الأقليات في العراق.. وبداية دولة المكونات

تبدو الضحية المباشرة للصراعات السياسية والمذهبية.. لكن البلاد هي الخاسر الأكبر

الأقليات في العراق.. وبداية دولة المكونات
TT

الأقليات في العراق.. وبداية دولة المكونات

الأقليات في العراق.. وبداية دولة المكونات

رغم أن الأقليات الدينية والعرقية تبدو هي الضحية المباشرة للصراعات السياسية والمذهبية في العراق لكنه وطبقا لما يراه الباحثون المتخصصون في هذا الشأن فإن العراق كبلد عرف بتنوعه الديني والإثني والمذهبي سيكون هو الخاسر الأكبر بسبب نهاية مبدأ التنوع الذي عرف به وبداية التقسيم الحقيقي للبلد. وإذا كانت دموع النائبة في البرلمان العراقي عن الطائفة الإيزيدية فيان دخيل وهي تجهش بالبكاء على أثر ما جرى للإيزيديين في جبل سنجار بعد احتلال تنظيم داعش للموصل وامتداده إلى كافة مناطق التنوع الجغرافي والإثني هناك وما تعرضوا له من جرائم كبرى قد نبهت العالم إلى حقيقة ما يجري لهذه الطائفة إلا أن الحقيقة التي تبدو غائبة حتى الآن أن مستقبل العراق كبلد متنوع حتى بمكوناته الكبرى الأساسية الـ3 «الشيعة والسنة والأكراد» بات في خطر حقيقي.
الباحث في شؤون الأقليات في العراق سعد سلوم يلخص هذه المأساة السياسية والمجتمعية في حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلا إن «العراق بعد عام 2003 انتقل من دولة الأمة إلى دولة المكونات وقد تم تقسيم المجتمع العراقي إلى أغلبيات وأقليات أو مثلما أسميها أنا جماعات كبرى وأقليات وأقصد بالجماعات الكبرى الأكراد والشيعة والسنة التي بدأت صراعا مفتوحا لتقاسم السلطة والثروة بينما بقيت الأقليات خارج لعبة التقاسم هذه». ويمضي سلوم في شرح أبعاد ما حصل وتوابعه ونتائجه المستقبلية قائلا إن «ما ترتب على ذلك أمر في غاية الخطورة وهو ما يمكن أن أسميه إعادة الانتشار بحيث تكون هناك هويات صافية وليست متنوعة مثلما كان عليه الأمر في الماضي»، معتبرا أن «التنوع هو صمام أمان ضد مخطط تقسيم العراق وبالتالي فإنه إذا كان التنوع عاصما من التفكك فإن نهاية هذا التنوع تعني نهاية العراق كبلد موحد في المستقبل وقد لا يبدو هذا المستقبل بعيدا من منطلق أن الحديث عن التقسيم حتى لو كان بمسميات تبدو طبيعية لأول وهلة مثل الفيدراليات وغيرها لم يعد الآن أمرا غير طبيعي مثلما كان عليه الأمر من قبل بل حتى قبل سنوات قلائل حين كان هناك مستوى من التنوع آخره كان سهل نينوى». ويضيف سلوم أن «الأقليات في العراق دفعت الثمن المباشر للصراع بين الكبار الـ3 الذين وزعوا السلطة حتى ببعدها الرمزي بينهم (الجمهورية والوزراء والبرلمان) بحيث أصبحت حكرا على السنة والشيعة والأكراد ولكن هؤلاء الكبار سوف يدفعون الثمن الأكبر في المستقبل وهو عدم وجود عراق موحد». لكن العراق لا يزال يصنف على أنه من أكثر البلدان العربية تنوعا بالأعراق والأديان والطوائف القديمة والحديثة. فهناك الصابئة المندائيون إلى جانب المسيحيين من السريان الاراميين والكلدان والآثوريين والإيزيديون. ومن حيث التنوع فإن الأقليات الدينية والعرقية في العراق لا تشكل سوى أقل من 3 في المائة من سكان العراق غير أنه طبقا لمدونات التاريخ فإن مساهمتهم في الميادين والمجالات المختلفة السياسية والفكرية والاقتصادية والإبداعية أكبر بكثير من هذه النسبة العددية التي تناقصت كثيرا خلال السنوات الأخيرة وازدادت وتيرتها الآن بعد التاسع من يونيو (حزيران) 2014 عندما احتلت «داعش» الموصل والتي يعدها الباحث العراقي سعد سلوم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «المعادل العراقي لأحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة الأميركية».
