التصدي للإرهاب وتحسين عيش السكان.. أبرز محاور حملة الانتخابات الرئاسية في تونس

مراقبون: جل الوعود التي قدمها المرشحون غير قابلة للتحقيق بالنظر لظروف البلاد

جنود تونسيون يحرسون مدخل أحد مراكز الاقتراع في مدينة باجة أمس (أ.ف.ب)
جنود تونسيون يحرسون مدخل أحد مراكز الاقتراع في مدينة باجة أمس (أ.ف.ب)
TT

التصدي للإرهاب وتحسين عيش السكان.. أبرز محاور حملة الانتخابات الرئاسية في تونس

جنود تونسيون يحرسون مدخل أحد مراكز الاقتراع في مدينة باجة أمس (أ.ف.ب)
جنود تونسيون يحرسون مدخل أحد مراكز الاقتراع في مدينة باجة أمس (أ.ف.ب)

اعتبر العديد من المراقبين للشأن السياسي في تونس أن حملة الانتخابات الرئاسية، التي تجرى اليوم بتونس، كانت «حادة ومتشنجة»، مقارنة بحملة الانتخابات التشريعية التي جرت قبل نحو شهر. كما أبرزت التقاء أهم المرشحين حول عدة محاور، أبرزها التصدي للإرهاب، واستعادة هيبة الدولة، وإطلاق بعضهم وعودا «يعرفون مسبقا أنها غير قابلة للتحقيق بالنظر لظروف تونس ولإمكانياتها»، حسب قول أحد المتابعين، الذي اعتبر أن الأمر يعد من قبيل «الانحراف والتحايل على الناخبين».
ورغم أن الملف الاقتصادي والاجتماعي لا يدخل في باب صلاحيات رئيس الجمهورية، فإنه كان أحد أبرز المحاور التي ركز عليها المرشحون للرئاسة في حملاتهم الانتخابية، حيث استخدموه بشكل مفرط لإطلاق الوعود نحو الفئات الهشة، والتعهد بتحسين ظروف عيش التونسيين، والقضاء على التهميش الذي تعرفه العديد من الفئات في الجهات الداخلية.
ويرى قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، أن أغلب المرشحين استخدموا في حملاتهم الانتخابية الملف الاقتصادي والاجتماعي كبند رئيسي بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعرفها شرائح واسعة من التونسيين، وحاولوا استثمار هذا الوضع، واللعب على تطلع ورغبة التونسيين في تغيير هذا الوضع الصعب. وبين سعيد أن «أقصى ما يمكن لرئيس الجمهورية فعله في غير مجال اختصاصه وصلاحياته هو التقدم بمبادرات، يجب أن تحظى أولا بمصادقة الأغلبية النيابية في البرلمان التونسي»، وذلك في إشارة إلى حق المبادرة التشريعية التي يكفلها الدستور التونسي الجديد لرئيس الجمهورية، والتي تتيح له التقدم بمشاريع قوانين إلى مجلس نواب الشعب، وهو المعطى الذي استخدمه أكثر من مرشح عند تذكيره بمحدودية صلاحياته وضيق هامش تحركه، حيث وعد كل واحد بأنه «سيتقدم بمبادرات تشريعية للبرلمان لتحسين ظروف عيش الناس، والقضاء على التهميش، وتحقيق أسباب التنمية في الجهات، وضمان الرفاهية لكل الفئات، وغيرها من الوعود الأخرى».
ومن المآخذ الأخرى المسجلة على سلوك بعض المرشحين لرئاسة تونس خلال حملاتهم الانتخابية إطلاق البعض على نفسه صفات ونعوت تهدف إلى استدرار تعاطف الناخبين، من قبيل «مرشح الفقراء» و«مرشح المهمشين» و«مرشح الجهات المحرومة»، وهو ما عده البعض «تفريقا بين التونسيين وتغذية للانقسام، وتحاملا على فئات معينة من الشعب لغايات انتخابية ودون وجه حق». وانتقدوا بشكل خاص تصريحات بعض المرشحين التي اتهمت فئات معينة «بعدم دفع الضرائب وبالتحايل وتجاوز القانون»، ووعدوا بأنهم «سيأخذون من هؤلاء ليعطوا للفقراء».
