مظاهرات هونغ كونغ تبلغ مرحلة «حرجة» بعد صدامات جديدة

بدء مفاوضات بين الحكومة والمحتجين غدا.. وبكين ترفض التنازل حول الانتخابات المقبلة

مواجهة بين عناصر من شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين في حي مونغكوك بهونغ كونغ فجر أمس (أ.ب)
مواجهة بين عناصر من شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين في حي مونغكوك بهونغ كونغ فجر أمس (أ.ب)
TT

مظاهرات هونغ كونغ تبلغ مرحلة «حرجة» بعد صدامات جديدة

مواجهة بين عناصر من شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين في حي مونغكوك بهونغ كونغ فجر أمس (أ.ب)
مواجهة بين عناصر من شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين في حي مونغكوك بهونغ كونغ فجر أمس (أ.ب)

اتهمت الحركة المطالبة بالديمقراطية الشرطة بالإفراط في استخدام القوة بعد ليلة من المواجهات العنيفة في هونغ كونغ، حيث حذر وزير من أن المظاهرات التي دخلت أسبوعها الرابع بلغت مرحلة «حرجة».
واصطدم العشرات من رجال الشرطة من وحدات مكافحة الشغب بالمتظاهرين ليل أول من أمس في حي مونغكوك، أحد ثلاثة مواقع يحتلها المتظاهرون منذ ثلاثة أسابيع في المستعمرة البريطانية سابقا، وانهالوا عليهم ضربا بالهراوات بعد رفضهم فك اعتصامهم.
وتحدثت حكومة هونغ كونغ عن إصابة 20 شخصا بجروح دون أن توضح إذا كانوا من المتظاهرين أو الشرطة. ونُقل بعض المتظاهرين على حمالات في حين قدمت الإسعافات في المكان إلى البعض الآخر الذين أصيبوا برضوض وكسور، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية ومصادر طبية. وأفادت وكالة «رويترز» بأن بعض الأنباء تشير إلى سقوط عشرات المصابين في ليلتين من الاشتباكات، بينهم 22 ضابطا. وقالت الشرطة إنها اعتقلت 4 أشخاص في وقت مبكر من صباح أمس.
وقدم رجال الشرطة والمتظاهرون روايات مختلفة عن أسباب هذه الليلة الرابعة من الاضطرابات في حي مونغكوك المكتظ بالسكان والواقع في الشطر القاري من المدينة مقابل جزيرة هونغ كونغ.
وقالت الشرطة التي حاولت إعادة فتح حركة السير في شارع كبير إنها التزمت ضبط النفس وتحركت عندما حاول «متظاهرون فجأة اقتحام» الطوق الأمني. أما المتظاهرون فقد قالوا لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم لم يفعلوا شيئا يستفز الشرطيين الذين هاجموهم بالضرب عندما فتحوا مظلاتهم التي أصبحت رمزا للتعبئة من أجل المطالبة بالمزيد من الحريات والديمقراطية، ووضعوها على متاريس. ويتسلح المتظاهرون بالمظلات للاتقاء من غاز الفلفل وضربات الهراوات التي تستخدمها الشرطة ضدهم.
واقترحت سلطات هونغ كونغ أول من أمس إعادة فتح المفاوضات مع الطلاب رأس حربة الحركة غدا، وأوضح كاري لام مساعد الحاكم المحلي أن المباحثات التي ستبث مباشرة ستركز على الإصلاح الدستوري، غير أن المراقبين لا يتوقعون أن تتنازل بكين خوفا من عدوى الاحتجاجات من أجل الديمقراطية. ودعا اد تشين العضو في أكبر حركة مطالبة بالديمقراطية «أوكابي سنترال» الحكومة إلى تلبية مطالب المتظاهرين، قائلا في مؤتمر صحافي: «إنها مشكلة سياسية وليست حفاظا على النظام»، ودعا المتظاهرين «المتعبين والمرضى» إلى العودة إلى منازلهم حتى الثلاثاء. وكتب على لافتات ألصقت في مونغكوك: «اهدأوا، ولا تنسوا هدفنا الأول».
وبعد الليلة الرابعة على التوالي من أعمال العنف في هونغ كونغ التي تشهد أخطر أزمة سياسية منذ عادت من الاستعمار البريطاني إلى سيادة الصين في 1997، قال وزير المالية جون تسانغ إن حملة المطالبة بالديمقراطية بلغت «مرحلة حرجة»، ودعا المتظاهرين إلى إنهاء التجمعات. وكتب على مدونته الشخصية: «كنت شابا وشاركت في حركات طلابية عدة». وأضاف: «قرار التراجع لن يكون سهلا، وسيتطلب شجاعة كبيرة، وأعتقد أن لديكم الشجاعة لاتخاذ القرارات الجيدة في هذه اللحظة الحرجة».
ويطالب المحتجون باستقالة الحكومة المحلية وباعتماد نظام انتخابي يتيح لهم أن يختاروا بحرية تامة رئيس حكومتهم المحلية في الانتخابات المقررة في 2017. ووافقت بكين على مبدأ الاقتراع العام لانتخاب الرئيس المقبل للسلطة التنفيذية، إلا أنها تصر على التحكم بمسار الانتخابات من خلال لجنة حكومية مهمتها النظر في أهلية المرشحين.
ووقعت الاشتباكات بعد ساعات من دعوة رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ ليونغ تشون ينج إلى محادثات ستنقل على الهواء مباشرة غدا. وتصدر الموقف في هونغ كونغ محادثات في مطلع الأسبوع بين عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيه تشي ووزير الخارجية الأميركي جون كيري بولاية بوسطن الأميركية. وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية إن قضية هونغ كونغ كانت جزءا من «مناقشات صريحة» بينما ذكر بيان للخارجية الصينية أن يانغ أبلغ كيري أنه لا ينبغي لأي دولة التدخل في هونغ كونغ التي وصفها بأنها «شأن داخلي للصين».
وأثارت «حركة المظلات» في بادئ الأمر تعاطف الرأي العام، لكن السكان بدأوا يتململون مع الاختناقات المرورية وتشكل طوابير طويلة من السيارات واضطراب النقل العام وإغلاق المدارس والمحلات التجارية. ويطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الحكومة المحلية ليونغ شونغ يينغ الذي يعتبرونه دمية بين أيدي بكين، وإقامة اقتراع حقيقي في المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي والتي تشهد أخطر أزمة سياسية منذ عودتها إلى الصين في 1997.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».