رئيس تحرير «زمان» التركية لـ «الشرق الأوسط»: قوانين الإعلام.. حبر على ورق

أكرم دومانلي قال إن الاتهامات الموجهة إليه سخيفة.. وغولن رجل سلام وحوار لا إرهاب

رئيس تحرير «زمان» التركية لـ «الشرق الأوسط»: قوانين الإعلام.. حبر على ورق
TT
20

رئيس تحرير «زمان» التركية لـ «الشرق الأوسط»: قوانين الإعلام.. حبر على ورق

رئيس تحرير «زمان» التركية لـ «الشرق الأوسط»: قوانين الإعلام.. حبر على ورق

سجن أكرم دومانلي، رئيس تحرير صحيفة «زمان» التركية المعارضة، مرتين. الأولى عند الانقلاب الذي نفذه الجيش في عام 1980، وكان عمره 16 عاما. والثانية منتصف الشهر الحالي عندما قبض عليه في إطار الحملة التي تشنها الحكومة التركية على الموالين للداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة التي تصفه بـ«الكيان الموازي». دومانلي المهدد بالعودة إلى السجن في أية لحظة بعد اعتراض النيابة العامة على قرار الإفراج عنه، يستخف بالاتهامات الموجهة إليه ويعتبرها سخيفة، مبديا أسفه لأن السجون تحسنت عما كانت عليه أيام الانقلابيين، لكن «سمعة القضاء تدهورت في المقابل فاهتز حس الثقة بالعدالة والجهاز القضائي الحالي».
ويؤكد دومانلي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن التهديد الحقيقي الموجه لحريات الفكر والتعبير والصحافة في تركيا «ليس ناجما عن نقص في القوانين»، معتبرا أننا «نمر اليوم بفترة بقيت فيها القوانين التي تضمن هذه الحريات مجرد حبر على ورق».
وفي ما يأتي نص الحوار:

* كيف كانت تجربة احتجازك؟
- في الحقيقة ليست هذه هي تجربتي الأولى مع السجن، فعندما وقع الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر (أيلول) 1980 كنت حينها طالبا يبلغ من العمر 16 عاما في المرحلة الثانوية. وفي تلك الفترة تم اعتقالي ولم تتم إحالتي إلى المحكمة إلا بعد مرور عام كامل على الاعتقال، ثم صدر قرار ببراءتي. وإذا ما عقدنا مقارنة بين السجن في تلك الفترة وما عليه اليوم فيمكنني أن أقول إن الشروط من الناحية الفنية كانت أفضل، إلا أن الفارق الذي كان يبعث على الحزن هو أن مراكز الشرطة كانت تشهد حالات من التعذيب في فترات الانقلاب العسكري، لكن على الرغم من ذلك كان عنصر الثقة بالمحاكم هو المسيطر على تصور الناس. والآن تم تحسين شروط تلك المراكز بمعدلات نسبية، غير أننا نشعر بقلق ومخاوف عميقة، ذلك لأن الهيكلة السياسية للجهاز القضائي هزت حس الثقة بالعدالة والجهاز القضائي الحالي.
* وما النقاط التي ارتكز عليها التحقيق معك؟
- لا شك أن التحقيقات تمت في عجالة واستندت إلى ادعاءات لا أصل ولا سند لها، وهذا أمر واضح للقاصي والداني، إذ إن الأدلة الموجودة لديهم ضدي هي مقالان وخبر واحد حسبما ذكر لي قاضي التحقيق بلسانه. لكن الأمر الذي يدعو للدهشة هو أنني لست من قام–أصلا–بكتابة المقالين أو الخبر التي اعتبرت ذريعة لإدانتي. كما أن التهمة الموجهة إلى السيد هدايت كراجا مدير مجموعة «سامان يولو» الإعلامية عبارة عن مسلسل تلفزيوني. وأرى أن اتهامنا بتشكيل تنظيم إرهابي مسلح بسبب مقالين وخبر ومسلسل، فوضى مريعة تظهر انعدام القانون وقرينة على غيابه.
* توجه الحكومة إليك اتهاما بكتابة أخبار تروج لـ«الكيان الموازي». ما ردك على هذه الاتهامات؟ وهل أنت أحد المنتسبين إلى حركة الخدمة؟
- حركة الخدمة معروفة في تركيا وفي أكثر من 160 بلدا بأنشطتها المدنية في مجال التعليم والسلام العالمي وتقديم مساعدات للفقراء والمساكين عبر جمعياتها الخيرية والحوار بين منتسبي الأديان الأخرى. وما اتهام هذه الحركة ووصمها بـ«الكيان الموازي» إلا مناورة سياسية هدفها التستر والتعتيم على أكبر فضيحة فساد في تاريخ الجمهورية التركية التي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) 2013 وتسببت في تقديم 4 وزراء لاستقالتهم.
والعجيب أنه حتى قبل عام–أي قبل الكشف عن الفساد–كانت الشخصيات البارزة الموجودة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم بمن فيهم رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان يصفقون لحركة الخدمة وينعتونها بعبارات لامعة وبراقة جدا لما تقدمه من خدمات جليلة وأعمال ناجحة في سبيل النهوض بالبلاد، إلا أن كل من يعيش في تركيا، بل والعالم أجمع، يرى أن الحكومة التركية ابتعدت عن الديمقراطية وزادت معدلات الفساد في البلاد لا سيما في آخر عامين أو 3 أعوام. ولو كانت حركة الخدمة صفقت لهذا المسلك السيئ للحكومة لما كانت شهدت–الآن–أية مشكلة.
وبعد أن نفذت حكومة حزب العدالة والتنمية إصلاحات ديمقراطية مهمة اندفاعا وتأثرا بمفاوضات الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بدأت فيما بعد تسلك طريقا مخالفا وعادت لنهجها القديم وألغت كل خطواتها الإيجابية بممارساتها المعادية للديمقراطية، وبدأت تتجه للاستبداد والديكتاتورية في الفترة الأخيرة، إذ تم طرد الكثير من الصحافيين بسبب آرائهم وانتقاداتهم. كما تم الكشف عن الضغوط التي تمارس على مسؤولي وسائل الإعلام، وتبين ذلك عن طريق واقعة مكالمة إردوغان الهاتفية التي اشتهرت في الشارع التركي بـ«آلو فاتح». ومن خلال اعترافات رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف، وعجز وسائل الإعلام المحلية عن تغطية أحداث القتل في احتجاجات جيزي بارك في وقت نقلتها وسائل الإعلام الدولية إلى مشاهديها كما حدثت. وبحسب التقرير الذي أعده حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، بعنوان: «الصحافيون المكسورة أقلامهم» تم فصل وطرد 1863 صحافيا من عمله خلال 12 عاما، أي أن 90 في المائة منهم خرجوا من عملهم أو فصلوا في الفترة الثالثة من حكم العدالة والتنمية التي أطلق عليها إردوغان فترة «الأستاذية». وزادت أعمال القمع والضغوط على القضاء المستقل ورجال الشرطة والإعلام الحر عقب الكشف عن ادعاءات الفساد الثقيلة في 17 و25 ديسمبر المتهم فيها بعض الوزراء السابقين وأبناء وزراء وبلال نجل إردوغان ورجال أعمال مقربون من الحكومة.
* ماذا تقول بخصوص ادعاء «الكيان الموازي»؟
- يرى البروفسور سامي سلجوق الرئيس الفخري السابق للمحكمة العليا–أعلى هيئة قضائية في تركيا–أن ادعاء «الكيان الموازي» مجرد هراء وكلام فارغ. والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو: لماذا استهدفت حكومة العدالة والتنمية حركة الخدمة التي كانت تنظر إليها نظرة قبول وترحيب طيلة 12 عاما من حكمها عقب الكشف مباشرة عن أعمال الفساد واتهمتها بافتراءات تتنافى مع القانون والعقل والمنطق مثل تشكيل كيان موازٍ وتنظيم إرهابي مسلح؟
