لبيد يتهم نتنياهو بإضاعة فرصة ذهبية لتجريد قطاع غزة من السلاح

قال: لو شاركت إسرائيل في مؤتمر دعم إعمارها لرأينا شرق أوسط مختلفا

عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد (أ.ف.ب)
عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد (أ.ف.ب)
TT

لبيد يتهم نتنياهو بإضاعة فرصة ذهبية لتجريد قطاع غزة من السلاح

عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد (أ.ف.ب)
عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد (أ.ف.ب)

كشف وزير المالية السابق، يائير لبيد، عن جانب من النقاشات الداخلية في حكومة إسرائيل خلال الأيام الأخيرة للحرب على قطاع غزة، فقال إن نقاشات حادة دارت حول التوجه الاستراتيجي. وأكد أنه كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين والمصريين على تهدئة من نوع آخر، يكون في أساسها إطلاق مفاوضات سلام وتصبح فيها غزة منزوعة السلاح. لكن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، خاف من الثمن الحزبي الذي قد يدفعه، وتصرف بجبن وبلا مسؤولية.
وأضاف لبيد، الذي كان يتحدث في ندوة سياسية بمدينة حولون، ضمن منتديات السبت، أمس، أن الحرب أدت إلى وضع تطالب فيه حركة حماس بوقف القتال، بفضل الضربات التي تلقتها وتذمرات السكان الفلسطينيين. وبدأ الحديث عن إعمار غزة. وطرحت عدة عروض للتعاون مع الدول العربية المعتدلة ودول الغرب الصديقة لاتفاق تعود فيه السلطة الفلسطينية إلى القطاع والبدء بمفاوضات سلام، وفقا للمبادرة الأميركية المسنودة من الاتحاد الأوروبي. وبموجب هذه المبادرة، تشارك إسرائيل مع الدول العربية في مؤتمر إعمار غزة، الذي التأم في القاهرة. ولكن الأبحاث التي جرت في الكابينت (المجلس الوزاري المصغر في الحكومة الإسرائيلية)، الذي تولى إدارة الحرب، شهدت صراعا بين كتلتين، واحدة من حزبه «يوجد مستقبل» وحزب الحركة بقيادة تسيبي لفني، تدعو إلى التجاوب مع المبادرة، وأخرى من اليمين المتطرف الذي يرفض استئناف المفاوضات السلمية.
وقد حسم الأمر، أضاف لبيد، بموقف خاطئ وجبان من نتنياهو، الذي انضم إلى اليمين المتطرف. وهكذا، ضاعت فرصة حقيقية لنزع السلاح عن قطاع غزة، الذي وضعناه شرطا لاستئناف المفاوضات، كان باديا أن الأطراف المختلفة تقبل به.
وسئل لبيد إن كان الطرف الفلسطيني مؤهلا للمفاوضات السلمية، وماذا كان موقفه لو أن الفلسطينيين طرحوا قضية القدس الشرقية، كما يطرحونها الآن، عاصمة للدولة الفلسطينية. فأجاب: «أنا شخصيا أرفض إعادة تقسيم القدس حتى لو كان الثمن إجهاض المفاوضات، فلا أحد يوافق على تقسيم عاصمته. ولكن في المفاوضات يجري الحديث من أجل التوصل إلى صياغات يتنازل فيها كل طرف، ويتوصلان إلى تفاهمات. فهناك حلول أخرى لقضية القدس من دون إعادة تقسيمها».
ومن جهة أخرى، كشف النقاب في تل أبيب، عن أن الجيش الإسرائيلي مقتنع بأن نتائج الحرب على غزة لا تمنع اندلاع حرب أخرى في القريب، ولذلك فإنه يواصل إجراء تدريباته على مختلف السيناريوهات الحربية. ومن ضمن ذلك، قام الجيش خلال الأسبوعين الأخيرين بإجراء تدريبات خاصة، هي الأولى من نوعها، لقصاصي الأثر في كتيبة غزة، بهدف تعزيز قدراتهم الحربية داخل المناطق المأهولة. ويعود السبب إلى كون هؤلاء هم أول من يصل إلى الحلبات المختلفة في قلب مدن القطاع، وأحيانا في خضم نيران حماس، مما يحتم عليهم إدارة عمليات معقدة تختلف عما تعودوه في العمليات الحالية قرب السياج الحدودي. وفي سبيل تنفيذ التدريب بشكل يلائم ظروف الحرب داخل منطقة مأهولة، تم إجراء التدريب في مدينة رهط العربية في منطقة النقب. وشمل التدريب ملاحقة مسلحين داخل مناطق مكتظة بالسكان، وتم بناؤه حسب الدروس التي تم استخلاصها من عمل قصاصي الأثر خلال «الجرف الصامد» ومن خلال الإدراك بأن هؤلاء سيوجدون في الحرب القادمة داخل مناطق مدنية.
وكانت مصادر حمساوية ذكرت أن قوة عسكرية إسرائيلية أطلقت النار باتجاه عدة مناطق في شمال قطاع غزة وأواسطها، يومي الجمعة والسبت. وأضافت أن سلاح البحرية الإسرائيلي أطلق هو الآخر نيرانه تجاه جنوب القطاع دون أن يبلغ عن وقوع إصابات. وتعقيبا على ذلك، قالت مصادر في الجيش الإسرائيلي إن جنودا أطلقوا عيارات نارية تحذيرية في الهواء لإبعاد فلسطينيين مشبوهين اقتربا من السياج الأمني المحيط بشمال القطاع.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»