«الفضائيون» في العراق يتراوحون بين جنود ومتقاعدين.. وكلفوا الدولة مليارات الدولارات

{الشرق الأوسط} أول من كشف عنهم.. وعددهم يتجاوز ربع مليون

صورة ضوئية  لموضوع {الجيش الفضائي} الذي نشرته  صحيفة {الشرق الأوسط}
صورة ضوئية لموضوع {الجيش الفضائي} الذي نشرته صحيفة {الشرق الأوسط}
TT

«الفضائيون» في العراق يتراوحون بين جنود ومتقاعدين.. وكلفوا الدولة مليارات الدولارات

صورة ضوئية  لموضوع {الجيش الفضائي} الذي نشرته  صحيفة {الشرق الأوسط}
صورة ضوئية لموضوع {الجيش الفضائي} الذي نشرته صحيفة {الشرق الأوسط}

قدر نائب الرئيس العراقي إياد علاوي، رئيس ائتلاف الوطنية، عدد «الجيش الفضائي» في العراق بنحو ربع مليون جندي «فضائي»، وقال في تصريحات صحافية ببغداد أول من أمس إن «أموال العراق ضاعت بسبب المفسدين»، مرجّحا أن «يصل عدد الفضائيين في الأجهزة الأمنية إلى ربع مليون، وليس 50 ألفا كما أعلن رئيس الحكومة، حيدر العبادي». وطالب بضرورة «متابعة ملفات الفساد بعد تلك التغييرات في الأجهزة الأمنية»، مؤكدا على أهمية «التحقيق الواضح بشأن أولئك الفضائيين؛ لأن موضوعهم يهم الوطن وسلامته، مثلما يهم المواطنين، لا سيما بعد الانهيارات الأمنية التي حدثت أخيرا أمام زمرة إرهابية عددها بسيط».
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن الأسبوع الماضي، خلال كلمة له عند استضافته من قبل مجلس النواب العراقي، عن اكتشاف 50 ألف اسم وهمي (فضائي) في 4 فرق عسكرية، خلال شهر واحد، من بين نحو 17 فرقة عسكرية وبـ3 قيادات برية وجوية وبحرية يتكون منها الجيش العراقي الحالي الذي تأسس بعد عام 2003.
ويطلق وصف الفضائي على الجنود الوهميين في الجيش العراقي الذين يتقاضى الضباط رواتبهم ومخصصاتهم المالية، حيث كانت جريدة «الشرق الأوسط» أول من كشف عن وجود مصطلح يتداوله العراقيون تحت اسم «الجيش الفضائي» وتداولت أرقاما وحقائق صادمة في هذا المجال، عندما نشرت تحقيقا مفصلا عنه في عددها الصادر في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وحسب قيادي سياسي عراقي فإن موضوع «الفضائيين» تعدى إلى مؤسسات وهيئات ومنظومات أخرى. وقال: «بعملية حسابية أولية فإنه لو افترضنا أن عدد الفضائيين هو 50 ألفا فقط فإن مرتبات هؤلاء تصل إلى 500 مليون دولار سنويا بواقع 700 دولار شهريا كحد أدنى، وهو رقم فلكي، وإذا أضفنا له مخصصات طعام هؤلاء الفضائيين بمعدل 3 وجبات تكلف الدولة (مع نسبة الفساد فيها) ما لا يقل عن 150 دولارا شهريا للفرد، فهذا يعني 90 مليون دولار سنويا، أي ما يقرب من مليار دولار، وإذا ضربناها في 4 سنوات هي فترة الحكومة السابقة فالرقم يصل إلى قرابة المليارين ونصف المليار دولار».
لجنة النزاهة البرلمانية التي توفرت على أرقام وحقائق وملفات جديدة تتعلق بمنظومات الفساد في العراق، سواء على مستوى الفضائيين أو غيرهم، وعلى لسان رئيسها طلال الزوبعي، تقول إنها عازمة على فتح كل الملفات.
الزوبعي الذي ينتمي إلى تحالف القوى العراقية كان في الدورة البرلمانية السابقة عضوا في لجنة النزاهة قبل أن يترأسها اليوم، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجنة لن تسكت عن أي حالة أو ظاهرة فساد مهما كانت طالما الآن الأجواء مهيأة فعلا للتوصل إلى حلول حقيقية من أجل اجتثاث ظاهرة الفساد في البلاد»، مضيفا أن «اللجنة كانت على عهد الحكومة السابقة تواجه المزيد من الصعوبات نظرا لعدم تعاون الجهات الحكومية والتنفيذية معها»، مشيرا إلى أن «الأمر اختلف اليوم، حيث سيتم فتح جميع الملفات التي تشوبها شبهات فساد في الدورة البرلمانية السابقة».
ويضيف الزوبعي قائلا إن «اللجنة بدأت تعمل الآن في ضوء خطة واضحة المعالم وخارطة طريق من أجل الوصول إلى كل الملفات وفي كل الدوائر والمؤسسات من أجل تنظيف البلاد من الفاسدين ومن مافيات الفساد التي نخرت جسد الدولة والمواطن طوال السنوات الماضية».
عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي مشعان الجبوري اعتبر أن «الأمر لم يقف عند حدود المؤسسة العسكرية، على هول ما فيها من فساد سواء على مستوى الفضائيين الذين يتقاضون رواتب دون أن يكون لهم وجود فعلي أو العقود والصفقات، بل يشمل مجالات أخرى»، مشيرا إلى أن لديه ملفا «عن وجود 23 ألف متقاعد (فضائي) يتقاضون رواتب تقاعدية منذ 5 سنوات على الأقل».
الجبوري أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الفضائيين باتوا منتشرين في كل مؤسسات ودوائر الدولة، ومنها مؤسسة التقاعد، ويبلغ عدد هؤلاء نحو 23 ألف متقاعد، ويمكن أن يصل مجموع المبالغ التي تقاضوها طوال السنوات الـ4 أو الـ5 الماضية إلى مليار دولار أميركي».
ماجدة التميمي، عضو لجنة النزاهة البرلمانية عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، أشارت من جانبها إلى أن ما ذهب إليه الجبوري، وقالت إن «هناك ملفا آخر من ملفات الفضائيين في العراق ويتمثل بوجود متقاعدين يتقاضون أكثر من 23 راتبا في الشهر الواحد ببطاقات ذكية متعددة». وأضافت أننا «نتأمل خيرا في الحكومة الجديدة بكشف ملفات الفساد التي أثقلت كاهل الموازنة الاتحادية العامة للبلد»، واصفة «الحملة التي بدأتها الحكومة برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي لكشف المفسدين بالخطوة الإيجابية».
وكشفت التميمي عن تزوير البطاقات الذكية (كي كارد) في تسلم رواتب للمتقاعدين بحيث يجعل البعض يتسلم عدة رواتب خلال الشهر الواحد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.