اغتيال نائب حاكم ولاية قندهار في إحدى الجامعات

طالبان تعلن حربا مفتوحة على الحكومة الأفغانية والمسؤولين المتعاونين معها

عبد القديم بتيال (أ.ب)
عبد القديم بتيال (أ.ب)
TT

اغتيال نائب حاكم ولاية قندهار في إحدى الجامعات

عبد القديم بتيال (أ.ب)
عبد القديم بتيال (أ.ب)

تتواصل الهجمات وعمليات الاغتيال التي تطال المسؤولين الحكوميين في أفغانستان سواء كان ذلك في هجمات تنفذها حركة طالبان أو مسلحون مجهولون في مختلف الولايات الأفغانية رغم مضي 13 عاما على الحضور العسكري الأميركي وحلف شمال الأطلسي، وفي أحدث هذه الهجمات قتل أمس نائب حاكم إقليم قندهار عبد القديم بتيال برصاص مسلح مجهول أطلق عليه النار داخل قاعة دراسية في جامعة قندهار، وتمكن القاتل من الفرار وفقا للشرطة.
تقول السلطات الأمنية إن المسلح أطلق النار على بتيال من قريب جدا من مسدس كان يحمله حيث أطلق عليه 4 رصاصات ثم لاذ بالفرار دون أن تتمكن الشرطة من القبض عليه، المسؤول الحكومي أصيب إصابة بالغة نقل على أثرها إلى المستشفى الحكومي بالولاية حيث الإمكانات المتواضعة فارق الحياة بعد وصوله بدقائق محدودة، وكان عبد القديم بتيال وهو من القيادات الشابة في ولاية قندهار التي تعتبر قاعدة لحركة طالبان المتشددة تدرج في عدة مناصب حكومية منها مسؤول وزارة الإعلام والثقافة في الولاية قبل أن يتولى منصب نائب حاكم الإقليم، كما كان بتيال يقوم بإصدار عدد من المجلات والصحف المحلية الناطقة باللغة الباشتوية وهي اللغة التي يتحدث بها سكان جنوب أفغانستان المضطرب. وترك عبد القديم بتيال، وهو ينتمي إلى عائلة إعلامية وثقافية معروفة بلدة ارغنداب التابعة لولاية قندهار آثارا ثقافية من بينها كتب سطرها باللغة الباشتوية تتحدث عن الشعر الباشتوي وجذوره في جنوب البلاد.
ولم تتبن أي جهة مسؤولية اغتيال المسؤول الحكومي في قندهار حتى حركة طالبان التزمت الصمت حتى اللحظة والتي غالبا ما تتحمل مثل هذه العمليات التي تضعف السلطة الحكومية في مناطق التوتر وفقا للمراقبين، أما الرئيس الأفغاني الجديد محمد أشرف غني فندد بعملية الاغتيال بأشد العبارات وفي بيان صدر من مكتب الرئيس قال فيه إن الهجوم على عبد القديم بتيال يعتبر عملا جبانا وأن الحكومة ستفعل كل ما بوسعها للوصول إلى القاتل وجره إلى المحاكمة. كما شكل الرئيس أشرف غني لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات قتل المسؤول الحكومي وكيفية تمكن القاتل من الفرار وحمله السلاح داخل الجامعة.
مصادر مقربة من حركة طالبان حملت السلطات المحلية مسؤولية قتل السيد بتيال، مشيرة إلى عناصر مافيا الاقتصاد، وكان عبد القديم بتيال يدرس في كلية الآداب قسم الباشتو بجامعة قندهار وهو في آخر عامه الدراسي.
وبتيال ليس المسؤول الحكومي الأول الذي يتم اغتياله في أفغانستان فهناك عشرات من المسؤولين الحكوميين قتلوا من قبل حركة طالبان أو مسلحين مجهولين خلال السنوات العشر الماضية ضمن حرب مفتوحة أعلنتها طالبان على الحكومة الأفغانية والمسؤولين المتعاونين معها في جميع مناطق البلاد وهي تسعى إلى أضعاف السيطرة الحكومية من خلال استهداف مسؤولين كبار وخلق الرعب في قلوب المتعاونين مع الإدارة في كابل التي تحاول استمالة قلوب القرويين في جنوب أفغانستان وشرقه معقلي التمرد في أفغانستان الذي تقوده طالبان.
وعملية اغتيال المسؤول الحكومي تأتي في الوقت الذي تشن فيه القوات الأمنية عمليات تمشيط واسعة في مناطق الشمال الأفغاني ضد مسلحي طالبان الذين يحاولون توسيع عملياتها والانتقال إلى مناطق تقع خارج حضورهم التقليدي خاصة في ولاية بدخشان الواقعة في أقصى الشرق الأفغاني بالقرب من الحدود الباكستانية تحديدا إلى منطقة باره جنار، حيث تنشط فيها طالبان باكستان ومن هناك تحاول التغلغل إلى داخل أفغانستان وفتح جبهات قتالية جديدة ضد الحكومة الأفغانية التي تسلمت المسؤوليات الأمنية كاملة من القوات الدولية في أفغانستان.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».