إن فتح الله غولن كعالِم إسلامي يدعم القيم الإنسانية العالمية التي يدعمها الإسلام في جوهره مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون ويرفض العنف تماما أيا كان الهدف منه، فضلا عن أنه يعرب دائما عن رأيه كلما سنحت له الفرصة بأن «المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا ولا يمكن أن يكون الإرهابي مسلما». لذا فإن اتهام الناس الموقرين المنتمين إلى حركة الخدمة بتشكيل تنظيم إرهابي على الرغم من أنها لم تشارك في أية أعمال عنف حتى الآن يعتبر أمرا سخيفا لأنه يفتقد إلى دليل قانوني. إن صحيفة «زمان» تؤدي وظيفتها الصحافية بمصداقية طيلة 30 عاما في اتجاه تحقيق الديمقراطية الحقيقية في تركيا، وسنواصل بعد الآن نشر الأخبار والحقائق في هذا الاتجاه.
* بعد هذه التجربة التي تعرضتم لها، هل سيتغير نهج «زمان»؟ وهل حقا أنتم جزء من الصراع كما تقول الحكومة؟
- تمارس الحكومة أعمال تمييز ضد مراسلي الصحيفة، وبدا ذلك في قراراتها بعدم السماح لهم بحضور المؤتمرات الصحافية المنعقدة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والكثير من الوزارات والبلديات منذ نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، أي اعتبارا من تولي إردوغان منصب رئاسة الجمهورية حتى الآن. وقد تعرضنا كذلك لحملات شنيعة تهدف إلى تشويه سمعة الصحيفة قبل أعمال التمييز الصريحة. كما طلبت شخصيات تجلس في أعلى منصب في الدولة من الشعب التركي عبر شاشات التلفزيون عدم شراء صحيفتنا، ودعت العاملين لدينا بالاستقالة من أعمالهم. ومع وجود كل هذه الضغوط شهدنا مزيدا من أعمال الظلم يوما بعد يوم بسبب موقفنا الصريح الرامي إلى البحث عن الحقائق وتقديمها للرأي العام. وتم اعتقالي بتهم ملفقة ووهمية أمام أعين العالم أجمع. ومن الآن فصاعدا سنواصل بحثنا عن الحقائق–كما كنا نفعل دائما–مهما كان الشخص أو الجهة التي أمامنا. وإضافة إلى ما سبق أود أن أقول إننا لسنا جزءا أو طرفا في أي صراع، كما أن ما نفعله ليس معارضة لحكومة أو حزب بعينه. ونحن ما زلنا وسنظل أيضا نتعامل مع الأحزاب السياسية على قدم المساواة ونقف على مسافة متساوية منها جميعا.
* الحكومة تقول إن حرية الفكر محمية، وإنها توجه الاتهام للمتهمين بارتكاب جرائم حتى ولو كانوا صحافيين. حسنا، لماذا تشعر بقلق على حرية الفكر في تركيا؟
- ينبغي أن تكون الأدلة التي يتم من خلالها إدانة المشتبه فيهم ملموسة ومؤكدة كما يحدث في جميع التحقيقات. أما تهمة «إدارة تنظيم إرهابي» الموجهة ضدي وضد زميلي هدايت كاراجا فلا تستند إلى أية أدلة قانونية إطلاقا. وهذا الموقف يكفي لأن يكون بمفرده سببا للقلق والخوف من التراجع المشهود في حرية الفكر والتعبير والصحافة، مع أن هناك أسبابا كثيرة أخرى وعلى نطاق أوسع تستوجب هذا القلق أيضا. ويمكن أن نستدل على ذلك باستقالة وطرد المئات من الصحافيين المعارضين من أعمالهم لاختلاف أفكارهم وبالحظر المفروض على «تويتر» و«يوتيوب».
* كيف تقيم القوانين المتعلقة بالصحافة في تركيا؟ هل تؤمن بأن هذه القوانين من شأنها أن تحمي الصحافيين؟
- التهديد الحقيقي الموجه إلى حريات الفكر والتعبير والصحافة في بلدنا ليس ناجما عن نقصان في القوانين، لكننا نمر اليوم بفترة تحكم فيها حكومة لا تعترف بالقوانين، وتنتهك جميع المبادئ المحلية والعالمية.. إنها فترة بقيت فيها القوانين التي تضمن هذه الحريات مجرد حبر على ورق، وأضفت فيها الحكومة الصبغة القانونية على جميع عمليات القمع والترهيب التي تقوم بها عن طريق امتداداتها في جهازي الشرطة والقضاء. وللأسف الشديد تشهد الدولة حاليا توحيد السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وتجميعها في يد واحدة وليس الفصل بينها. وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك غياب المؤسسات والآليات التي تؤمن الاتزان والتوازن في البلاد يتبين لنا بوضوح أنه لم يعد هناك سوى عدة صحف وقنوات قادرة على أن تقول «قف» لهذه المسيرة الخاطئة. ولذلك لم يكن من قبيل المفاجأة أن يتم استهداف هذه المؤسسات مباشرة في الآونة الأخيرة لتحقيق مآرب معينة.
* ماذا تتوقع أن يحدث في الفترة المقبلة؟ هل تشعر بقلق من إغلاق صحيفة «زمان» والصحف المعارضة الأخرى؟
- تعد تركيا بمثابة جسر في غاية الأهمية من الناحية الجيوسياسية والثقافية بين العالم الإسلامي والغرب. وحسب قناعتي الشخصية أرى أن الأنسب والأمثل لتركيا أن تحظى باحترام في الغرب والعالم الإسلامي في الوقت نفسه، إذ إن تركيا لو تصالحت مع القيم الإسلامية والتاريخ ودول الجوار وقامت بإرساء الديمقراطية في البلاد لأصبحت دولة لا غنى عنها من أجل السلام العالمي.
وبالفعل، عندما تقدمت حكومة العدالة والتنمية في هذا الاتجاه في أولى فتراتها لمع نجم تركيا في الشرق والغرب. فعلى سبيل المثال عندما أصبحت تركيا عضوا في مجلس الأمن الدولي عام 2008 دعمتها 151 دولة، إلا أنها كلما ابتعدت عن هذا المنوال وزادت استبداديتها، وانزلقت في سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها والانحياز لأطراف بعينها بدلا عن انتهاج سياسة العلاقات المتساوية، أصيب وضعها بجروح غائرة وشوهت صورتها على الصعيد الخارجي. ولذلك فعندما أصبحت مرشحة لعضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة، هذا العام، لم تحصل على دعم إلا من 60 دولة ولم يتم اختيارها. وسيظل أملي هو أن يتم العدول عن هذا الطريق الخاطئ قبل أن تصاب الدولة بأضرار أكثر من ذلك.



