جولات في قلب لندن على الأقدام

أسرع.. أرخص.. وأكثر صحة

جولات في قلب لندن على الأقدام
TT

جولات في قلب لندن على الأقدام

جولات في قلب لندن على الأقدام

هناك أكثر من وسيلة لمشاهدة معالم لندن السياحية. قد يفضل البعض الجلوس في حافلة سياحية مكشوفة أو اختصار الوقت واستخدام مترو الأنفاق أو حتى استئجار دراجة هوائية من الكثير من مواقف الدراجات العامة في لندن، ولكن أحد أفضل الطرق لمشاهدة لندن سياحيا والتمتع بالمناخ العام لشوارعها وسكانها التجول فيها مشيا على الأقدام، فهو أسلوب أرخص من أي وسيلة مواصلات في لندن، وأكثر صحة بدنية، كما أنه قد يكون أسرع أيضا بتجنب عوائق ازدحام المرور.
من السياح من لا يعرف المسافات الحقيقية بين المعالم السياحية في لندن، ولكن معظمها يقع في منطقة وسط المدينة بحيث يمكن تغطيتها في يوم واحد في جولة على الأقدام، كما أن التجول على جسور لندن في وسط المدينة يكشف للسياح أفضل المشاهد السياحية في لندن بالمقارنة مع مواقع أخرى.
وقد يكون المشي أسرع من استخدام مترو الأنفاق في بعض الحالات، فهناك سياح يستقلون مترو الأنفاق من محطة «كوفنت غاردن» إلى «ليستر سكوير» ويستغرق الأمر أحيانا 10 دقائق هبوطا إلى منصة المترو وانتظار القطار ثم الصعود إلى الشارع مرة أخرى، مع أن مسافة المشي بين النقطتين عبر شوارع لندن لا يستغرق أكثر من 5 دقائق.

* المشي أفضل وسيلة
* تعد لندن من أفضل المدن في جولات المشي على الأقدام بعلامات طرق واضحة وجوانب رصيف نظيفة وخالية من المعوقات. كما توجد أيضا تسهيلات للمعوقين. وهناك العشرات من الجولات المتاحة وأيضا المناسبات الخاصة التي يجتمع فيها مشاة من أهل المدينة والسياح لمتابعة مسار معين وسط المدينة.
وتوفر المراكز السياحية في لندن كل ما يحتاج إليه السائح في هذه الجولات من خرائط وكتيبات، بل يمكن أيضا تخطيط الرحلة على الإنترنت عبر تطبيق خاص، أو حتى عبر خرائط غوغل. والحذر الوحيد الذي يجب أن يتوخاه المشاة في لندن هو مراعاة مسار المرور المختلف عن أوروبا والشرق الأوسط حيث السيارات تسير على اليسار بسيارات ذات مقود على اليمين.
من التطبيقات المتاحة للمشاة ما يمكن تحميله على الهواتف الذكية من نوعي «آبل» و«أندرويد»، وهو برنامج يوضح المسار بين نقطتين في لندن والوقت اللازم لقطع المسافة وعدد السعرات التي تحرق في المجهود اللازم، بالإضافة إلى ما يوفره المشاة من البث الكربوني لو أنهم استخدموا سيارات في المسافة نفسها. كما يقدم التطبيق الكثير من الاقتراحات لرحلات سياحية جذابة داخل لندن سيرا على الأقدام.
هناك أيضا الكثير من الأفكار الجديدة التي اكتشفها منظمو جولات السير على الأقدام في لندن، ومنها أن البعض لا يفضل جولات تبدأ من نقطة وتنتهي في نقطة أخرى، بل يريدون جولات «دائرية» تبدأ وتنتهي في النقطة نفسها. ويعني هذا أن جولة لندن يمكن أن تبدأ من أمام الفندق مثلا وتستمر في جولة دائرية تشمل أكبر عدد ممكن من المعالم السياحية في لندن قبل أن تعود من طريق آخر إلى نقطة البداية. ويمكن تخطيط هذه الرحلات وفقا لطول المسافة المطلوب تغطيتها أو الزمن الذي يرغب المشاة في قضائه مشيا.

* جولات شهيرة
* من الجولات المشهورة تلك التي تركز على جوانب معينة في لندن تهم الفرد أو المجموعة، وهي تستمر في الغالب ما بين 3 إلى 10 أميال، وتضم كل منها متاحف أو صالات فنون أو حدائق عامة أو جوانب النهر أو المباني الشهيرة أو شوارع التسوق.
واحد من نماذج هذه الجولات تعنى بالحدائق العامة، تبدأ من حديقة ليستر سكوير وتمر بحدائق وايتهول وسان جيمس بارك وفيكتوريا إمباكمنت وغرين بارك وريفر سايد غاردنز. وهي جولة لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة وتكشف جوانب من حدائق لندن لا يشاهدها السائح في الغالب.
من أنواع الجولات الأخرى تلك التي تعنى بالتصوير وحاجات المصورين إلى التقاط صور فريدة لمدينة لندن، كما توجد جولات على أشهر المطاعم والمقاهي في المدينة، وجولات مخصصة للصحة العامة، وهي تبعد عن الشوارع والمرور وتركز على التجول داخل الحدائق العامة الكبيرة مثل هايد بارك حيث الخضرة الدائمة.