اضطهاد الكبار وتعايش الصغار!!
رغم كل ما كان يقال عن المظلوميات بحق أقوام ومكونات وأديان عراقية خلال الحقب الزمنية السابقة لا سيما حقبة البعث التي استمرت نحو 35 سنة (1968 - 2003) فإن المفارقة الكبرى أن مفهوم الاضطهاد والإقصاء والتهميش تغير كثيرا بين زمنين. ففي تلك الحقبة كان الشعور السائد بالاضطهاد يشمل مكونين أساسيين من المكونات الـ3 التي يتشكل منها المجتمع العراقي وهما الشيعة والأكراد حين كانت السلطة توصف بأنها سنية الطابع. وبينما كان الحكم في العراق منذ عام 1921 وحتى سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 كان يدافع عن فكرة قوامها أن العراق كان دولة أمة. لكن بعد عام 2003 أصبح العراق دولة مكونات. وبينما وجدت الأقليات في الحقب الماضية نوعا من التعايش مع الكبار بسبب قوة السلطة والقانون فإن شعور الشيعة والأكراد من تهميش وإقصاء وظلم إنما هو ناتج عن عدم حصولهم على ما يوازي حجمهم على صعيد السلطة بكل تفرعاتها. لكن بعد عام 2003 ومع تغيير معادلة السلطة والدولة إلى دولة المكونات فإن الأقليات بقيت على الهامش لا سيما بعد أن باتت حجوم الكتل تحسب نتائجها على أساس ما يحصلون عليه من مقاعد نيابية تحدد حصة كل مكون من الوزارات والمؤسسات وما يترتب عليها من مغانم ومغارم. وفي الوقت الذي فتك فيه الإرهاب لا سيما إرهاب «القاعدة» بجميع العراقيين طوال السنوات الماضية فإنه كلما طورت «القاعدة» أساليب عملها وصولا إلى «داعش» التي أعلنت الخلافة الإسلامية فإن الأقليات هي التي نالها النصيب الأوفر من هذا الاضطهاد رغم التعاطف الدولي معها. لكن هذا التعاطف اتخذ شكلا واحدا يكاد يكون هو الأبرز وهو تشجيع الهجرة والنزوح وهو ما يعني إفراغ العراق من سكانه الأصليين (المسيحيون والصابئة والإيزيديون سكنوا العراق منذ آلاف السنين وبنوا حضارات كبرى مثل سومر وأكد وآشور).
سهل نينوى.. الآمال الضائعة
طبقا للتوزيع الديمغرافي للأقليات الدينية والعرقية في العراق فإن المناطق الشمالية من البلاد تكاد تكون هي المعقل الرئيسي لا سيما المسيحيون (الكلدان والآشوريون) والإيزيديون بينما يتركز وجود الصابئة المندائيون (تقدر أعدادهم الآن بأقل من 300 ألف نسمة) في المنطقتين الوسطى والجنوبية. وبينما كانت هذه الأقليات تحث الخطى نحو تشكيل محافظة في منطقة سهل نينوى تحت اسم «محافظة سهل نينوى» مثلما تم الإعلان عنه العام الماضي فإن ذلك كان قد جاء في إطار البحث عن منطقة آمنة لهذه الأقليات مما يعانونه من اضطهاد الكبار لهم وذلك بغمط حقوقهم وعدم منحهم ما ينسجم مع مكانتهم وأهميتهم من حقوق. ومع أن عمليات تفجير كنائسهم وأماكن عبادتهم كانت جزءا من استراتيجية تنظيم القاعدة في إفراغ البلاد من هذه المكونات الأساسية فإنه مع سيطرة تنظيم داعش على غالبية المحافظات الشمالية والغربية وفي المقدمة منها الموصل في العاشر من يونيو 2014 فإن كل ما عملته «القاعدة» بحق هذه الأقليات لم يكن إلا جزءا يسيرا مما فعله «داعش» أو يخطط لفعله. لأن عمليات الحرق والتفجير كانت قد طالت جميع الطوائف العراقية ولم تقتصر على أقلية أو أكثرية. لكن استراتيجية «داعش» مع الأقليات في العراق تبدو مختلفة بالكامل لأنها تقوم على منطق الإبادة الشاملة. عضوة البرلمان العراقي عن المكون الإيزيدي فيان دخيل تلخص هذه المأساة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «ما حصل للإيزيديين في العراق لم يحصل على مر التاريخ». وتضيف دخيل التي نجت من موت محقق حين سقطت الطائرة التي كانت تقلها عند اصطدامها بجبل سجنار حيث كانت تنقل مواد إغاثة أن «الشعب العراقي بكل طوائفه ومكوناته وقومياته تعرض إلى أعتى الهجمات الإرهابية من الشمال إلى الجنوب، لكن ما حصل للإيزيديين لم يحصل على مر التاريخ»، مشيرة إلى أن «النساء الإيزيديات يبعن الآن بالأسواق في سوريا والموصل». وتقول دخيل أيضا إن «على الأحزاب والكتل السياسية أن تنتبه لهذه المشكلة فالعراق ينهار وهناك شعب يباد ويمحى فيما هم ينشغلون بالحكومة ومن يترأس هنا وهناك».
وفي إطار البحث عن المناطق الآمنة والأخرى الأكثر أمنا في بلاد لم يعد فيها مكان آمن لمكون أو طائفة أو عرق أو دين فإن النائب في البرلمان العراقي عن الصابئة المندائيين خالد الرومي ينظر للمسألة من زاوية نسبية حيث يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس لدى الصابئة المندائيين وجود كثيف في المناطق الشمالية من العراق على غرار المسيحيين والإيزيديين والشبك وبالتالي فإن مخاوفنا كأقلية تتركز الآن بشأن ما إذا كان (داعش) سيتمدد إلى مناطقنا الوسطى والجنوبية، حيث لنا وجود كبير على قلته في بغداد والمحافظات الجنوبية مثل العمارة»، موضحا أن «لدينا عائلة صابئية واحدة في الموصل تمكنت من الخروج قبل أن تحصل التداعيات الأمنية بالكامل كما كانت لدينا عائلتان في الفلوجة وقد تمكنتا من النزوح قبل احتلال داعش الفلوجة». وأشار الرومي إلى أن «وضع الأقليات في العراق قبل عام 2003 اختلف كثيرا عن وضعها الحالي في إطار مفارقة لافتة للنظر، حيث إنه في الوقت الذي كانت فيه تعيش في أمان طالما إنها لا تخالف النظام رغم أنها كانت مهمشة أيضا إلا أنها اليوم ومع ظواهر الانفتاح والديمقراطية والحديث عن نيل الحقوق تدفع ثمن مواطنتها مرتين، مرة بتعرضها إلى الاضطهاد العرقي والديني والذي تحول الآن إلى شبه إبادة جماعية وثانيا عدم مشاركتها في القرار السياسي». وبشأن وجودهم في السلطة الآن يقول الرومي إن «الصابئة المندائيين لديهم مقعد واحد في مجلس النواب، ومثله في مجلس محافظة بغداد»، مبينا أن «النائب الواحد لا يتمكن من تلبية متطلبات واحتياجات المكون الذي ينتشر في 14 محافظة عراقية». ويرى الرومي أن «تخصيص المقعد الواحد تم من قبل القادة السياسيين للكتل الكبرى وطالبنا أكثر من مرة بزيادة عدد المقاعد إلا أننا لم نتلق أي استجابة من رئاسة البرلمان ومن رؤساء الكتل الكبرى». وأشار إلى أن «النائب الواحد يعاني معاناة كبيرة داخل مجلس النواب لأنه يمثل مكونا كبيرا له متطلباته واحتياجاته ويعمل على تلبيتها، بالإضافة إلى الصعوبات التي نواجهها داخل مجلس النواب»، موضحا أن «التنقل بين 14 محافظة أمر صعب للغاية». وبين أن «أعباء كبيرة تقع على النائب الذي يمثل الصابئة المندائيين داخل مجلس النواب من خلال عمله في اللجنة المختصة واللجان الفرعية الأخرى والعمل على تشريع القوانين التي تهم الصابئة والأوقاف والتواصل مع رؤساء الكتل والنشاطات الاجتماعية الأخرى كل ذلك يشكل عبئا على النائب الذي يعمل بمفرده على خلاف الكتل النيابية الأخرى التي تمتلك أعدادا كبيرة من النواب». وبالعودة إلى منطقة سهل نينوى التي أريد لها أن تكون محافظة حامية لفكرة التنوع الديني والعرقي في العراق فقد بدت وكأنها هدف أول لتنظيم داعش عندما اجتاح الموصل في العاشر من يونيو الماضي. وجغرافيا تقع هذه المنطقة إلى شمال وغرب مدينة الموصل. وتتألف من 3 أقضية هي الحمدانية والشيخان وتلكيف. ويعتبر السهل الموطن التاريخي لمسيحيي العراق، وهم يشكلون النسبة الأكبر منه إلى جانب وجود الإيزيديين والتركمان والشبك والعرب. كما أن هناك وجودا للكنائس العراقية الرئيسية في هذه المنطقة وهي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وكنيسة المشرق القديمة وكنيسة المشرق الآشورية. وتحولت منطقة سهل نينوى إلى نقطة تجمع مسيحيي العراق بعد فرارهم من المناطق الساخنة في بغداد وجنوب ووسط العراق قبل عدة سنوات. ويعد سهل نينوى من المناطق المتنازع عليها بحسب المادة 140 من الدستور العراقي. وبسبب «داعش» فقد تبددت الآمال الضائعة باستحداث محافظة إلى مسعى لإقامة منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة لحماية هذه الأقليات. ويرى رئيس كتلة الرافدين المسيحية في البرلمان العراقي يونادم كنا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنهم «كانوا قد خطوا خطوات مهمة على صعيد توفير المنطقة الآمنة في سهل نينوى، فقد سلموا مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لكن الأمور تغيرت بعد احتلال داعش»، منتقدا سلوك المجتمع الدولي «حيال ما تتعرض له الأقليات في العراق حيث لم يحرك ساكنا، واكتفى ببيانات الشجب والاستنكار التي لا تقدم ولا تؤخر». أما عضو البرلمان العراقي عن المكون المسيحي عماد يوخنا فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك عجزا وصمتا دوليين حيال ما جرى وما يجري للمسيحيين ولباقي الأقليات العرقية والدينية في العراق»، معتبرا أن «هذه المكونات تعايشت على مدى آلاف السنين ولم يحصل لها مثل ما يحصل اليوم لأن هناك تجانسا مجتمعيا وثقافيا داخل العراق وبالتالي فإن ما يحصل لنا اليوم ليس بعيدا عن نظرية المؤامرة لإفراغ العراق من سكانه الأصليين». وانتقد يوخنا «تأخر القوى السياسية وأطراف كثيرة بمن فيها أطراف سياسية ومجتمعية في الموصل عن التنديد والإدانة لأن ما يحصل للمسيحيين وللإيزيديين والشبك يشمل الجميع في النهاية. من جهتها فإن تقارير المنظمات الدولية تطرح مشكلات أساسية في هذا الخصوص حيث ترى منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن «الأقليات الإثنية والدينية في العراق التي تشكل 10 في المائة من مجموع سكان البلاد، ضحية عنف غير مسبوق قد يؤدي إلى زوالها»، مشيرة إلى أنها «تواجه درجات من العنف غير مسبوقة، وهي مهددة في بعض الحالات بالزوال من وطن أجدادها». وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 50 في المائة تقريبا من المسيحيين العراقيين، الذين يقدر عددهم بمليون في آخر إحصاء لسنة 2003. يحتمل أنهم غادروا البلاد إلى البلدان المجاورة، بينما استطاع الآخرون الفرار إلى الدول الغربية من أجل الانضمام إلى عائلاتهم الكبيرة هناك، تاركين وراءهم أنقاض أكثر من 30 كنيسة دمرها الإرهاب.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».