حرب ترمب على «الإعلام المعادي لأميركا» متواصلة

النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
TT
20

حرب ترمب على «الإعلام المعادي لأميركا» متواصلة

النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)
النائبة الجمهورية اليمينية مارغوري تايلور غرين (رويترز)

الحرب التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على وسائل الإعلام، منذ اليوم الأول لتسلمه منصبه في ولايته الثانية، عدّها المراقبون استمراراً لحربه التي «انقطعت» بعد خسارته انتخابات عام 2020. وبعدما وقّع ترمب أمراً تنفيذياً دعا فيه إلى إلغاء «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي»، بما في ذلك إذاعة «صوت أميركا» - التي لطالما كان يكنّ لها الضغينة - ومجموعة من وسائل الإعلام العالمية الأخرى، و«بأقصى حدّ يتوافق مع القانون المعمول به»، فتح الجمهوريون معركة جديدة تستهدف هذه المرة، التمويل الحكومي لـ«الإذاعة الوطنية» (إن بي آر) و«التلفزيون الوطني» (بي بي إس).

موجات البث... «المعادية لأميركا»

وفي حين يقول الجمهوريون إنه «لا يوجد مبرّر» لتمويل المؤسستين، عقدت الأسبوع الماضي لجنة فرعية بمجلس النواب معنية بكفاءة الحكومة، جلسة استماع حضرتها الرئيستان التنفيذيتان للمؤسستين، حملت عنوان «موجات البثّ المعادية لأميركا»، قادتها النائبة اليمينية المتشددة مارغوري تايلور غرين. واتهمت غرين في مداخلتها الشبكتين بالتحيّز الليبرالي، وأردفت: «بإمكانكم جميعاً أن تكرهونا، لكن على حسابكم». وفي اليوم التالي، قدّم نائب جمهوري مشروع قانون لإنهاء جميع أشكال الدعم الحكومي للمؤسستين.

