باكستان تنشئ محاكم عسكرية في أعقاب مذبحة مدرسة بيشاور

تمديد اعتقال زعيم جماعة متطرفة محظورة لأسبوعين * خطة تحرك طموحة ضد الإرهابيين

جندي باكستاني يقف في حالة تأهب أمام كنيسة في بيشاور أمس (إ.ب.أ)
جندي باكستاني يقف في حالة تأهب أمام كنيسة في بيشاور أمس (إ.ب.أ)
TT

باكستان تنشئ محاكم عسكرية في أعقاب مذبحة مدرسة بيشاور

جندي باكستاني يقف في حالة تأهب أمام كنيسة في بيشاور أمس (إ.ب.أ)
جندي باكستاني يقف في حالة تأهب أمام كنيسة في بيشاور أمس (إ.ب.أ)

أعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أمس أنه سوف ينشئ محاكم عسكرية لمحاكمة الإرهابيين، وذلك ضمن خطة طموحة للقضاء على تهديد متمردي طالبان وآيديولوجياتهم.
وقال شريف في خطاب أذيع على شاشة التلفزيون، بعد أن ترأس اجتماعا للمسؤولين السياسيين والعسكريين «سوف يتم إنشاء محاكم خاصة يترأسها ضباط من القوات المسلحة من أجل سرعة محاكمة الإرهابيين». وأضاف أن المحاكم الخاصة سوف تعمل لمدة عامين. وكان جميع رؤساء الأحزاب السياسية وقادة الجيش ورؤساء أجهزة الاستخبارات قد التقوا في العاصمة إسلام آباد أول من أمس الأربعاء للتحضير لخطة عمل لمواجهة الإرهاب. ويأتي هذا الاجتماع بعد الهجوم الذي شنه مسلحو طالبان على مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور شمال غربي باكستان في 16 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مما أسفر عن مقتل 149 شخصا، بينهم 136 طفلا. وقال شريف بعد مشاورات استمرت 11 ساعة «مذبحة بيشاور غيرت باكستان، علينا أن نستأصل الإرهاب لكي نهزم التطرف والطائفية». وصرح وزير الداخلية الباكستاني شودري نصار علي خان أن باكستان سوف تشكل قوة للاستجابة السريعة قوامها 5 آلاف من رجال الجيش، من أجل مواجهة هجمات طالبان المفاجئة مثل مذبحة المدرسة. وقال وزير الإعلام برويز رشيد لوكالة الأنباء الألمانية إنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على إجراءات لا تهدف فقط للتغلب على المسلحين ولكن أيضا التطرف والطائفية والتعصب الديني. كما تهدف الخطة لقطع التمويل المالي عن الإرهابيين، وعرقلة شبكات اتصالاتهم.
وفي لاهور (باكستان) أعلن مسؤولون باكستانيون أمس أنه تم تمديد اعتقال زعيم جماعة إسلامية محظورة لأسبوعين إضافيين في تحقيق يتعلق بقضية قتل.
وكان من المفترض إطلاق سراح مالك اسحق زعيم جماعة عسكر جنقوي المتشددة والمحظورة التي تشن هجمات ضد الأقلية الشيعية في البلاد، الخميس بعد أن سحبت حكومة البنجاب الإقليمية طلبا لتمديد اعتقاله بموجب قوانين النظام العام. ويأتي تمديد اعتقال اسحق بينما عززت باكستان استراتيجية مكافحة الإرهاب الخاصة بها بعد هجوم في 16 من ديسمبر على مدرسة مما أدى إلى مقتل 149 شخصا بينهم 133 طفلا. وأعلن مسؤول في الشرطة أنه تم احتجاز اسحق لقضية قتل في مدينة مولتان. وقال غلام محيي الدين لوكالة الصحافة الفرنسية «قامت محكمة مكافحة الإرهاب الأربعاء بإرسال اسحق إلى السجن على ذمة تحقيق قضائي وسيمثل أمام المحكمة مرة أخرى في 7 من يناير (كانون الثاني)». وأكد وزير داخلية إقليم البنجاب شجاع خان زادة اعتقال اسحق مؤكدا أن الحكومة قررت عدم إطلاق سراحه، مشيرا إلى أنه يواجه عدة قضايا بسبب التوترات الأمنية. وقال: «اعتقلته الحكومة مرة أخرى، بسبب قضايا جديدة سجلت ضده» دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل. وعسكر جنقوي مجموعة سنية مسلحة متطرفة متحالفة مع تنظيم القاعدة. وتوجه إلى عسكر جنقوي التي تعتبر الشيعة كفرة تهمة قتل مئات منهم منذ نشوئها في التسعينات. وتبنت الجماعة التي تأسست في باكستان خلال الثمانينات لمكافحة نفوذ إيران أكبر قوة شيعية في العالم اعتداءي كويتا. وكثفت الجماعة التي حظرت منذ 2002 الهجمات. وهي تستند أيضا إلى «الجناح السياسي» في جمعية أهل السنة والجماعة. وكانت وزارة الخارجية الأميركية أدرجت اسحق على قائمة الإرهاب الدولية في وقت سابق هذا العام. وقامت محكمة مكافحة الإرهاب بتبرئته في مايو (أيار) الماضي من تهم التحريض على العنف وبث خطب تحض على الكراهية ولكنها أبقته قيد الحبس الاحترازي. وأكد رئيس الوزراء نواز شريف الخميس أن باكستان ستقوم بإنشاء محاكم عسكرية لقضايا متعلقة بالإرهاب كجزء من خطة لمكافحة الإرهاب. وأعلنت باكستان غداة الهجوم الذي أحدث صدمة في البلاد، استئناف عمليات الإعدام لقضايا الإرهاب بعد تعليقها منذ 2008. ونفذ الأسبوع الماضي حكم الإعدام بحق 6 محكومين. ويوم الاثنين، أفادت مصادر في وزارة الداخلية الباكستانية أن باكستان تنوي تنفيذ أحكام الإعدام في 500 محكوم في الأسابيع المقبلة.
