تواجه السلطات الجزائرية منذ ثلاثة أيام حالة غضب غير مسبوقة من طرف المئات من رجال الشرطة، الذين خرجوا إلى شوارع غرداية بالجنوب، حيث تجري أطوار صراع طائفي حاد، وفي وهران عاصمة الغرب، وبالعاصمة، التي اقتحموا فيها أمس مبنى رئاسة الجمهورية قصد مقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ورفض رجال الشرطة الغاضبين التعاطي إيجابيا مع دعوة وزير الداخلية الطيب بلعيز، العدول عن الاحتجاج في الشارع، بعد أن وعدهم بتلبية كل المطالب الـ19 التي يطرحونها، باستثناء مطلب واحد، هو إقالة مدير عام الأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل، الذي يعد من أشد المسؤولين في البلاد ولاء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ونظم نحو 200 شرطي مظاهرة أمام مقر الرئاسة بحي المرادية بأعالي العاصمة، مطالبين بتبليغ لائحة المطالب للرئيس شخصيا. غير أن بوتفليقة غائب عن مكتبه بالرئاسة منذ قرابة عامين بسبب مرضه، ولم يجد الغاضبون من يستقبلهم للحديث إليهم. وأشيع بأن مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحي والسكرتير الخاص للرئيس محمد روقاب، مستعدان لاستقبال وفد عن رجال الشرطة المحتجين، لكن ذلك لم يحدث.
ووقعت فوضى عارمة بمدخل مبنى الرئاسة عندما أصر الغاضبون على الدخول إليها، من دون حدوث مشادات مع زملائهم الذين يحرسون «قصر المرادية». ورفض المتظاهرون إخلاء المكان، وظلوا معتصمين تعبيرا عن عدم تخليهم عن مطلبهم الأساسي، المتمثل في رحيل العسكري هامل من جهاز الشرطة.
ويقول المتظاهرون إن رجال الأمن تعرضوا للإهانة في عهده، من طرف قادة وحدات الأمن الذين وضعهم على رأس هياكل ومصالح الشرطة على المستوى المحلي.
يشار إلى أن قوانين البلاد تمنع إنشاء نقابات في أجهزة الأمن، ولذلك كان السماح بتأسيس تنظيم نقابي ضمن مطالب المتظاهرين.
وفي وهران (450 كلم غرب العاصمة) نظم العشرات من رجال الأمن مظاهرات بشوارع المدينة مطالبين بتنحية هامل، وانطلقت شرارة الغضب من غرداية (600 كلم جنوب) الاثنين الماضي، عندما اشتكى المئات من الشرطة من اعتداءات تعرضوا لها في سياق الصراع الطائفي العرقي بين عشيرتي «الميزابيين» الناطقين بالأمازيغية، و«الشعانبة» المتحدثين بالعربية. وقابلهم وزير الداخلية لتهدئة نفوسهم، لكن دون جدوى، حيث اشترطوا مقابلة رئيس الوزراء عبد المالك سلال، مقابل وقف حركة الاحتجاج.
ومن أهم ما ورد في لائحة المطالب، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إعادة ستة آلاف رجل شرطة إلى وظائفهم بعد فصلهم منها لأسباب تأديبية، على اعتبار أنهم تعرضوا للتعسف، حسب رأيهم. ويوجد ضمن المطالب أيضا تقليص مدة الخدمة من 32 سنة إلى 20 سنة، وإلغاء نظام المداومة الذي وصفوه بـ«العقوبة المسلطة على الجنود الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية». كما طالبوا أيضا بحمايتهم من «تعسف مسؤولين في الدولة ورجال أعمال»، من دون ذكر أحدهم بالاسم، وذلك في إشارة إلى مشكلات يواجهونها في الميدان، أثناء سحب رخص القيادة من مسؤولين، في حال خرق قانون المرور.
ويرى مراقبون أن «للتذمر العارم الذي اجتاح سلك رجال الأمن الوطني، وجه آخر ذو أهمية بالغة في الظروف التي تمر بها البلاد»، إذ يعكس في نظرهم «حالة شغور في أعلى هرم البلاد، وتعدد مراكز القرار وغموضها، لكونها مجهولة، وهي حالة أخطر من عجز رئيس الجمهورية عن أداء وظيفته بسبب المرض».
وقال حزب «جبهة التحرير الوطني»، صاحب الأغلبية إن «استعمال بعض عناصر الشرطة لإثارة الشغب والفوضى، مناورة من المناورات التي تحاك ضد الجزائر، ولا تخدم المصالح العليا للبلاد».
على صعيد متصل، أفادت معلومات متواترة بأن رئيس الوزراء عبد المالك سلال، يستعد للقاء المحتجين والاستماع لانشغالاتهم ومطالبهم.
وكان وزير الداخلية الطيب بلعيز قد أكد أن الحوار المسؤول والشفاف الذي فتح أول من أمس مع أعوان حفظ الأمن المحتجين بولاية غرداية سمح بتفهم الانشغالات، والتوصل إلى توافق من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية - المهنية لهؤلاء الموظفين بجهاز الشرطة، وشدد على أن مطالب الموظفين سيتم التكفل بها تدريجيا من طرف السلطات العمومية.
لكن يبدو أن تصريحات وزير الداخلية لم تطمئن أعوان الشرطة الذين واصلوا احتجاجهم في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الجزائر المستقلة، بعد أن اتسعت رقعة الاحتجاجات لتمتد إلى ولايتي وهران غربا وخنشلة شرقا، وسط مخاوف من انزلاق الأوضاع نحو المجهول.
السلطات الجزائرية تواجه تمردا غير مسبوق داخل جهاز الشرطة
اقتحموا مبنى رئاسة الجمهورية قصد مقابلة الرئيس بوتفليقة
السلطات الجزائرية تواجه تمردا غير مسبوق داخل جهاز الشرطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة