مدن الأنبار في قبضة الأوبئة والأمراض بعد سيطرة «داعش» عليها

زيادة كبيرة في الوفيات بين النساء والأطفال وكبار السن

فتاتان تجلبان الماء من ترعة في إحدى مناطق محافظة الأنبار («الشرق الأوسط»)
فتاتان تجلبان الماء من ترعة في إحدى مناطق محافظة الأنبار («الشرق الأوسط»)
TT

مدن الأنبار في قبضة الأوبئة والأمراض بعد سيطرة «داعش» عليها

فتاتان تجلبان الماء من ترعة في إحدى مناطق محافظة الأنبار («الشرق الأوسط»)
فتاتان تجلبان الماء من ترعة في إحدى مناطق محافظة الأنبار («الشرق الأوسط»)

مع استمرار دوامة الصراع المسلح واحتدام المعارك بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش في مدن ومناطق محافظة الأنبار، أكبر محافظات العراق من حيث المساحة، التي يسيطر مسلحو التنظيم المتطرف على أغلب مدنها ومراكزها الحيوية، يواجه سكان تلك المدن المحاصرة كارثة إنسانية في ظل انعدام أبسط الخدمات، لا سيما الصحية، مما أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض وازدياد كبير في أعداد الوفيات بين النساء والأطفال وكبار السن.
ويقول أحمد (34 سنة)، وهو من سكان الرمادي: «اصطحبت زوجتي الحامل إلى بيت امرأة قروية مسنّة بغرض توليدها بعد أن عجزت عن الخروج بزوجتي إلى منطقة آمنة والوصول إلى أحد مستشفيات التوليد». ويضيف: «بطريقة بدائية جدا ومخيفة تمت عملية الولاة، وبعد الولادة تعرضت زوجتي لمضاعفات، وهي لا تزال تعاني، وأحاول الآن جاهدا الهروب بعائلتي من هذا الواقع المؤلم».
بلال (22 سنة) من منطقة «السبعة كيلو» غرب الرمادي يقول: «فقدنا أبي الذي كان يعاني من أمراض مزمنة نتيجة انعدام الدواء. لم يكن بمقدورنا فعل شيء، فالمراكز الصحية مغلقة وأكثر الأطباء هجروا المدينة، ولم أجد أحدا يسعف طلبنا. توفي أبي وسط حسراتنا ودموعنا التي لم تغير شيئا، وكان من الممكن إنقاذ والدي لو سمح لنا المسلحون بالخروج، أو لكان تم إنقاذنا من قبل القوات الحكومية، لو أنها فعلا تريد تحرير مدننا المحاصرة».
وفي الفلوجة، حيث يعاني سكانها كارثة صحية حقيقية متمثلة في نقص كبير في الأدوية، وكذلك خلو مستشفى المدينة من مواد التخدير المستخدمة في إجراء العمليات الجراحية، يقول الدكتور عبد الهادي أسود مدير مركز الإسناد والدعم النفسي والاجتماعي في مستشفى الفلوجة التعليمي، إن الوضع الصحي في المدينة «يزداد تأزما، ولدينا نقص كبير جدا في المواد الطبية والأدوية. وهذا النقص ينذر بكارثة صحية وإنسانية». ويضيف: «لا أحد يسمع نداءاتنا المتكررة للحكومة بأن تعالج الأمر بشكل فوري والقيام بإرسال فرق إغاثة طبية لمدينة الفلوجة وبقية مدن الأنبار المحاصرة. أعداد الوفيات في تصاعد مستمر، وأغلب الحالات التي يستقبلها مستشفى الفلوجة صرنا نقف أمامها عاجزين لعدم قدرتنا على تقديم شيء بسبب عدم توفر المواد الطبية والعلاجية».
أم عبد الله (44 سنة) ربة بيت تقول: «أطفالي مصابون بعدوى وبائية أصابت معظم أطفال المنطقة. اتصلت عن طريق الهاتف بأحد الأطباء، ووصف لي دواء، بعد أن شرحت له حالة أطفالي، لكن لم أتمكن من جلب الدواء إلا بعد مضي أسبوع، وسعره مرتفع جدا». وتساءلت: «أليس من واجب الحكومة رعاية مواطنيها. لماذا هذا الصمت؟ أناشدكم أن توصلوا أصواتنا إلى العالم أجمع، فنحن محاصرون ونحتاج إلى من يسعفنا».
ويقر الدكتور محمد سعيد، مدير جمعية الهلال الأحمر العراقية في الأنبار، لـ«الشرق الأوسط» بأن «هناك الكثير من المناطق والمدن المحاصرة في الأنبار لم نتمكن من إيصال المساعدات الغذائية والطبية إليها، وهي تعاني من تفشي الأوبئة والأمراض وانعدام تام للخدمات الضرورية وانقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب بشكل كامل». ويضيف: «الوصول إلى تلك المناطق صعب جدا، ويتطلب إما وقف العمليات المسلحة بشكل نهائي أو حتى مؤقت، أو السماح لنا من قبل الطرفين المتنازعين بالدخول إليها، علما بأننا قمنا بتهيئة مخيمين، أحدهما في المجمع السياحي في مدينة الحبانية والآخر في عامرية الفلوجة، حيث نصبنا أكثر من 300 خيمة في كلتيهما وتم تجهيزهما بكل المستلزمات الطبية ومواد الإسعافات الأولية».
بدوره، أكد صهيب الراوي، محافظ الأنبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «خطوات فعلية بدأت على واقع الأرض لتحرير بعض المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، خصوصا منافذ المدن. كذلك قمنا بتهيئة مخازن للتموين قرب مداخل المدن». وأضاف: «نعم، هناك مناطق تفشت فيها الأمراض والأوبئة بعد انعدام الخدمات بسبب سيطرة المسلحين عليها، ونحن ساعون لتحريرها وإنقاذ أهلها المحاصرين، ونحن الآن على اتصال مباشر مع وزارات التجارة والصحة والنفط لتهيئة المواد الغذائية والطبية ووسائل الطاقة ومواد الوقود لإيصالها إلى الأهالي في أسرع وقت ممكن».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.