وفي خطاب إلى الأمة منتصف ليلة أول من أمس بعد إحدى عشرة ساعة من المناقشات مع قادة الأحزاب السياسية، أكد رئيس الحكومة الباكستانية نواز شريف ضرورة التحرك بقوة للقضاء على التطرف وحذر من أن الذين يقفون وراء الهجمات سيلاحقون بلا رحمة. وقال شريف بأن «محاكم عسكرية خاصة برئاسة ضباط من القوات المسلحة ستشكل لمحاكمة الإرهابيين بسرعة». وأضاف أن هذه المحاكم الخاصة ستعمل لمدة سنتين. وأكد رئيس الحكومة الباكستانية في الخطاب الذي بثه التلفزيون أن «الفظائع التي ارتكبت في بيشاور غيرت باكستان ويتوجب علينا استئصال عقلية الإرهاب لإلحاق هزيمة بالتطرف والطائفية». وأضاف أن «هذه الجريمة الدنيئة هزت الأمة، الإرهابيون ضربوا مستقبل هذا البلد بقتلهم الأطفال». وتنص خطة التحرك العمل لقطع المساعدات المالية للتنظيمات الإرهابية واتخاذ إجراءات للحؤول دون ظهور منظمات محظورة بأسماء جديدة. وأعلن شريف أيضا إنشاء قوة خاصة ضد الإرهاب ومراقبة عمل المدارس الدينية».
كما تتضمن «خطة التحرك» الطموحة هذه سلسلة واسعة من الإجراءات بما فيها تعديلات دستورية، من بينها منع الإرهابيين من التعبير عبر الإنترنت وفي الصحافة المكتوبة وتدمير أنظمة اتصالاتهم وإعادة اللاجئين الأفغان إلى بلدهم. وقال رئيس الوزراء الباكستاني «كأب يمكنني أن أقدر كم كانت هذه النعوش ثقيلة» في إشارة إلى ضحايا الهجوم على المدرسة الأسبوع الماضي. وأضاف: «بدمائهم، رسم أطفالنا خطا بيننا وبين الإرهابيين» واعدا بعدم المهادنة معهم. وعقد الاجتماع في منزل رئيس الوزراء الباكستاني في إسلام آباد. وقد دعي إليه لوضع الخطوط العريضة لخطة لمكافحة الإرهاب. وقال زعيم المعارضة سيد خورشيد شاه لوكالة الصحافة الفرنسية بأن «الإرهابيين وحدهم هم من سيحاكمون أمام هذه المحاكم ولن تستخدم لأي أغراض سياسية». وأضاف أن «الهدف من إنشاء المحاكم العسكرية هو ضمان المحاكمة السريعة للإرهابيين، لأن هناك ثغرات عدة في القانون القضائي ما جعله يخفق في تحقيق نتائج»، مؤكدا أن كل الأحزاب السياسية وافقت على تعديل الدستور لتسهيل إقامة المحاكم العسكرية. كما وافق المجتمعون بالإجماع على قرار يدين الهجوم الذي وقع الثلاثاء الماضي الذي كان الأكثر دموية في تاريخ البلاد. ورفعت الحكومة الباكستانية تعليق تنفيذ أحكام الإعدام الذي كان مطبقا منذ 2008 وإعادة العمل بهذه العقوبة فعليا لقضايا الإرهاب. ونفذت أحكام بالإعدام كانت أصدرتها المحاكم التي تنظر في أمور الإرهاب في 6 أشخاص وذلك ردا على الهجوم على المدرسة. والمحكومون بالإعدام الـ6 الذين نفذ بحقهم الحكم منذ الجمعة، حوكموا جميعا بتهم شن هجمات ضد الجيش 5 منهم لمحاولة اغتيال فاشلة في 2003 ضد الجنرال برويز مشرف الذي كان يتولى الحكم آنذاك، والسادس بتهمة المشاركة في هجوم لحركة طالبان ضد المقر العام للجيش في 2009. وبعد إعلان استئناف عمليات الإعدام، وضعت السلطات البلاد في حالة تأهب ونشرت قوات إضافية خصوصا في محيط المطارات والسجون التي تعرضت لعدة لهجمات في السنوات الأخيرة من قبل المتمردين الذين نجحوا في إطلاق سراح زملاء لهم. وأعلن مسؤولون باكستانيون الاثنين أنه سيتم إعدام 500 شخص محكومين خلال الأسابيع المقبلة. وقد أعلن الجيش الأفغاني الاثنين عن هجوم على متمردين إسلاميين في ولاية كونار التي يعتقد أنها قاعدة خلفية لحركة طالبان الباكستانية المسؤولة عن الاعتداء على مدرسة في بيشاور الذي كان الأعنف في تاريخ باكستان.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».