* جولات تاريخية
* هناك أيضا جولات تاريخية تعني بمعالم لندن القديمة والأحداث التاريخية التي وقعت فيها، كما تتوجه جولات أخرى إلى الطبيعة في لندن، وقد يعجب البعض أن لندن مدينة تحوي الكثير من جوانب الحياة الطبيعية للحيوانات والطيور.
وتنقسم بعض الجولات الأخرى على حسب المشاركين فيها، فهناك جولات للعائلات وأخرى للأمهات وأطفالهن، وثالثة لهواة الجري وليس المشي. أيضا يمكن تنظيم جولات تتوجه إلى الأعمال الخيرية، وتلك يبحث فيها المشارك عن رعاة يتبرعون للجمعية الخيرية المختارة لقاء المشاركة وإكمال الجولة التي تعهد بها المشارك.
وهناك جولات لها دليل محلي يقود الجولة ويشرح للمشاركين فيها المعالم التي يمرون بها. بعض هذه الجولات تقدمها ديانا كيلسي، وهي حاصلة على تخصص أكاديمي في هذه الجولات التي يحصل بعدها المتخرج على شارة زرقاء تسمى «بلو بادج».
ومن يُرِد المشاركة في جولة تنظمها ديانا في لندن عليه أن يحجز مكانا مسبقا له حيث لا يزيد عدد المشاركين عن 15 عضوا. وتقع معظم هذه الجولات في عطلة نهاية الأسبوع البريطانية، أي يومي السبت والأحد، ولكن بعضها يجري وسط الأسبوع أيضا. وتستمر الجولة نحو الساعتين، ويدفع كل مشارك مبلغا يتراوح بين 15 و20 جنيها قبل بداية الجولة، تذهب منها 50 بنسا لجمعية خيرية من اختيار ديانا.
وتتم هذه الجولات مهما كانت حالة الطقس، وبعدد يمكن أن يبدأ بـ5 أعضاء فقط في الجولة الواحدة. وتقترح ديانا التبرع هذا العام إلى جمعية خيرية تعني بمرضى ضمور العضلات.

* نماذج من جولات لندن التي تنظمها ديانا والتي يمكن المشاركة فيها
- جولة أنهار لندن التي اندثرت: وهي جولة تبدأ في الثانية ظهرا من محطة مترو الأنفاق في بيكر ستريت وتنتهي في غرين بارك في الرابعة والنصف عصرا. وهي تتبع مسار نهر قديم اسمه «تايبرن» كان يمر بشمال لندن في منطقة هامستيد ويتدفق عبر مناطق ريجنت بارك ومارلبون، ويعبر أكسفورد ستريت ويستمر تحت حي مايفير عبر مسارات ضيقة تعد من شوارع المنطقة الآن. وتشرح ديانا أثناء الجولة بعض الحقائق التاريخية حول النهر ولندن القديمة.
- اليوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) جولة الحرب العالمية الأولى. وهي جولة تقام في منتصف الأسبوع لأن البريطانيين يحتفلون سنويا بتكريم ضحايا الحربين الأولى والثانية بالوقوف دقيقة صمت في الساعة الواحدة صباحا في اليوم الـ11 من الشهر الـ11. حيث كان هذا هو التوقيت الذي سكتت فيه مدافع الحرب العالمية الأولى في عام 1918. وهي جولة تبدأ من محطة مترو الأنفاق في هايد بارك كورنر المخرج رقم 1. وتتكلف الجولة 20 جنيها، منها 5 جنيهات تبرعا اختياريا لجمعية خيرية تعني بعائلات المحاربين القدامى. وتمر الجولة بمناطق وايتهول ووستمنستر وعلى بعض المباني والآثار التي لها علاقة بالحرب الأولى وتنتهي في برج لندن حيث جرى غرس زهور «بوبي» الحمراء في ساحة البرج بعدد 888,246 زهرة، أي واحدة لكل ضحية بريطانية في الحرب العالمية الأولى. وفي الغروب يستمع أفراد الجولة إلى نفير جندي وحيد وسط الأزهار يطلق نفيره.
- الجمعة 28 نوفمبر – جولة تشارلز ديكنز: وتبدأ في العاشرة صباحا من أمام محطة إمباكمنت لمترو الأنفاق مخرج شارع فيلرز، وتكلفتها 20 جنيها، مع إضافة تكاليف وجبة الغداء بعد الجولة في مقهى خاص. والعدد الأدنى للقيام بهذه الجولة هو 8 أشخاص. ويتجول المشاركون في الشوارع التي عرفها تشارلز ديكنز وخلدها في رواياته، بينما تسرد ديانا قصة ديكنز ولندن التاريخية التي عاش فيها، كما تستعرض في الجولة بعض المواقع التي ظهرت في روايات ديكنز، وحياة ديكنز الشخصية التي كانت بعيدة تماما عن المثل التقليدية الفيكتورية التي نادى بها علانية. وتنتهي الجولة بزيارة متحف تشارلز ديكنز المقام في المنزل الذي عاش فيه ديكنز.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».