مصادر أوروبية رسمية لـ («الشرق الأوسط»): الموقف الروسي من الأزمة السورية يتسم بمزيد من «المرونة»

قالت إنها «غير قلقة» من تغير الموقف الأميركي وأبدت «إحباطها» من انقسامات المعارضة

مصادر أوروبية رسمية لـ («الشرق الأوسط»): الموقف الروسي من الأزمة السورية يتسم بمزيد من «المرونة»
TT

مصادر أوروبية رسمية لـ («الشرق الأوسط»): الموقف الروسي من الأزمة السورية يتسم بمزيد من «المرونة»

مصادر أوروبية رسمية لـ («الشرق الأوسط»): الموقف الروسي من الأزمة السورية يتسم بمزيد من «المرونة»

بينما يصل وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم غد إلى موسكو لإجراء محادثات حول الملف السوري مع المسؤولين الروس وتتواتر أنباء عن زيارة لوفد من المعارضة السورية إلى موسكو، اعتبرت مصادر أوروبية رسمية معنية أن روسيا تحاول «الإمساك بالمبادرة السياسية والدبلوماسية» وإظهار أنها تتحدث إلى جميع الأطراف، وبالتالي تطرح نفسها «وسيطا» من أجل إعادة الأطراف الداخلية المتحاربة في سوريا إلى طاولة الحوار وربما في إطار «جنيف 3».
ولا تذهب هذه المصادر العائدة من موسكو والتي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إلى حد إبداء الدعم المفتوح للمبادرة الروسية التي تريد أن تتعرف أكثر إلى تفاصيلها وخلفياتها وموقف المعارضة منها والضمانات المطلوبة للسير بها، بيد أنها تلحظ «مرونة أكبر» في المقاربة الروسية من الملف السوري وسعيا لبلورة نقاط تقارب تحت عنوان «الحفاظ على ماء الوجه لجميع الأطراف» وعدم التفريط ببنى الدولة السورية وتلافي السيناريو العراقي أو الليبي، والأهم من ذلك الوقوف بوجه الإرهاب وعنوانه الأكبر «داعش» الذي هو «عدو الطرفين»، أي النظام والمعارضة السورية المعتدلة.
بيد أن المصادر الأوروبية تتوقف عند تحفظين: الأول يتناول قدرة موسكو على إقناع النظام بقبول مبادرتها ومدى استعدادها لاستخدام أوراق ضاغطة عليه من أجل السير بخطتها التي لا تتحدث، حتى هذه اللحظة، لا عن مبدأ رحيل الأسد عن السلطة ولا عن موعده. والتحفظ الثاني يرتبط بموقف المعارضة المنضوية تحت لواء الائتلاف الوطني السوري «غير المتحمس» للأفكار الروسية، خصوصا إذا خلت من مبدأ الحكومة الانتقالية، أي رحيل الأسد. فضلا عن ذلك، لا يبدو أن مسعى روسيا لجمع كل المعارضات السورية في الداخل والخارج سهل، بسبب «الفيتوات» المتبادلة بين من يعتبر معارضة الداخل «عميلة للنظام» ومن يرى في معارضات الخارج «عميلة للقوى الأجنبية».
رغم هذه التحفظات والعراقيل، تنظر المصادر الأوروبية بـ«إيجابية» إلى ما تسعى إليه موسكو، التي أجهضت في مجلس الأمن الكثير من مشاريع القرارات الخاصة بسوريا ووفرت لنظام الرئيس الأسد الحماية الدولية والسلاح والدعم بكل أشكاله. لكن تخوفها يكمن في أن يصل الحوار الذي تريده موسكو سريعا إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه قبله مؤتمر «جنيف 2»، بسبب الاختلاف في الأهداف والافتراق في تفسير بنود «جنيف 1» وطريقة تعاطي وفد النظام برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم مع وفد المعارضة، وخصوصا الرفض المطلق لتنحي الأسد وقيام حكومة انتقالية تتولى كل السلطات.
الواقع أن الغربيين يربطون بين رغبة روسيا في التحرك الدبلوماسي في الشرق الأوسط وبين الصعوبات التي تعرفها في الملفات الأخرى، وأولها الملف الأوكراني وما يترافق معه من فرض عقوبات اقتصادية ومالية فضلا عن العزلة السياسية. وإذا كان هؤلاء لا يستبعدون وجود «ترابط» بين الملفين، فإن الثابت أن التحرك الروسي يجب وضعه في سياق 3 عوامل استجدت منذ فشل «جنيف 2»: الأول، بروز «داعش» على المسرح والصدمة التي أحدثتها سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق والتهديد الذي أخذ يمثله. والثاني، قيام التحالف الدولي السياسي العسكري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة تنظيم داعش والتحالف الموضوعي مع إيران في العراق. أما العامل الثالث فهو ضعف المعارضة المعتدلة وانقساماتها السياسية وتراجعها الميداني، الأمر الذي يفترض أن يجعلها أكثر طواعية.
لكن من الواضح، بحسب المصادر المشار إليها، أن التحرك الروسي في هذه اللحظة بالذات يأتي «ليسد الفراغ السياسي» الذي بدأ مع انهيار مفاوضات «جنيف 2»، ومع التضعضع الذي يغلف الموقف الأميركي من الأزمة السورية ومن الأسد، وسعي النظام لإظهار نفسه على المسرح السياسي الغربي على أنه «الحصين المنيع» بوجه «داعش».
ونقلت مصادر أخرى عن مسؤولين في واشنطن قولهم لدى السؤال عن مصير الرئيس السوري: «هل تريدون الخليفة أبو بكر البغدادي في دمشق؟». وبالنسبة إلى واشنطن، تقول هذه المصادر إنها «غير قلقة» من الجدل الحاصل داخل الإدارة وآخر تجلياته استقالة وزير الدفاع تشاك هيغل وارتباط ذلك بالاختلاف على السياسة الواجب اتباعها تجاه النظام والتعامل مع الأسد. وكان هيغل أكثر في الأيام الماضية من التصريحات التي تعتبر أن النظام السوري يستفيد من الضربات الجوية الموجهة لـ«داعش»، كما لم يخفِ خيبته من غياب خط واضح للبيت الأبيض. وبحسب هذه المصادر فإنها سمعت تأكيدات بشأن استمرار الموقف الأميركي من الأسد على حاله في نقطتين: الأولى، عدم وجود قرار أميركي باستهدافه في الوقت الحاضر لإسقاطه، والثانية عدم التعاون معه أو اعتباره شريكا في الحل.
ويبدي الأوروبيون «إحباطا» شبه دائم من أداء المعارضة السورية وانقساماتها كما بدت مجددا في اجتماعات إسطنبول الأخيرة، وهم يتساءلون كيف يمكن لها أن تطرح نفسها بديلا عن النظام، يتمتع بالصدقية، إذا كانت غير قادرة على التفاهم على شؤونها الداخلية، ومن بينها على سبيل المثال تشكيل حكومة مؤقتة، فضلا عن ذلك ينظر هؤلاء بقلق إلى التراجع الميداني الذي يصيب المعارضة المعتدلة وخسارتها مواقع استراتيجية كانت بحوزتها، ليس بوجه «داعش» كما في الرقة ودير الزور وريف حلب، بل بوجه «جبهة النصرة» في إدلب وجسر الشغور والحدود المشتركة مع تركيا. فضلا عن ذلك، تدور تساؤلات في أوساط المعارضة عن مدى قدرتها على الاستمرار إذا بقيت موجودة في الخارج وبعيدا عما يعانيه المواطنون السوريون في المناطق التي ما زالت تحت سيطرتها.
وتتفهم المصادر الغربية موقف المعارضة المتحفظ من مبادرة المبعوث الدولي دو ميستورا لجهة «تجميد» القتال في حلب وهي تدعمها في مطالبتها بـ«ضمانات»، مثل ألا تعرف حلب مصير حمص، ألا يستفيد النظام لينقل قواته من حلب إلى جبهات أخرى كضواحي دمشق، وأخيرا أن تفتح طرقات التموين، خصوصا باتجاه الحدود مع تركيا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».