خريطة طريق إلى البرلمان المصري المقبل

اتجاه لتأسيس حزب كبير لمساندة الرئيس

د. شوقي السيد
د. شوقي السيد
TT

خريطة طريق إلى البرلمان المصري المقبل

د. شوقي السيد
د. شوقي السيد

منذ ثورة 1952 اعتمد رؤساء مصر القادمون من المؤسسة العسكرية، على أذرع سياسية مدنية لمؤازرتهم في حكم الدولة. لكن على أي حزب أو تيار سياسي سيعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي؟ أصبح هذا السؤال يطرح نفسه بين أروقة السياسيين مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية، وسعي كثير من النواب السابقين لحزب الرئيس الأسبق حسني مبارك للترشح فيها بقوة كمستقلين أو من خلال أحزاب أخرى.
توجد إجابات متعددة حول هذا الموضوع، من بينها اتجاه لتأسيس «حزب سياسي كبير» من نواب البرلمان المقبل المستقلين لمساندة حكم رئيس الدولة الجديد، لكن المشكلة، كما يقول مستشارون عسكريون وسياسيون لـ«الشرق الأوسط»، تكمن في ارتفاع عدد من يعتزمون الترشح للمجلس النيابي من حزب مبارك.
ومنح الدستور الجديد صلاحيات للبرلمان تزيد في بعض الجوانب منها عن صلاحيات رئيس الجمهورية، لأول مرة منذ «ثورة عبد الناصر» قبل أكثر من نصف قرن. وردا على أسئلة بشأن شكل العلاقة بين البرلمان ورئيس أكبر دول بمنطقة الشرق الأوسط من حيث السكان، يجيب العميد أركان حرب، عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، قائلا إن الرئيس يعتمد بالفعل على «حزب الشعب المصري».

وهذا بطبيعة الحال ليس حزبا محدد المعالم، لأن العميد «العمدة» هنا يتحدث مجازا عن «حُب الشعب للرئيس وثقته فيه» منذ انحياز السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، لملايين المصريين الذين خرجوا في صيف 2013 للشوارع مطالبين بإنهاء حكم جماعة الإخوان وحلفائها من تيار «الإسلام السياسي».
ويعطي العميد «العمدة»، مثل مستشارين عسكريين آخرين، رسائل مطمئنة عن «التحام الرئيس بالشعب»، وأنه ليس في حاجة لحزب أو تكتل في البرلمان المقبل «لأنه من غير المتوقع أن يعمل النواب ضد توجهات الرئيس». وسبق للرئيس السيسي نفسه القول إنه «لا أحد يمكنه أن يقف بينه وبين الشعب».
وفي المقابل توجد مخاوف لدى العديد من المراقبين والسياسيين من «هلامية المشهد السياسي»، وعدم وضوح خارطة البرلمان المقبل حتى الآن، بسبب خلافات الأحزاب حول التحالفات الخاصة بالانتخابات المزمع الانتهاء منها في الربع الأول من 2015، وبسبب الأعداد الكبيرة والمهمة ممن ينوون الترشح بعد أن كانوا في السابق إما نوابا في الحزب الوطني الديمقراطي الذي ثار عليه المصريون في يناير 2011، أو نوابا مما يعرف بـ«تيار الإسلام السياسي» الذي لفظ الشعب طريقته في الحكم في ثورة 30 يونيو 2013.
ومع هذا يبدو من النقاشات والخطط والتوقعات، التي يجري تداولها في القاهرة، أن المرحلة المقبلة ستشهد إنتاجا لـ«حزب قوي»، بحيث يجري اختيار مؤسسيه من بين النواب الذين سيفوزون في الانتخابات، على أن يكون هذا هو الحزب الذي ستعتمد عليه مؤسسة الرئاسة في دعم الحكومة التي يختارها الرئيس وتمرير ما يريده من قوانين وقرارات وتعديلات دستورية وغيره.
ويتفق العديد من السياسيين الموالين للسيسي مع هذا الاتجاه، ومن بينهم محمود نفادي، المتحدث باسم «تحالف نواب الشعب»، وهو تحالف يضم نوابا سابقين من الأحزاب ومن المستقلين، ويسعى لتمثيل قوي في البرلمان المقبل.
وكان رؤساء مصر، فيما مضى، يترأسون الأذرع المدنية للكيانات التي يعتمدون عليها في الحكم، وفي قرارات البرلمان. وكان آخرها الحزب الوطني الديمقراطي الذي ترأسه الرئيس الأسبق مبارك، وشغل نجله جمال موقع الأمين العام المساعد للحزب لشؤون السياسات.
لكن الدستور الجديد، الذي أقره المصريون مطلع هذا العام، حظر على رئيس الدولة في مادته رقم 140 الانخراط في أي عمل حزبي، وقال «لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة».
ويعود العميد «العمدة» ليعلق على هذه النقطة، قائلا إن الرئيس، وقبل أن يفوز في انتخابات الرئاسة، وحتى قبل الدستور الجديد، أعلن أنه لن ينتمي لأي حزب، وقال إن «الشعب هو حزبي».
ويضيف: أما أسلوب اتخاذ القرار في البرلمان المقبل فسيؤكد أن «كل النواب يثقون في الرئيس وسيتخذون القرارات التي تصب في صالح مصر، ومن لديه وجهة نظر سيطرحها، والبرلمان يقر أو لا يقر هذا الكلام»، مشيرا إلى أنه توجد ثقة في وعي الشعب الذي «قام بثورتين وحبس رئيسين خلال أقل من 4 سنوات». وسيتكون البرلمان المقبل من 567 نائبا من بينهم 420 بنظام الانتخاب الفردي و120 بنظام القوائم، و27 يجري تعيينهم بمعرفة رئيس الدولة وفقا للدستور. ويضيف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن النواب الذين سيجري تعيينهم من الرئيس «سيغطون التخصصات النادرة المطلوبة».
لكن عدد مَنْ سيعينهم الرئيس، في رأي السياسيين، قليل للغاية، ولا تزيد نسبته عن 5 في المائة من إجمالي النواب المنتخبين. وهنا يتساءل محمد راضي، أحد شباب ثورة 30 يونيو، بعد أن استمع لمناقشات عن مستقبل علاقة البرلمان بمؤسسة الرئاسة: مَنْ يضمن أن تتخذ الأغلبية القرارات التي تتماشى مع توجهات رئيس الدولة في السياسة والاقتصاد والأمن، سواء بالنسبة للقرارات المفصلية التي تتطلب أغلبية الثلثين أو بالنسبة للقرارات العادية التي تتطلب أغلبية النصف زائد واحد؟
ويجيب العميد عادل العمدة مرة أخرى قائلا: «نحن تعلمنا في القوات المسلحة أنه قبل أن ننفذ أي شيء، لا بد أولا من القيام بإجراء تقدير للموقف من أجل استيعاب كل الجوانب.. ما هي المعطيات وما هي الإمكانيات. وفي حال كانت الإمكانيات أقل من التحديات، نلجأ لطريقة التطويع من أجل استيعاب كل التحديات والتغلب عليها».
ويضيف: «لن نترك الأمور للاجتهاد لأناس هم في الحقيقة مجرد أبواق إعلامية تستهدف استنزاف الدولة وهدمها. ليست لدينا مثل هذه الرفاهية الآن».
وبالنسبة لكثير من السياسيين فإن الأمر ليس بتلك البساطة. ويأتي هذا وسط توقعات بأن يفوز 200 أو 300، أو أكثر، من النواب السابقين من حزب مبارك ونجله جمال، في البرلمان الجديد.
ودارت مثل هذه التكهنات والمخاوف في أروقة بعض الأحزاب وبعض الدوائر الأمنية، خاصة بعد أن خرجت تسريبات تتحدث عن أن رموز الحزب الوطني الكبار سيعودون بقوة مثل الملياردير أحمد عز، الذي كان يشغل موقع أمين تنظيم الحزب حتى ثورة 2011.
ويقول الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس، والمنسق العام لـ«تحالف العدالة الاجتماعية» الذي يضم 33 كيانا سياسيا، إنه لا بد أن يكون مع رئيس الدولة قوة سياسية منظمة.. «الواقع، اليوم، يؤكد أن الرئيس معه قوى جماهيرية، لكنها ليست منظمة في كيان سياسي محدد المعالم.. جنوده السياسيون غير واضحين»، مشيرا إلى أن كل الاحتمالات مفتوحة، بما في ذلك ما يقال عن محاولات رجال جمال مبارك العودة إلى الساحة السياسية من جديد.
واقترنت هذه المخاوف بسؤال ليست له إجابة قاطعة على ما يبدو حتى الآن، وهو: هل سيتعاون نواب حزب مبارك، حال فوزهم في البرلمان الجديد، مع الرئيس السيسي، أم سيحاولون التحالف مع نواب آخرين، بمن فيهم من سيفوز من تيار الإسلام السياسي، لتشكيل جبهة معارضة أو تكتل ذي أغلبية تمكنهم من تشكيل الحكومة، بعيدا عن اختيارات الرئيس، وهو حق منحه الدستور الجديد للبرلمان.
وتحدث أحد المصادر القريبة من دوائر صناعة القرار عن وجود «إدراك عميق لدى الدولة» لمثل هذه الاحتمالات التي يمكن أن تخلق نزاعا بين سلطات البرلمان وسلطات الرئيس مستقبلا، ولهذا، كما يقول «جرى وضع ضوابط صارمة للحيلولة دون عودة من ثار عليهم الشعب إلى البرلمان مرة أخرى».
ومن بين هذه «الضوابط الصارمة» التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية والتي اعتمدها الرئيس السيسي قبل يومين. ويقول مسؤول سابق في حزب مبارك إن هذا التقسيم، على سبيل المثال، تسبب في خروج 3 كتل تصويتية مهمة في دائرة رجل الأعمال أحمد عز الذي يوصف بأنه أحد أهم المقربين من نجل الرئيس الأسبق.
كما أدى التقسيم الجديد للدوائر، وفقا للمصادر نفسها، إلى تفتيت الكتل التصويتية التي كان يعتمد عليها كل من نواب حزب مبارك ونواب جماعة الإخوان ونواب التيار السلفي.
وعلى سبيل المثال أيضا، كانت مناطق «الدخيلة والعامرية وبرج العرب» الواقعة في غرب مدينة الإسكندرية، دائرة انتخابية واحدة لها مقعدان في البرلمان، وكان يتقاسم هذين المقعدين الحزب الوطني وتيار الإسلام السياسي. وفي التقسيم الجديد أصبحت المنطقة تضم 3 دوائر ولها 5 مقاعد في البرلمان.. «وبالتالي فإمكانية فوز نواب من الوطني أو الإخوان أو السلفيين أصبحت أقل، في مقابل فرص أكبر لفوز وجوه جديدة ليست من تلك التي قد يكون لديها حنين للماضي».
ويقول محمود نفادي: «من يتحدث عن أن البعد الأمني وراء تقسيم الدوائر بالطريقة الجديدة، كما يزعم بعض السياسيين، أقول لهم إن البعد الأمني أصبح مطلوبا في كل شيء في مصر، لأن البرلمان المقبل، وهذه المرحلة التي تمر بها البلاد، ما زالت مرحلة انتقالية.. ما زلنا نريد أن نعبر إلى بر الأمان وإلى الاستقرار».
ومع هذا يشعر رجال أحزابٍ من المتحمسين لبناء مرحلة مختلفة عن السابق، بخطر النشاط الذي يقوم به في الوقت الراهن العديد من الطامحين للترشح للبرلمان، سواء من حزب مبارك الذي جرى حله في أبريل (نيسان) عام 2011 بحكم المحكمة، أو من الإسلاميين، من أجل توفيق أوضاعهم مع النظام الجديد للدوائر، ومع المتغيرات المستحدثة للعملية الانتخابية برمتها.
ويبلغ عدد الناخبين نحو 55 مليونا، غالبيتهم من الفقراء وأبناء العائلات والقبائل. وتقول التقارير الأمنية إن معظم هؤلاء يصوتون لأبناء دوائرهم دون الالتفات عادة لتوجهاتهم السياسية أو الحزبية.
كما يعتمد كثير من رجال الأعمال على أصوات عمال المصانع والشركات في الدوائر التي يترشحون فيها، مثل دائرة أحمد عز، الذي طالبه عمال مصانعه في مدينة السادات، الأسبوع الماضي، بالترشح لخوض الانتخابات عقب خروجه من السجن، حيث كان يحاكم في قضايا بتهم فساد مالي.
وفي حساب بسيط لعدد الذين ينتمون لحزب مبارك ممن يتوقع لهم أن يخوضوا الانتخابات النيابية المقبلة، يمكن، كما يقول أحد المسؤولين الأمنيين، أن يشكل الرقم أكثر من نصف مقاعد البرلمان، وهو رقم مؤثر في تكوين السلطة السياسية والرقابية لهذا المجلس التشريعي.
لكن نفادي يقول إن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن.. ويوضح: «العديد من الأحزاب تمكنت بالفعل من الاتفاق مع مرشحين من الحزب الوطني لكي يدخلوا البرلمان باسم تلك الأحزاب، لأن مثل هؤلاء المرشحين قادرون على حصد المقاعد، لكن في حال فازوا بالفعل، فإنهم سيعملون في البرلمان كنواب للدولة المصرية، وليس لهذا الحزب أو ذاك».
وتشبه وجهة نظر «نفادي» هذه ما ذهب إليه مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أي افتراض «حسن النية» في نواب البرلمان المقبل، إلا أن الدكتور زهران، وهو نائب سابق أيضا، وكان معارضا لمبارك، يرى ضرورة وجود «كيان سياسي» واضح المعالم منذ البداية «حتى لا نترك الأمر للمفاجآت في هذه الظروف الصعبة».
ويقول إن مسألة وجود سند سياسي واضح المعالم، للرئيس، وله قنوات اتصال مع الرئاسة، أمر مهم في تاريخ حكم الرؤساء المصريين منذ عام 1952، مشيرا إلى أن الرئيس عبد الناصر أسس ما يعضد حكمه، ومنها ما كان يعرف بـ«الاتحاد القومي» ثم «الاتحاد الاشتراكي» في بداية ستينات القرن الماضي.
ويضيف أنه بعد تولي الرئيس السادات الحكم كان لديه أيضا أذرع سياسية لكي يحكم من خلالها كان منها «الاتحاد الاشتراكي العربي»، وكان منها «المنابر» التي أسسها عام 1976، ثم اعتماده على نواب حزب مصر العربي الاشتراكي في البرلمان.
ولم يكن السادات رئيسا للحزب الحاكم وقتها (حزب مصر العربي الاشتراكي) أثناء مفاوضات السلام مع إسرائيل، بل كان رئيسه ممدوح سالم رئيس الوزراء الأسبق، ولهذا اصطدم السادات مع هذا الحزب بسبب مساعي السلام مع تل أبيب، مما تسبب في صدام مع رئيس الدولة وأسفر عن استقالة 75 من أعضائه في البرلمان.
ويزيد زهران موضحا أن السادات عقب الصلح مع إسرائيل، أسس الحزب الوطني الديمقراطي، الذي ترأسه مبارك بعد توليه الحكم عام 1981. ويبدو مبنى الحزب الوطني المحترق كئيبا حين تطل عليه من أعلى جسر السادس من أكتوبر المزدحم بالسيارات. ترى السخام المتبقي من ألسنة النار والدخان، يغطي الجدران والنوافذ والشرفات. ومنذ حرقه ونهب محتوياته على يد ألوف المحتجين في مطلع 2011، لم يقترب أحد من مكاتبه المهجورة وطوابقه التي تطل على النيل، بعد أن كانت يوما أحد أهم المقار السياسية في البلاد.
ومن أعلى هذا الجسر يمر جورج إسحاق، منسق حركة كفاية، التي كانت أول من نظم مظاهرات ضد تمديد مبارك لولايته وضد مزاعم خلافة ابنه جمال له في الحكم. وكانت الحركة تحمل شعار «لا للتمديد ولا للتوريث». ويقول إسحاق البالغ من العمر أكثر من 60 عاما، إن الحزب الوطني كان حزبا نفعيا.. كان يزعم أن لديه 3 ملايين عضو، لكن حين جرى حرق مبناه لم يدافع عنه أحد. ولا يتوقع إسحاق أن ينتخب المصريون رموز حزب مبارك مرة أخرى.
لكن نظرية إسحاق ربما لن تكون قاطعة، مقارنة بما يظهر يوما بعد آخر من استعدادات لرموز حزب مبارك، ممن يستعدون لخوض الانتخابات، ويعلقون لافتات التهاني ويقدمون العطايا الخدمية والوعود بمستقبل أفضل. ومن بين هؤلاء رجال أعمال كبار في مجال إنتاج وصناعة وتمويل شركات للحديد ومصانع للسيراميك والأسمنت والسيارات والأجهزة الكهربائية، وغيرها من قنوات تلفزيون وصحف ومواقع إخبارية مؤثرة على الإنترنت.
ويقول ياسر فراويلة، وهو سياسي مستقل، من محافظة الإسكندرية، وكان يعتزم خوض انتخابات الرئاسة في عام 2012، إن المخاوف التي يراها في دائرته الانتخابية (المنتزه) ليست من عودة بعض مليارديرات حزب مبارك، ولكن «من ردة فعل الناخبين تجاه عودتهم»، مشيرا إلى أن المخاوف من عودة نواب حزب مبارك «لها مبرراتها لأن الوضع في البلاد لم يهدأ بعد مما حدث من تجربة حكم جماعة الإخوان»، متوقعا انحسار المنافسة في هذه الدائرة بين نواب حزب مبارك والتيار السلفي.
ويعكس الصراع المبكر في دائرة ياسر فراويلة الانتخابية بالإسكندرية شكوكا حول طبيعة التحالفات المقبلة. ويقول: «تجري تربيطات قوية هنا.. الحزب الوطني تجاهل حزب النور (السلفي)، والمفاجأة التي قد تحدث هي تحالف الإخوان مع نواب مبارك نكاية في حزب النور الذي يتهمونه بأنه تخلى عن الجماعة بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي». ويتخوف أيضا من لجوء المرشحين لـ«الإنفاق المالي الكبير لاجتذاب الناخبين».
واقترنت العملية الانتخابية في مصر في العقود الماضية بما يعرف بـ«شراء أصوات الناخبين» عن طريق سماسرة الانتخابات. وتوجد العديد من الطرق المبتكرة منها «الصوت الطائر».
ويقول أحد مراقبي الانتخابات ويدعى حسين عاشور: «الصوت الطائر يعتمد على الناخبين المعوزين في المناطق شديدة الفقر وهي كثيرة.. يدخل الناخب الذي لديه استعداد لبيع صوته، إلى لجنة الاقتراع، ويأتي بالصوت فارغا دون أن يؤشر عليه ودون أن يضعه في الصندوق.. وحين يسلمه لسمسار الانتخابات في الخارج بمقابل مادي، يصل أحيانا إلى مائتي جنيه، يقوم السمسار بالتأشير على اسم المرشح المطلوب، ويعطي الصوت لناخب آخر بشرط أن يضعه في الصندوق ويأتي بصوت فارغ جديد، ويعطيه ثمنه، وهكذا».
ويضيف عاشور أن من الطرق الأخرى السهلة «قيام الناخب بتصوير الصوت، بكاميرا هاتفه المحمول، قبل أن يضعه في الصندوق، وبعد أن يخرج يقدم الدليل على اختياره للمرشح المطلوب لكي يحصل على المقابل المادي من السمسار».
ويشير عاشور إلى أن هذه الظاهرة كانت قد اختفت أثناء الاستفتاء على دستور 2014 وأثناء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها السيسي، بعد أن شعر غالبية الشعب بأهمية الأصوات وما يترتب على نتائج الانتخابات من نتائج سياسية وأمنية واقتصادية تنعكس على حياتهم، كما حدث بعد انتخاب برلمان الإخوان ومرسي.
ويتوقع عاشور أن تعود ظاهرة بيع الأصوات مجددا، مع الانتخابات المقبلة. ويقول: «زيادة الفقر يقابلها قدرة كبيرة على الإنفاق المالي من جانب المرشحين.. حتى لو لم يكن هناك شراء للأصوات الانتخابية، إلا أنك إذا كنت مليونيرا، وأقمت مركزا طبيا لخدمة الفقراء في دائرتك، فهذا يزيد من حظوظك في جمع أصوات الناخبين ودخول البرلمان، بغض النظر عما إذا كنت من نواب حزب مبارك أو من النواب الإسلاميين. مسألة التوجه السياسي للمرشح ما زالت تحتاج إلى وعي شعبي وإلى أحزاب قوية».
ومن جانبه يعود فراويلة ويقول وهو يشرح الوضع في دائرته: «الصورة المتوقعة على مستوى محافظة الإسكندرية وغيرها من الدوائر الانتخابية في محافظات الوجه البحري، تقول إن الصراع على مقاعد البرلمان سينحصر بين نواب مبارك والسلفيين».
إلا أن جورج إسحاق يقول وهو يجيب عن فرص نواب «الوطني» السابقين: «لا أعتقد أنه سيكون لديهم فرصة كبيرة، لأنه يوجد حكم قضائي يمنع عليهم الترشح للبرلمان، ولدينا أسماء كاملة بهم جميعا، ولدينا وثائق تعلن فسادهم. وبالتالي لا أعتقد أنهم سيحصلون على أي شيء ذي أهمية».
ويبدو أن إسحاق وعددا من السياسيين الآخرين في العاصمة، ما زالوا يتحدثون عن حكم صدر في السابق وجرى إلغاؤه من المحكمة لاحقا، لأن الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري والقانوني، والذي كان نائبا مستقلا بالبرلمان، يوضح أن حكم منع ترشح نواب «الوطني»، الذي يتحدث عنه بعض الساسة اليوم «جرى الاستئناف عليه أمام القضاء وتم إلغاؤه. كما أن القضاء سبق وقال إن حل الحزب الوطني لا يعني حرمان أعضائه من الترشح.
ومن جانبه، يؤكد الدكتور محمد رجب، آخر زعيم للأغلبية للحزب الوطني بمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان السابق) في عهد مبارك، إن الحكم القضائي المشار إليه «ألغي بالفعل»، ويضيف قائلا إن الدستور الجديد منع أي عزل لأي أحد دون محاكمة.
ولا ينوي الدكتور رجب الترشح للانتخابات المقبلة.. «لكي نتيح الفرصة لوجوه شابة جديدة وليس بالضرورة أن تظل كل القيادات هي المستأسدة على طول الخط».
ويضيف بشأن الزخم الجاري في الإعلام المصري عن كثرة نواب الحزب الوطني (المنحل) ممن ينوون الترشح، أن «العدد ليس كبيرا كما يتردد، ولكن كلٌ يتخذ قراره بنفسه، بشأن خوض الانتخابات، وبالتالي عليه أن يدرس موقفه، وإذا رأى أن الناخبين يريدونه فليتقدم للانتخابات. وإذا رأى أنه ينبغي أن يعطي فرصة لمرشح آخر فهذا حقه».
ويجيب أحد نواب مبارك عن الدائرة الانتخابية بجنوب القاهرة حول خططه للترشح للبرلمان، قائلا: «الدستور يكفل لي هذا. لم أرتكب جرما.. الناخبون يحبونني، فما المانع؟!»
وعما إذا كان يقوم بالتنسيق مع نواب آخرين سابقين من حزب مبارك، يوضح أن «التنسيق مفتوح مع المرشحين المؤثرين، سواء كانوا من نواب الحزب الوطني القدامى، أو من المستقلين.. أما بالنسبة للتنسيق بعد الفوز في البرلمان، فهذا سابق لأوانه.. لا أحد يعرف الشكل الذي ستكون عليه خارطة المجلس النيابي المقبل»، مشيرا إلى أنه ونوابا آخرين من حزب مبارك ومن معارضيه اليساريين ومن المستقلين، شاركوا في ثورة المصريين ضد حكم الإخوان، وكانوا من الداعين لترشح السيسي للرئاسة.
ويوجد في مصر نحو مائة حزب، أغلبها تأسس بعد ثورة 2011، لكن للأسف، لم تتمكن الكثير منها من اختيار مرشحين من ذوي «الوجوه الجديدة» بل لجأت للتعاقد مع مرشحين ليترشحوا باسمها، وظهر أن هؤلاء من «الوجوه القديمة».
ويقول محمود نفادي: «بعض الأحزاب أصبحت تشتري المرشحين حاليا لكي يخوضوا الانتخابات المقبلة باسمها.. أحدها تعاقد بالفعل مع نحو 70 نائبا سابقا من نواب الحزب الوطني، سعيا للحصول على أكثرية في البرلمان المقبل.. هذه تعاقدات من نوع غريب تشبه تعاقدات الأندية الرياضية مع لاعبي كرة القدم». ويضيف نفادي أن «غالبية المستقلين الذين سيفوزون في هذا البرلمان سينضمون لحزب جديد كبير يوضع له تصور الآن، لكي يكون ظهيرا ومساندا للرئاسة، كما ستندمج فيه العديد من الأحزاب».



مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
TT

مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)

دعت مصر وقطر، السبت، إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها في قطاع غزة.

وخلال لقاء عقده رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، على هامش انعقاد «منتدى الدوحة»، في العاصمة القطرية، السبت، أكد المسئولان أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي خروقات، إلى جانب التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها.

كما شدد الوزيران على أهمية ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وفي كلمته خلال افتتاح «منتدى الدوحة»، أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن اتفاق غزة لم يطبَّق بالكامل، مشيراً إلى استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية.

وقال آل ثاني إن التحديات التي تشهدها المنطقة ليست معزولة عمَّا يشهده العالم من تراجع احترام القانون الدولي.

وأضاف أن «العدالة باتت في كثير من الأحوال غائبة عن مسار القانون الدولي»، مشيراً إلى أن الحلول العادلة وحدها هي التي تصنع السلام المستدام في العالم.

ولفت إلى أن «العالم لا يحتاج إلى مزيد من الوعود، بل يحتاج إلى عادلة تترجم الأقوال إلى أفعال»، مؤكداً أن «غياب المساءلة أحد أخطر مظاهر الاختلال في النظام الدولي الحالي».

وفي حديثه عن الوساطة، شدد على أنها ليست رفاهية سياسية، بل منهج راسخ لدولة قطر، معرباً عن إيمان الدوحة بأن العدالة ليست غاية سياسية فحسب، بل ركيزة أساسية لصون القانون الدولي.

معبر رفح وتهجير الفلسطينيين

وخلال مشاركته في جلسة بعنوان «محاسبة غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التزام بلاده بمواصلة جهودها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار، ودعم مسار يُفضي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية قائمة على مرجعيات الشرعية الدولية، وبما يحقق الأمن والاستقرار ويحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقال عبد العاطي إن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظَّم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام». وأوضح أن هذه المرحلة تتطلب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ودون عوائق، والبدء في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، بما يخفف من حدة المعاناة ويعيد الأمل لسكان القطاع.

وشدد الوزير عبد العاطي على أن معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، وأن المشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في خمسة معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها.

ولفت إلى أن خطة الرئيس ترمب تنص على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع.

وبعد لقاء بين وزيري خارجية قطر ومصر على هامش «حوار الدوحة»، ذكر المتحدث باسم الخارجية المصرية تميم خلاف، في بيان صحافي، أن الوزير عبد العاطي أكد الحرص على مواصلة التنسيق الوثيق مع دولة قطر في مختلف القضايا الإقليمية، والبناء على العلاقات الثنائية المتنامية بما يخدم مصالح الشعبين ويدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وانطلقت في العاصمة القطرية، النسخة الـ23 لـ«منتدى الدوحة 2025» بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين وحضور رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم. وتقام جلسات المنتدى تحت شعار: «ترسيخ العدالة... من الوعود إلى الواقع الملموس».

اتفاق غزة لم يطبَّق

وخلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إنه لا يمكن اعتبار أن «هناك وقفاً كاملاً لإطلاق النار في غزة إلا بانسحاب إسرائيل من القطاع»، مؤكداً «استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية».

ولفت إلى أن الجهود التي بُذلت للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مطلوبة لمرحلتي الاستقرار وتأسيس دولة فلسطين، قائلاً: «نحن في مرحلة مفصلية ولم يطبَّق الاتفاق بشأن غزة فيها بالكامل».

وأضاف أن بلاده تؤمن بأن لديها دوراً في استقرار المنطقة والعالم، وتطمح لحل النزاعات بالوساطة.

فوارق الوساطة

أوضح رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن مقارنة جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وأفغانستان بالوساطة بين إسرائيل وحركة «حماس»، مبيناً أن التحدي في جهود الوساطة الأخيرة يتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية بصفتها أحد الوسطاء، كانت تتحدث فقط مع طرف واحد وهو الطرف الإسرائيلي، غير أنها بدأت بعد ذلك الانخراط بالتحدث إلى الجانبين، وهو ما ساعد على إحداث اختراق في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقال: «لكننا لا نعدّه وقفاً كاملاً لإطلاق النار، إلا إذا انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل وتحقق الاستقرار في القطاع، وأصبح بإمكان الناس الدخول والخروج دون عوائق على أرض الواقع».

ونبه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري إلى أن الصراع لا ينحصر في قطاع غزة وحده بل يمتد ليشمل الضفة الغربية، وتطلعات الشعب الفلسطيني لبناء دولته، معرباً عن أمله في تعاون الحكومة الإسرائيلية على تحقيق ذلك.

وحذر الوزير القطري من عودة التطرف في غياب المحاسبة، وقال: «ما لمسناه وجرَّبناه على مر العامين الماضيين، هو أنه في حال غياب المحاسبة وفي حال غياب الإنفاذ، فإن الأمور ستبقى على حالها، وسوف نبقى رهائن في أيدي المتطرفين، وهذا ما نريد أن نتفاداه، وقد شهدنا ولاحظنا أن الجهود التي بذلناها جميعاً لكي نتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار كانت ضرورية ومطلوبة أيضاً للمرحلة الثانية، لإرساء الاستقرار، بينما تكون المرحلة الثالثة هي تأسيس الدولة الفلسطينية».

وحذر من أنه «في حال تمكنت هذه الأجندة المتطرفة من أن تكون لها الغلبة على جهودنا الجماعية في المجتمع الدولي فعلى الجميع أن يقر بأن هناك خطأ ما في الهيكلية أو البنية التي نعمل معها»، معرباً عن اعتقاده بأن الدور الأميركي هو دور رئيسي في هذا السياق، لأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الإنفاذ لكي تضع هذا الحل على المسار الصحيح.

ودعا في إجابة عن سؤال، إلى البناء على المصالح المشتركة لأطراف النزاع كأساس لأي مفاوضات لإرساء السلام والاستقرار، مع أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في هذا السياق، لإحداث الازدهار والرخاء الاقتصادي أيضاً.


خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
TT

خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)

ركَّزت الجلسة الحوارية الرئيسية التي شهدها اليوم الأول من «منتدى الدوحة» على تطورات جهود حلّ الأزمة اليمنية، وبحث أبرز التحديات التي تعيق الوساطة وتقوِّض عملية السلام. وعدّ متحدثون في الجلسة الحوارية أن اليمن أمام مفترق طرق بين معوقات سياسية في ظل إعادة تشكيل الإقليم.

وحملت الجلسة الحوارية، التي عُقدت يوم السبت، عنوان: «الوساطة في النزاعات وبناء السلام والقانون الدولي والمساءلة». وشهدت مشاركة الدكتور شائع محسن الزنداني وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، وهانس غروندبرغ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، وماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات.

تحدث المشاركون خلال الجلسة، عن أبرز المعوقات التي تواجه الملف اليمني اليوم، والذي يشهد تحولات هائلة، وتحديداً بعد حرب غزة الأخيرة، مشددين على أن التعاطي مع اليمن يحتاج لتفكير عميق، وليس الاكتفاء بالتعاطي مع الأحداث الآنية ووليدة اللحظة.

العملية السياسية

أكد المتحدثون أهمية إيجاد الحل السياسي لإنهاء الصراع اليمني، والذي يحتاج لوقف عملية إطلاق النار، ليتم بدء العملية السياسية التي يبدأ الأطراف خلالها بمناقشة كيفية معالجة هذه الصراعات وصولاً إلى حل دائم.

وأوضحوا أن معالجة أبعاد الصراع في اليمن تستدعي مقاربة سياسية شاملة، تبدأ بإرادة حقيقية لدى الأطراف للوصول إلى تسوية دائمة، لافتين إلى أن أي عملية سياسية ذات جدوى لا بد أن تُبنى على حوار شامل يضم مختلف القوى الفاعلة، بما في ذلك المكونات السياسية والاجتماعية والمعارضة الداخلية؛ لضمان تمثيل واسع يرسّخ شرعية أي اتفاق مستقبلي.

وأشاروا إلى أن استمرار غياب الحل السياسي يعني استمرار دوامة الصعوبات والتوترات، ما يجعل الحاجة ملحة لخطوات عملية تعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض.

وتطرقوا إلى أبرز الأبعاد الاقتصادية للصراع، التي أصبحت جزءاً أساسياً من ملف الحل، مبينين أن معالجتها تتطلب توافقاً حول برامج إنعاش اقتصادي وإصلاحات عاجلة تسهم في تخفيف المعاناة وتحسين الاستقرار.

الشراكة والتعقيدات

شدد الخبراء على أن إنجاح العملية السياسية يستوجب إشراك مجموعة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتقديم الدعم للمشاركين بما يمكّنهم من تجاوز الخلافات وبناء أرضية مشتركة.

ولفتوا إلى أن أي حل مستدام ينقذ مستقبل اليمن لن يتحقق ما لم تؤخذ بالاعتبار تعقيدات المشهد اليمني وتوازنات القوى ومعارضة بعض المجموعات، وهو ما يتطلب جهداً منظماً وإرادة سياسية صادقة.

وخلال الجلسة، استعرض المشاركون عدداً من الأحداث والحقبات والمراحل الزمنية التي مرت على اليمن، مؤكدين أن هناك تعقيدات وتحديات تحتاج إلى تفكير عميق للولوج إلى حل سياسي يعيد البناء من جديد.


انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
TT

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر». وبينما تناولت مشاورات بـ«منتدى الدوحة»، السبت، «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول المرحلة الثانية من الاتفاق». توافقت قطر ومصر على سرعة تشكيل «قوة الاستقرار الدولية».

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال «منتدى الدوحة»، السبت، إن «معبر رفح لن يكون بوابةً لتهجير الفلسطينيين، بل فقط لإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية».

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في الشهر ذاته، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إنه على «حماس» الالتزام بإعادة الرهائن جميعاً، الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعربت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، مساء الجمعة، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

وشدَّد وزراء خارجية الدول الـ8، في بيان، على «الرفض التام لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

وأكدوا «ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما تضمَّنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم، والمشاركة في بناء وطنهم، ضمن رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية».

وشكَّل معبر رفح بُعداً جديداً للتوتر بين مصر وإسرائيل، بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء الماضي، «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيُفتَح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت «هيئة الاستعلامات المصرية» عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين، للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي للسلام».

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أخيراً، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير، المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسراً أو طوعاً فهو خط أحمر بالنسبة لمصر».

بدر عبد العاطي خلال جلسة «إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام في غزة» على هامش «منتدى الدوحة» (الخارجية المصرية)

وشارك وزير الخارجية المصري، السبت، في جلسة بعنوان «محاسبة غزة... إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، على هامش «منتدى الدوحة»، مشيراً إلى أن «معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، والمشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في 5 معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها».

ولفت إلى أن خطة الرئيس الأميركي تنص «على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع»، مؤكداً أن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام».

وفيما يتعلق بـ«قوة الاستقرار الدولية»، دعا عبد العاطي إلى نشر «قوة استقرار دولية على الخط الأصفر في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن على الأرض، لأن أحد الأطراف، وهو إسرائيل، ينتهك وقف إطلاق النار يومياً، لذا فنحن بحاجة إلى مراقبين».

وبحسب مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ستُمنح قوة الاستقرار الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وتأمين الحدود، ودعم شرطة فلسطينية مدربة، وضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين.

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليونَي فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً.

طفل يقف بموقع قُتل فيه فلسطينيون بغارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش «منتدى الدوحة»، التقى عبد العاطي، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، وتطرقت المحادثات بينهما إلى «تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة»، حيث أكدا «أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي خروقات». وشدَّدا على أهمية «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار».

إلى ذلك دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «مرحلة حرجة» بحسب تأكيد الوسيط القطري، وسط خروقات إسرائيلية متكررة والتفاف على بنود خطة الرئيس الأميركي.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وتحدَّث رئيس الوزراء القطري، السبت، خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، عن أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بـ«مرحلة حرجة»، مؤكداً أن «الوسطاء يعملون معاً لدخول المرحلة التالية من وقف إطلاق النار». كما أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال «المنتدى» أيضاً، السبت، أن المفاوضات بشأن قوة إرساء الاستقرار في غزة لا تزال جارية، بما في ذلك بحث تفويضها وقواعد الاشتباك.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: «هناك إدراك من الجميع بأن هناك خطراً يتهدد خطة ترمب في ظل تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية مما يجعل هناك ضرورة للتنبيه واستدعاء تحرك دولي عاجل لدعم مسار الاتفاق»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تتحرك واشنطن لدعم وجهة النظر العربية حالياً، ووقف أي مناورات إسرائيلية دعماً لاستقرار المنطقة.

في حين أكد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استشعاراً عربياً، لا سيما من الوسيطَين مصر وقطر، بخطورة ما يتم في غزة، وإمكانية أن يتطور الأمر لما يهدد الاتفاق واستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن المطلوب تحرك أميركي أكبر بمواعيد محددة وليس أقوالاً فقط.

وأوضح أن المرحلة الحرجة تأتي في ظل 3 سياقات مهمة مرتبطة بالاتفاق، أولها بدء ترتيبات تشكيل مجلس السلام، وثانيها الضغط على الإدارة الأميركية للتعجيل بالمرحلة الثانية، وثالثاً وقف أي تقدم إسرائيلي للالتفاف على خطة ترمب بخطط بديلة.

في حين يتوقَّع المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن يتحرك الوسطاء نحو تفاهمات أكبر مع واشنطن، لإنهاء منغصات المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل القوات الدولية وصلاحياتها ونزع سلاح «حماس»، وفق رؤية تُنفَّذ على الأرض وليس كما ترغب إسرائيل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توصيف الوسطاء المرحلة الحالية بأنها حرجة، يأتي في ظل استشعارٍ بأن إسرائيل تريد العودة للمربع الأول بعد تسلم رهائنها، وعدم الالتزام بالاتفاق ولا بنوده؛ مما يقوِّض مسار خطة ترمب بالكلية».