أهالي العسكريين يحمّلون الحكومة اللبنانية مسؤولية «دماء أبنائهم».. ويطالبونها بالاستقالة

بعد إعدام أحدهم وتهديد «النصرة» و«داعش» بتصفيتهم إذا لم يطلق سراح زوجة الشيشاني وطليقة البغدادي

اعتصام بوسط بيروت لعائلات وأقارب العسكريين والأمنيين اللبنانيين المختطفين، مطالبين الحكومة اللبنانية بحل قضية أولادهم (أ.ف.ب)
اعتصام بوسط بيروت لعائلات وأقارب العسكريين والأمنيين اللبنانيين المختطفين، مطالبين الحكومة اللبنانية بحل قضية أولادهم (أ.ف.ب)
TT

أهالي العسكريين يحمّلون الحكومة اللبنانية مسؤولية «دماء أبنائهم».. ويطالبونها بالاستقالة

اعتصام بوسط بيروت لعائلات وأقارب العسكريين والأمنيين اللبنانيين المختطفين، مطالبين الحكومة اللبنانية بحل قضية أولادهم (أ.ف.ب)
اعتصام بوسط بيروت لعائلات وأقارب العسكريين والأمنيين اللبنانيين المختطفين، مطالبين الحكومة اللبنانية بحل قضية أولادهم (أ.ف.ب)

بات أهالي العسكريين المخطوفين على قناعة بأن الحكومة اللبنانية تتعامل مع قضية أبنائهم وكأنّهم «شهداء أحياء». فخبر إعدام «جبهة النصرة» للعسكري علي البزال، مساء أوّل من أمس، لم يكن مفاجئا بالنسبة إليهم، فهم، وإن كانوا متمسكين بالأمل «إلا أنّ المعطيات وطريقة تعامل الحكومة اللبنانية مع هذا الملف هي التي أوصلت الأمور إلى هذه النتيجة»، وفق ما تقول زوجة أحد العسكريين. وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «نشعر وكأن الحكومة تتعامل مع أبنائنا على أنهم قتلى، وتكاد تطلب هي من الخاطفين إعدامهم لترتاح من عبء هذه القضية».
وما يزيد من تخوّف الأهالي الذين أعلنوا تصعيد تحركاتهم أمس رسائل التهديد التي وصلتهم في الساعات الأخيرة من قبل «النصرة» و«داعش» بقتل أبنائهم، فيما بقيت الحكومة والوزراء في «صمت مطبق»، وغاب وزراء خلية الأزمة عن السمع، قبل أن يعقدوا جلسة مساء برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام.
ويكاد يكون كلام والدة علي البزال المفجوعة بمقتل ابنها خير معبّر عن شعور الأهالي الذين يعتصمون في الخيام بوسط بيروت منذ أسابيع عدّة. فهي بعدما توجّهت إلى بلدتها البزالية في البقاع، إثر إعلان خبر إعدام ابنها، دعتهم إلى الخروج من الخيام قائلة «اخرجوا من الخيام، أولادكم قتلوا..». وقالت إنّ ابنها أعدم قبل أسبوع.. «شعرت بذلك لأن قلبي احترق حينها».
وبعدما كان الأهالي توجّهوا ليلا إثر الإعلان عن إعدام البزال إلى المركز الثقافي التركي، في خطوة منهم للضغط على تركيا وحثّها على التدخّل في قضية أبنائهم، أعلنوا أمس «التصعيد المفتوح في كل المناطق وبكل الوسائل والاتجاهات»، محملين الحكومة مجتمعة «مسؤولية قتل البزال».
وقال مدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم «إن الدولة أقوى من العصابة، والإجرام لن يغلب القانون»، فيما أكد وزير الصحة وائل أبو فاعور «اننا معنيون بملف العسكريين الرهائن إنسانيا، وبالتالي فإن أحدا لا يستطيع أن يبعدنا عنه، ونحن لا نعمل لأوامر أحد، ولن نتخلى عن الأهالي»، مشددا على أن «رئيس الحكومة تمام سلام يعمل بكل أمانة لحل قضية العسكريين».
وبينما قالت وسائل إعلامية إن الأجواء سلبية، وإنه لا أفق لمعالجة قريبة لملف المخطوفين العسكريين، اكتفت خلية الأزمة بعد انتهاء اجتماعها الاستثنائي مساء أمس بإصدار بيان مقتضب، اعتبرت فيه «البزال شهيدا لكل الوطن»، ومؤكدة أن لبنان يقف اليوم صفا واحدا متراصا في هذه المواجهة الكبيرة من أجل إطلاق سراح العسكريين المختطفين وحماية أمننا الوطني، مشيرة إلى أنّها اتخذت القرارات المناسبة في إطار مسؤوليتها عن هذا الملف.
وأضيف علي البزال (27 عاما) إلى لائحة زملائه الثلاثة، عباس مدلج وعلي السيد ومحمد حميه، الذين أعدموا على أيدي «النصرة» و«داعش» بعدما فشلت كل الجهود المحلية والإقليمية في إيقاف قرار القتل. ولا يزال 26 عسكريا اختطفوا في معركة عرسال في أغسطس (آب) الماضي ينتظرون مصيرهم المجهول على وقع التهديد المستمر من قبل الخاطفين.
وفي بيان نشرته «النصرة» مساء الجمعة، على حساب «تويتر»، أشارت إلى أن تنفيذ حكم الإعدام بحق البزال جاء ردا على أعمال الجيش اللبناني «وهو أقل ما نرد عليه، وإن لم يتم إطلاق سراح الأخوات اللواتي اعتقلن ظلما وجورا فسيتم تنفيذ حكم القتل في حق أسير آخر لدينا خلال فترة وجيزة». ونشرت صورة لشخص يطلق النار على رأس البزال. ويوم أمس، تلقت عائلة العسكري إبراهيم المغيط تهديدا بقتل ابنها، فيما أعلن الأهالي عن تلقيهم تهديدا من «داعش» بإعدام جميع العسكريين.
وبينما كان البعض قد اعتبر أن توقيف الجيش اللبناني سجى الدليمي طليقة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وعلا العقيلي زوجة «أبو علي الشيشاني»، وأطفالهما، قد ينعكس إيجابا على الملف، يبدو، وفق ما يرى الأهالي، أنّ طريقة تعامل الحكومة مع هؤلاء هي التي أدّت إلى تعقيد المفاوضات. وهو ما أشار إليه شقيق العسكري المهدّد بالقتل إبراهيم المغيط، قائلا «إن دم العسكريين في عنق مسربي التحقيقات مع المعتقلات». وقال إن الساكت عن معرقلي المفاوضات في الحكومة يشارك في فشلها، مؤكدا البقاء في الشارع حتى نيل ضمانات جدية بوقف القتل. كذلك دعا الأهالي إلى «التحقيق الفوري ومعرفة من سرب التحقيقات مع النساء المعتقلات»، في إشارة إلى تلك التي جرت مع كل الدليمي والعقيلي.
وكان «الشيشاني» قد هدّد بالتحرّك لاختطاف النساء والأطفال في لبنان إذا لم يفرج عن زوجته، متوعدا بمنع الموفد القطري السوري الجنسية المكلف بالتفاوض مع الخاطفين من التوجّه إلى جرود عرسال.
وقال وزير الدفاع سمير مقبل إن «تنفيذ الإعدام بحق بعض الموقوفين غير وارد»، وذلك بعدما كان قد نقل عن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنّه طلب الإسراع بتنفيذ أحكام إعدام صادرة عن القضاء اللبناني بحق إرهابيين، وهو الأمر الذي طالبت به أمس عائلة العسكري علي البزال. وفي هذا الإطار، أوضحت مصادر قضائية، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الحكومة قادرة على القيام بهذه الخطوة، إضافة إلى تسريع المحاكمات المتعلقة بموقوفين كان الخاطفون طالبوا بالإفراج عنهم، وتشديد العقوبات بحقّهم، ولا شيء يمنع ذلك في القانون. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قد تلجأ الحكومة إلى ذلك، في ظل الاستياء الشعبي والرسمي مما يحصل في قضية العسكريين».
وبينما لفتت المصادر إلى أن الدولة اللبنانية لم تنفذ منذ 7 سنوات أحكام الإعدام، أوضحت أنّ «إجراءات تنفيذ الحكم تتطلب توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وإذا توافر القرار السياسي الجامع اليوم بهذا الشأن فمن الممكن أن تتخذ الحكومة قرارا كهذا».
وصباحا، كان الأهالي دعوا الحكومة للاستقالة في مؤتمر صحافي من وسط بيروت، حيث قطعوا الطريق، مطالبين بإعطاء وزير الصحة وائل أبو فاعور، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الدور الفاعل، مؤكدين «عدم فتح الطرقات حتى أخذ قرار بحقن دم العسكريين». وناشدوا كذلك رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط «أن يحل الملف لأنه شخصيا شعر بوجع الأهالي عندما تم قمعهم بالقوة»، وكشفوا عن أنهم تلقوا رسائل من تنظيم داعش تفيد بأنه «سيتم إعدام جميع العسكريين في حال لم تتم الاستجابة لمطالبه».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.