شاشة الناقد: رجل بلا بطولة

تومي لي جونز وهيلاري سوانك في «رجل البيوت»
تومي لي جونز وهيلاري سوانك في «رجل البيوت»
TT

شاشة الناقد: رجل بلا بطولة

تومي لي جونز وهيلاري سوانك في «رجل البيوت»
تومي لي جونز وهيلاري سوانك في «رجل البيوت»

* ‫رجل البيوت | The Homesman ‬
* إخراج: تومي لي جونز
* أدوار أولى: تومي لي جونز، هيلاري سوانك، جون ليثغو
* تقييم الناقد: (3*) (3 من 5)

* «رجل البيوت» هو وسترن جديد الإنتاج قديم الشكل والنبرة، من ممثل - مخرج يريد أن يعكس انتماء إلى عالم مضى، لكنه لا يرغب في تمجيده في الوقت ذاته. إنها نبراسكا منتصف القرن التاسع عشر. هناك، حسب رواية لغليندون سوورتاوت، رجل منفرد في حياته اسمه جورج بريغز (تومي لي جونز) يرضى القيام، لقاء أجر، بمساعدة امرأة اسمها ماري بي (هيلاري سوانك) على نقل 3 نساء مجنونات من البلدة الواقعة قرب نهر ميسوري إلى بلدة اسمها هبرون في ولاية إيوا، حيث سيتم إيواء النساء في المصحة.
إنها رحلة طويلة (ويشعر المشاهد بطولها أحيانا)، على الرجل فيها أن يشارك الأخريات متاعب ومصاعب المهمة. هناك هنود (قلة) وهناك بيض أشرار وستؤول المواجهات إلى القتل. وعندما يجد جورج أن العدالة لن تتم من دون ثمن يحرق فندقا ضن عليه وصحبه ببعض الطعام. لكن الفيلم أبعد ما يكون عن فيلم مغامرات، أو قصة تتيح للمشاركين فيها القيام بأفعال بطولية. ليس عملا يشاهده المرء لأنه مليء بالحركة والتشويق أو لأن ممثليه من النوع الذي لا يمكن مقاومة حضورهم على الشاشة. أكثر من ذلك، هو فيلم وسترن، لكن لا يبدو بالضرورة فيلم وسترن.
تومي لي جونز، في أحاديثه القليلة، قال بأن هذا الفيلم ليس فيلم وسترن، لكنه لا يعلم - من ثم - كيف يصنفه. إنه ثاني فيلم له خارج التصنيف بعد «3 مدافن» لملكيديس استرادا عام 2005، ومثل ذلك الفيلم يتسم بملامح داكنة حتى في ربوع البرية المشمسة والمفتوحة. مثله أيضا، يؤدي جونز دور البطولة ولا يبتسم، وحين يفعل فهي ابتسامة ناشفة تخلو من السعادة. مثل سحابة رقيقة لا تكفي لحجب شمس محرقة.
ما يسجل للفيلم هو ما استلهمه من الرواية: علاقة ذلك الرجل الغريب بامرأة توازيه وحدة، عاشت حياتها من دون زواج كما فعل هو. كلاهما لا يدري أين ستذهب الحياة به، لكن ذلك لا يجعلهما متحابين ولا يولج العمل في خطوط وخيوط رومانسية. النساء اللاتي تسحبهن العربة. سجن على دواليب تجرها البغال في أراض وعرة وخطرة. كل شيء لا يمكن أن يوحي بأي تجاذب بين الشخصيات إلا إذا ما تم تطويع الحكاية، مما يفقدها الأجواء التي تنتمي إليها والعالم البائس الذي صاغ كلماتها ومشاهدها.
كان الفيلم يحتاج لتفعيل بعض المعطيات. ذلك الشرير الذي خطف واحدة من السجينات كان بوابة لإنقاذ العمل من سباته، لكن تومي لي جونز يبقي المارد في القمقم ليعود إلى رتابة العمل ومرجعيته كفيلم عن الناس وليس عن الغرب. عند نهاية الفيلم، تظهر ميريل ستريب في دور المرأة التي تستقبل المجنونات في مصحتها. جونز يمنحها إطارا معتدلا. هذه المرأة هي الوحيدة بين الممثلات اللاتي لديهن عقل راجح. لكن أجمل ما في الفيلم هو كيف آلت مسؤولية إيصال هؤلاء النساء إلى المصحة إلى جورج بريغز الذي كان متأففا عن الاشتراك فيها أساسا وما يفعله لأجل نجاحه في هذه الغاية. لذا، فإن قيامه بحرق الفندق يحمل في الوقت ذاته عفوية التصرف والرد على لا إنسانية القادرين على التضحية، وغرابة الفعل ضمن سياق الفيلم وتوقيت حدوث المشهد.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.