كما بدا لافتا أن أغلب المرشحين قدموا وعودا انتخابية لكن من دون تقديم برامج مفصلة عن كيفية تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، وهو ما انتقده العديد من الخبراء الاقتصاديين وداخل الأوساط المالية والاقتصادية، حيث وصف عدد منهم الحملة الرئاسية لبعض المرشحين بـ«الشعبوية» وبـ«محاولة استمالة الناخبين بكل الطرق ودون تقدير لتبعات هذا السلوك، وتغذية آمال سيكون من الصعب تحقيقها بالنظر للظروف الصعبة التي تعرفها البلاد على المستوى الاقتصادي».
وقال أحد الخبراء الاقتصاديين، الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إنه «كان بإمكان المرشحين تقديم آراء وأفكار حول الوضع الاقتصادي، وليس وعودا انتخابية، لأنهم بهذا السلوك يعدون بما لا يملكون، كما أن أوضاع البلاد على المدى القريب لا يمكنها أن تحقق هذه الوعود».
وقدم عدد من المرشحين في حملاتهم، خاصة الوافدين من عالم المال والأعمال، وعودا حالمة للناخبين، وقالوا إنهم بمجرد انتخابهم لرئاسة البلاد ستتدفق على تونس الاستثمارات الخارجية، بحكم علاقاتهم خارج حدود تونس. كما تحدث بعضهم عن ضخ استثمارات للبلاد بمليارات الدولارات، ستتيح خلق آلاف فرص الشغل للشباب، لكن دون تقديم تفاصيل عن طبيعة هذه الاستثمارات، ولا مصدرها، وهو ما أثار استغراب جهات مهتمة بالاستثمار وتعرف جيدا استحالة تحقيق ذلك.
أما بخصوص وصف بعض الأوساط للحملة الرئاسية بـ«الحادة والمتشنجة»، حتى وإن لم تسجل أحداث عنف بين أنصار المتنافسين، خاصة بين أنصار الرئيس الحالي المرزوقي والمرشح الباجي قائد السبسي الذي فاز حزبه بالانتخابات التشريعية، واللذين ترشحهما أغلب الجهات لخوض الدورة الثانية من هذه الانتخابات، فقد جاءت بعض الخطابات «عنيفة» ولم تخل من الاتهامات والاتهامات المضادة. وقد انعكس هذا «العنف اللفظي» على صفحات التواصل الاجتماعي بين أنصار بعض المتنافسين، خاصة بين أنصار السبسي والمرزوقي، حيث نشطت بورصة الإشاعات وفبركة التصريحات والفيديوهات حول الخصوم، وهو ما رأت فيه بعض الأوساط «تدنيا للخطاب السياسي في هذه الحملة، وغياب لغة العقل والإقناع، والتركيز على إحراج الخصم ومحاولة إرباكه وحتى تشويهه، عوض تقديم برامج تلفت انتباه الناخب بصورة متحضرة وراقية». وبسبب ذلك اعتبر بعض الملاحظين هذا الأمر من أبرز نقاط ضعف هذه الحملة.
أما على مستوى المحاور التي ركز عليها المرشحون في حملتهم الانتخابية، فقد تمحورت بالخصوص على التصدي للإرهاب واستعادة هيبة الدولة، خاصة تحسين ظروف عيش التونسيين، حيث وعد أبرز المتنافسين بتجهيز قوات الأمن والجيش بشكل أفضل، وبالعناية بعائلات الجنود ورجال الأمن الذين يسقطون قتلى أو جرحى في مواجهتهم للإرهاب. أما بخصوص محور استعادة الدولة لهيبتها فقد ركز عليه بشكل خاص الباجي قائد السبسي، بالنظر لمظاهر التسيب التي أصبحت تعرفها تونس بسبب غياب احترام القانون، مما أثر بشكل سلبي على الأوضاع البيئية، وتردي الخدمات الموجهة للمواطنين، في مقابل تركيز المرزوقي على وجوب قطع الطريق على الاستبداد وعودة رموز العهد السابق.
لكن السؤال الذي ستجيب عنه صناديق الاقتراع بداية من مساء اليوم، مع بداية الإعلان عن النتائج الأولية، يدور حول ما إن كانت الوعود التي أطلقها المتنافسون، وبكثير من الكرم، ستؤتي أكلها بالنسبة لبعض المرشحين، أم أنها ستبرهن على أن التونسيين أصبحوا يدركون جيدا أن البلاد في حاجة لأكثر من مجرد وعود يعرف أصحابها، قبل غيرهم، أنه من الصعب تحقيقها، خاصة أن من أطلقوها لا يملكون صلاحية تحقيقها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.