. ومكنت عمليات الإنقاذ، التي ساهمت فيها مروحيات تابعة للدرك والجيش، مئات من السكان لا سيما في منطقتي كلميم السمارة، وسوس ماسة درعة.
ولم تمر سوى أيام قليلة على كارثة الفيضانات حتى تلقى المغاربة بذهول كبير خبر وفاة عبد الله بها وزير الدولة المغربي ورفيق درب عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ومات الوزير بها الذي كان يطلق عليه لقب الحكيم وكاتم أسرار ابن كيران، بطريقة مفجعة وصادمة في بلدة بوزنيقة (جنوب الرباط)، وذلك بعد أن صدمه قطار كان قادما من الدار البيضاء في اتجاه الرباط. وكان الراحل حسب التحقيقات التي أعلن عنها الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بصدد عبور خط السكة الحديدية مشيا على الأقدام أثناء مرور القطار رقم 45 المتجه نحو مدينة الرباط، وأن «سائق القطار استعمل الإشارات الضوئية والمنبه الصوتي لتحذير الفقيد، الذي حاول الرجوع إلى الخلف، غير أن القطار أدركه ورمى بجثته على بعد عدة أمتار من خط السكة الحديدية». وحسمت التحقيقات النهائية في أسباب وفاة الوزير بها، مؤكدة أن وفاته نجمت عن حادث قطار، ووضعت بذلك حدا للتساؤلات التي أثارتها طريقة موته.
والمثير في قضية موت الوزير بها أنها جرت في مكان يقع على بعد أمتار قليلة من القنطرة التي توفي بها في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي النائب أحمد الزايدي والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض. حيث كان يعتزم تفقد القنطرة التي توفي فيها الزايدي لأخذ العبرة من موته بحسب قياديين في حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي ينتمي إليه. وتحول بيت ابن كيران إلى بيت العزاء الرئيسي للفقيد، وأقيمت جنازة شعبية كبيرة للراحل بها وشيعه الآلاف من المغاربة، إلى مثواه الأخير، حيث ووري الثرى بمقبرة الشهداء في الرباط وحضر الجنازة الأمير مولاي رشيد شقيق الملك محمد السادس وعدة شخصيات سياسية ومسؤولون كبار في الدولة، وكان العاهل المغربي قد وصفه في برقية العزاء بـ«رجل الدولة الكبير».
ولم يكن موت النائب الزايدي أقل فجاعة فقد توفي السياسي المغربي غرقا داخل سيارته وهو يحاول عبور قنطرة تمر تحت خط السكة الحديدية ببلدة بوزنيقة حيث يقيم، وشكل موته بتلك الطريقة صدمة ومفاجأة للوسط السياسي المغربي والشارع المغربي بشكل عام، إذ كان مقدما لنشرات الأخبار الرئيسية بالتلفزيون المغربي لأزيد من 20 عاما. وظل وفيا لانتمائه لحزب الاتحاد الاشتراكي إلى أن تقدم لانتخابات اختيار أمين عام جديد للحزب منافسا إدريس لشكر الذي فاز بالمنصب. ومنذ ذلك الحين أسس الراحل تيار الديمقراطية والانفتاح المناوئ للشكر معترضا على طريقة تسيير القيادة الجديدة للحزب ومواقفها. وهو ما كلفه منصبه كرئيس للفريق النيابي للحزب حيث أعفي من منصبه الذي تولاه لشكر نفسه. وكان الزايدي ومؤيدوه يعتزمون الانشقاق عن الحزب قبل أن يفاجأوا بموته.
واحتضن المغرب خلال 2014 حدثين هامين استضافتهما مدينة مراكش هما انعقاد قمة ريادة الأعمال، من 19 إلى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي حضرها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، واستقبلت 3000 ضيف من 50 دولة من رجال الأعمال والسياسيين وصناع القرار الاقتصادي، والثاني هو المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان. وعرف مشاركة أزيد من 7000 شخص يمثلون 96 بلدا وينتمون لمؤسسات حقوقية ومنظمات غير حكومية. وناقش قضايا المساواة بين الجنسين والمناصفة وحقوق الشباب والأطفال وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وحقوق المهاجرين. وقضايا التعذيب وعقوبة الإعدام.
أحداث العام 2014: المغرب.. عودة شبح الإرهاب وحوادث تهز البلاد
أحداث العام 2014: المغرب.. عودة شبح الإرهاب وحوادث تهز البلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة