جيل {بدون} من أبناء زيجات مقاتلي داعش في الرقة

تزويج الفتيات السوريات بالإكراه.. و300 ايزيدية جرى بيعهم في المدينة السورية

جيل {بدون} من أبناء زيجات مقاتلي داعش في الرقة
TT

جيل {بدون} من أبناء زيجات مقاتلي داعش في الرقة

جيل {بدون} من أبناء زيجات مقاتلي داعش في الرقة

حذر ناشطون سوريون في مدينة الرقة في شمال سوريا لـ«الشرق الأوسط»، من أن جيلا كاملا من أبناء مقاتلي تنظيم داعش الأجانب الذين تزوجوا في سوريا، «مهدد بأن يكون مكتوم القيد»؛ نظرا لأن عقود الزواج في المحافظة السورية الخاضعة بأكملها لسيطرة التنظيم «غير قانونية»، ومسجلة بألقاب المقاتلين وليس بأسمائهم الحقيقية، ما يمنع تسجيل الأولاد قانونيا، وبالتالي حصولهم على أوراق ثبوتية تمهد لدخولهم المدارس. ودفع هذا الواقع عشرات الفتيات السوريات المجبرات على الزواج من مقاتلين في «داعش»، إلى محاولة الانتحار؛ إذ «وثقت حالة انتحار واحدة على الأقل، فيما وثقت عشرات حالات محاولة الانتحار»، في حين هرب الكثير من الفتيات السوريات، مع عائلاتهن، إلى المناطق المحررة القريبة من الرقة، هربا من إجبارهن على الزواج من مقاتلين في التنظيم.
وتحولت مدينة الرقة إلى معقل لتنظيم داعش منذ سيطرته الكاملة عليها في سبتمبر (أيلول) 2013، تضم في أحيائها مئات المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف التنظيم، وينطلقون منها لقتالهم في معارك خارج المدينة. وغالبا ما يصل المقاتلون، بحسب ما يقوله ناشطون، من غير عائلاتهم «ما يدفعهم للزواج من السوريات». ويقدم التنظيم حوافز لمقاتليه الأجانب، تتمثل، بحسب ما يقوله مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، «بتوفير منازل وسيارات ورواتب مغرية للمقاتلين، تصل إلى حدود 800 دولار أميركي للمقاتل الأجنبي»، فضلا عن تقديم «100 دولار أميركي لكل زوجة، و50 دولارا لكل طفل من عائلة المقاتل المهاجر»، في إشارة إلى المقاتلين غير السوريين.
وبحكم وجودهم في المنطقة، بدأ المقاتلون البحث عن زوجات لهم «من السوريات من عائلات الرقة، أو من السوريات النازحات إلى المدينة منذ فترة، هربا من المعارك العسكرية في مناطق متاخمة»، كما يقول أحد مؤسسي صفحة «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الحلبي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن أغلب حالات الزواج «تكون بالإكراه». ويوضح أن قيادات في «داعش» تطلب الفتاة من ذويها «عبر أسلوب الإجبار والترهيب، ما يمنع أي اعتراض من عائلتها». «وإزاء هذه الآلية»، يضيف: «وثقنا حالة انتحار من فتاة سورية على الأقل، وحالات أخرى حاولت فيها الفتيات الانتحار رفضا لتزويجهن بالإكراه، فيما فرّت مئات العائلات من الرقة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر، هربا من هذا الواقع».
وتترتب على هذا الزواج تبعات قانونية كبيرة، تهدد بإنتاج جيل مكتوم القيد من أبناء المقاتلين في «داعش». ويشرح الحلبي الواقع بالقول: «عادة ما يجري الزواج بعقد رسمي يحمل توقيع شاهدين، لكن أسماء المقاتلين مجهولة، وهي أسماء حركية، ويدون العقد بالاسم الحركي للمقاتل مثل (أبو قتيبة الشيشاني) أو (أبو عمر البغدادي)، وبالتالي، لا يتضمن العقد الاسم الوارد في بطاقات الهوية العائدة للمقاتلين، ما يمنع الطفل من أن يحمل اسم والده الحقيقي». إضافة إلى ذلك: «تدون أسماء الشهود بالاسم الحركي أيضا، ما يفقد العقد الصفة القانونية، وتهدد بأن يكون الأبناء من (البدون) أو مكتومي القيد، ما ينعكس في المستقبل على عملية التسرب من المدرسة، أو حتى الحصول على الحقوق المدنية في أي دولة، سواء في سوريا وفي الدول التي يتحدر منها المقاتلون».
وينحسب الأمر على سائر زوجات مقاتلي «داعش» في الرقة السورية؛ ففي هذه المدينة الخاضعة بأكملها لسيطرة التنظيم، يتزوج مقاتلو التنظيم من السوريات والإيزيديات، إضافة إلى نساء مهاجرات. ويشير الحلبي إلى أن «المهاجرات يعشن وحدهن في المدينة، ومعروضات للزواج، ويعملن في إطار الدعوة الدينية»، لافتا إلى أن بينهن «أوروبيات وعربيات».
وتعاني النساء في هذه المنطقة أزمات كبيرة، في ظل القيود التي يفرضها التنظيم عليهن، والضغوط الكبيرة الناتجة عن قوانين التنظيم فيما يتعلق بحركة النساء. وتقول مصادر المعارضة في الشمال لـ«الشرق الأوسط» إن الشرطة النسائية التابعة للتنظيم «اقتادت منذ مطلع الشهر الحالي عشرات الفتيات إلى السجون بتهمة إظهار الوجه، أو التبرج، أو محاولة ركوب سيارات الأجرة من دون محرم»، إذ يمنع التنظيم النساء في مناطق سيطرته من ركوب سيارة الأجرة من غير وجود مرافق من عائلتها إلى جانبها، كما تراقب الشرطة النسائية «التقيد باللباس الشرعي».
ومن ضمن إجراءات التقييد، يمنع التنظيم النساء من العمل في مؤسسات عامة، ويفرض عليهن العمل في مؤسسات خاصة بالنساء فقط، كونه «يمنع الاختلاط بين الجنسين». وينسحب هذا القانون على المدارس أيضا، ويفرض على الفتيات بدءا من الصف الأول الابتدائي «وضع النقاب وارتداء اللباس الشرعي».
وتأتي هذه المعاناة في ظل معلومات عن انتحار إيزيديات، أخذهن التنظيم سبايا من العراق، رفضا للزواج من عناصر التنظيم. وفيما شكك الحلبي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، في أنباء عن هرب بعضهن، وردت في التقرير، أكد معلومات أخرى عن انتحارهن أو محاولتهن الانتحار. ويقول: «بداية، الرقم الذي جرى تداوله عن وجود 300 إيزيدية غير دقيق؛ إذ تشير معلوماتنا إلى أن الرقم أقل من ذلك»، مشددا على أن الهرب من المعتقل «غير دقيق أيضا»؛ نظرا لأنهن «كن معتقلات في مكان يصعب عليهن الهروب منه، وهو استاد رياضي في الرقة، هو ملعب (الأسود)، وكن محتجزات في أقبية وغرف ملابس تحت الملعب، ما يصعب فرصة فرارهن». وقال إن استحضارهن «كان في الأساس بغرض الزواج وتوفير زوجات جميلات لمقاتلي التنظيم، بما يتخطى بيعهن»، لكن «النساء السبايا كن متوفرات لقادة التنظيم، فيما بدأت عمليات البيع والشراء بين العناصر السورية، والعناصر الأقل أهمية الذين لم يتمكنوا من الزواج بإحداهن». وأشار إلى أن الفتيات الأبكار بينهن «تزوج بهن قياديون في (داعش) في الرقة»، لافتا إلى أن عمليات بيع السبايا «لم تقتصر على الرقة، بل تعدتها إلى مدينتي الباب ومنبج بريف حلب الشرقي». قال مصدر سوري معارض في الرقة لـ«الشرق الأوسط» إن شابا من حلب، يبلغ من العمر 35 عاما، كان يبيع القهوة قبل أن يتحول إلى قيادي في تنظيم داعش، «اشترى فتاة إيزيدية تبلغ من العمر 18 عاما، مقابل ألف دولار أميركي، قبل أن يطلقها بعد 40 يوما، ويزوجها إلى مقاتل تونسي في صفوف (داعش)، مقابل 1200 دولار».
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن منزلا في نواحي مدينة الرقة «كان يحتوي على عدد من الإيزيديات اللواتي جرى اقتيادهن من العراق إلى الرقة، بهدف بيعهن سبايا»، مشيرا إلى أن المنزل «يقع في منطقة الفخيخة المحاذية للرقة، وجرى بيع جميع السبايا المحتجزات فيه لعناصر التنظيم من سوريين وغير سوريين». وقال إن القيادي الحلبي في التنظيم «توجه إلى جامع بعد أن باع الفتاة التي تزوجها، كان التنظيم يحتجز عددا من الإيزيديات فيه أيضا، لكن من الفتيات من نالت إعجابه، فلم يكرر الحادثة»، مشيرا إلى أن الزوجة الأولى التي اشتراها «كانت عزبة».
ويقدر ناشطون أعداد الإيزيديات اللواتي جرى بيعهن في الرقة بنحو 300 إيزيدية، بعد اقتياد العشرات منهن من العراق إلى مناطق أخرى في العراق، ومناطق في شرق وشمال سوريا. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أعلن توثيقه «27 حالة على الأقل، من اللواتي جرى بيعهن وتزويجهن بعناصر تنظيم داعش في ريف حلب الشمالي الشرقي، وريفي الرقة والحسكة، من أصل 300 امرأة وزعهن التنظيم على مقاتليه في سوريا، قبل أن يبيعوهن مرات عديدة». ويفرض التنظيم على تلك النساء السبايا «تدابير أكثر تشددا من النساء السوريات أو المهاجرات في الرقة»، بحسب ما يقول الحلبي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن هؤلاء اللواتي جرى تزويجهن أو بيعهن «ما زلن موجودات في الرقة، لكن يمنع عليهن الخروج من المنزل، ويُسمح لهن فقط بارتياد حلقات تدريس القرآن والدعوة للدين»، وهي حلقات نسائية ينظمها التنظيم في الرقة، تحت اسم «ملتقى الفتاة المسلمة». والرقة أول مدينة سورية خرجت عن سيطرة القوات الحكومية في عام 2012، وسيطر مقاتلو الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية معتدلة على قسم كبير من أريافها أيضا قبل أن يحكم التنظيم المتشدد سيطرته عليها في سبتمبر 2013 ويطرد القوات النظامية من 3 مراكز عسكرية، هي الأخيرة له في المحافظة، الصيف الماضي.
ويفرض التنظيم قوانين جائرة بحق سكان الرقة، لكن محاولته فرض قوانينه على السكان «دفع كثيرين إلى إخلاء المدينة إلى مناطق أخرى، وخصوصا مناطق سيطرة الجيش السوري الحر في ريف حلب الشمالي»، فيما باتت المدينة «معقلا للمقاتلين الأجانب الذين يفرضون سيطرتهم على الأحياء، ويشاركون في حملات اعتقال السوريين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.