«الإذاعة الوطنية» في مرمى اليمين الجمهوري الأميركي (غيتي)
«الإذاعة الوطنية» في مرمى اليمين الجمهوري الأميركي (غيتي)

تأتي الحملة الجديدة في سياق جهود الرئيس ترمب الأوسع نطاقاً لتشويه سمعة المؤسسات الإعلامية التي تعارضه، وتهميشها. وخلال الأشهر الأخيرة، منعت إدارته وكالة «الأسوشييتد برس» من حضور فعاليات المكتب البيضاوي بسبب استمرارها في استخدام اسم «خليج المكسيك» بدلاً من «خليج أميركا»، مع أنها تشير إلى التسمية الجديدة. وأيضاً رفعت الإدارة دعاوى قضائية ضد وسائل الإعلام بسبب تغطيتها التي لم ترُق لترمب؛ وسيطرت على تجمّع صحافيي البيت الأبيض مع إضافة منافذ إخبارية مؤيدة للرئيس للتناوب على التغطيات، واستخدمت لجنة الاتصالات الفيدرالية للتحقيق في «الأعداء المفترضين» في وسائل الإعلام، بما في ذلك شبكة «إن بي سي نيوز»، و«الإذاعة الوطنية» (إن بي آر)، و«التلفزيون الوطني» (بي بي إس).

«إن بي آر» و«بي بي إس»

النائبة غرين اتهمت المؤسستين بأنهما «غرف صدى يسارية متطرّفة لجمهور ضيّق من الليبراليين البيض الأثرياء في المناطق الحضرية». وانتقدت على وجه التحديد «بي بي إس» لبرامجها حول الأشخاص المتحولين جنسياً، و«إن بي آر»؛ لكونها لم تغطّ قضية جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن، نجل الرئيس السابق جو بايدن.

ومما قالته غرين: «يقع على عاتق الكونغرس تحديد ما إذا كان الأميركيون سيواصلون تزويد (إن بي آر) بأموال دافعي الضرائب لمواصلة أجندتهم التقدمية، أو بالأحرى الشيوعية». وللعلم، تتلقى المؤسستان تمويلاً من «مؤسسة البث العام»، وهي منظمة مدعومة من الحكومة ساعدت في تمويل الإذاعة والتلفزيون العامين منذ إنشائها عام 1967. وتلقّت المؤسسة تمويلاً بقيمة 535 مليون دولار من الحكومة للسنة المالية 2025. ويذهب جزء من هذا المبلغ إلى هيئات البث العامة، حيث يمثّل نحو 1 في المائة من ميزانية «الإذاعة الوطنية» (إن بي آر)، و15 في المائة من ميزانية «التلفزيون الحكومي» (بي بي إس)، بينما تذهب الحصة الأكبر من التمويل مباشرة إلى المحطات الصغيرة المنتشرة على امتداد الولايات الأميركية.

للعلم، سعى الجمهوريون إلى تجريد «إن بي آر» و«بي بي إس» من التمويل الفيدرالي، بحجة أن شبكات الإعلام العام أصبحت «متحيّزة»، وتشكّل هدراً لأموال دافعي الضرائب، «سيما وأن لدى الأميركيين الإمكانية للوصول إلى العديد من خيارات الإعلام الأخرى».

بولا كيرغر... الرئيسة التنفيذية لـ«البي بي إس» (غيتي)
بولا كيرغر... الرئيسة التنفيذية لـ«البي بي إس» (غيتي)

في المقابل، يردّ الديمقراطيون ومؤيدو المنظمتين، نافين وجود «تحيّز»، ولافتين إلى أن الوصول إلى وسائل الإعلام العامة المجانية جزء مهم من نظام بيئي صحي للمعلومات، وأن التمويل الفيدرالي ضروري للحفاظ على برامج الأخبار المحلية، وبالأخص في المناطق الريفية من البلاد.

أميركا تنفق 1.5 دولار للفرد سنوياً

الواقع أنه، مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، تُنفق الولايات المتحدة أقل بكثير على الفرد الواحد في قطاع وسائل الإعلام العامة. وذكر فيكتور بيكارد، الباحث في مجال الإعلام بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «ديمقراطية بلا صحافة؟: مواجهة مجتمع التضليل الإعلامي»، لصحيفة «الواشنطن بوست»، أن الولايات المتحدة «تدفع ما يزيد قليلاً على 1.50 دولار للفرد كمعدل سنوي، في حين ينفق البريطانيون ما يقرب من 100 دولار للفرد سنوياً على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وهناك دول في شمال أوروبا تنفق أكثر من ذلك».

لكن في حال نجح الجمهوريون في مساعيهم لوقف التمويل الحكومي، ما الذي سيحدث لـ«مؤسسة البث العامة»، وللإذاعة والتلفزيون الحكوميين؟

ما المتوقع من خفض التمويل؟

بالنسبة لـ«مؤسسة البث العامة»، لطالما تعرضت في السابق لعمليات تدقيق ومحاولات لخفض تمويلها. لكنها كانت تنجح في تجاوز اعتراضات الكونغرس، الذي لم يكن يشهد انقساماً حزبياً واستقطاباً سياسياً حاداً كما هو الوضع الآن.

غير أن مركز «بيو» للأبحاث، يقول إن مسألة تمويل «المؤسسة» لم تعد قضية تُحرك غالبية كبيرة من الناخبين. ويعتقد نحو ربع البالغين الأميركيين أنه يجب وقف تمويل وسائل الإعلام العامة، بينما يعارض 43 في المائة منهم ذلك.

بالنسبة إلى الـ«إن بي آر»، سيؤدي وقف التمويل الحكومي إلى اختفاء ما يصل إلى 240 مليون دولار، وإغلاق ما يصل إلى 18 في المائة من نحو ألف محطة محلية تشترك في خدماتها. وستكون مناطق الغرب الأوسط والجنوب والغرب الأكثر تضرّراً. أما على الصعيد الوطني، فسيفقد ما يصل إلى 30 في المائة من المستمعين إمكانية الوصول إلى برامجها التي تُقدّم تغطية وطنية. بيد أن محطات الأعضاء المستقلين في جميع أنحاء البلاد تحصل على معظم الأموال المخصّصة للإذاعة العامة. وهذا ما يجعلها أكثر عرضة للخطر من «الإذاعة الوطنية» التي تحصل على 1 في المائة من ميزانيتها من الكونغرس، وعلى أكثر من ذلك بقليل من المحطات المحلية التي تدفع ثمن برامجها.

مع هذا، تتوقّع «الإذاعة الوطنية» أن تتمكن من تجاوز خفض التمويل. ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى المستمعين المتضرّرين؛ إذ تتوقع طفرة مفاجئة من التبرّعات إذا أوقف الكونغرس تمويلها، وبخاصة في المدن الكبرى، مع مسارعة المستمعين إلى الدفاع عن برامجهم المفضلة.

أما التلفزيون العام «بي بي إس» فمن المرجح أن يكون وضعه أسوأ؛ لأنه يتلقى جزءاً أكبر بكثير من ميزانيته البالغة 373 مليون دولار، من الحكومة الفيدرالية بقيمة 15 في المائة. ومع أن بعض برامجه الأكثر شعبية تتلقى تمويلها من التبرّعات أو من حقوق التوزيع، يُتوقع أن تتحمّل المحطات الأعضاء، التي تعتمد على التمويل العام أكثر منه، العبء الأكبر. وراهناً تستخدم هذه المحطات تلك الأموال لتغطية الشؤون المحلية والمناطق الريفية.

ووفق بولا كيرغر، الرئيسة التنفيذية لـ«بي بي إس»، فإنه «في حين لا يوجد نموذج اقتصادي من شأنه إجبار هيئات البث التجارية على توزيع منافذها في جميع أنحاء الولايات، حيث يكون عدد السكان ضئيلاً للغاية، قد تختفي مصادر المعلومات الموثوقة من المدن الصغيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة».