العاهل المغربي: أفريقيا في حاجة إلى شراكات مثمرة أكثر من حاجتها لدعم مشروط

أكد ثقته في «قارة جديدة» فخورة بهويتها ومتحررة من القيود الآيديولوجية

العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله ماكي سال رئيس جمهورية السنغال في القصر الملكي بالرباط أول من أمس (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله ماكي سال رئيس جمهورية السنغال في القصر الملكي بالرباط أول من أمس (ماب)
TT

العاهل المغربي: أفريقيا في حاجة إلى شراكات مثمرة أكثر من حاجتها لدعم مشروط

العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله ماكي سال رئيس جمهورية السنغال في القصر الملكي بالرباط أول من أمس (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله ماكي سال رئيس جمهورية السنغال في القصر الملكي بالرباط أول من أمس (ماب)

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن قضية التنمية في أفريقيا «لا تتعلق بطبيعة الأرض والمناخ، رغم قساوته في بعض المناطق، وإنما بما جرى تكريسه من تبعية اقتصادية، ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل، وانعدام نموذج تنموي مستدام».
وشدد العاهل المغربي، في رسالة وجهها إلى المشاركين في «الملتقى التاسع لمنتدى التنمية من أجل أفريقيا»، الذي افتتحت أشغاله الليلة قبل الماضية في مراكش، وألقاها بالنيابة عنه عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، في حضور الحسن واتارا رئيس جمهورية كوت ديفوار، وماكي سال رئيس جمهورية السنغال، على أن «أفريقيا هي اليوم أحوج إلى شراكات مثمرة لجميع الأطراف، أكثر من حاجتها لدعم مشروط. شراكات من شأنها أن تنهض بدور المحفز لحشد الموارد المالية اللازمة، والدفع بالاندماج الاقتصادي الإقليمي إلى الأمام، والنهوض بالموقع الذي تحتله أفريقيا داخل النسق الدولي لخلق القيمة المضافة».
ودعا العاهل المغربي إلى «اعتماد مقاربة شاملة ومندمجة، من شأنها تعزيز السلم والاستقرار، وتشجيع التنمية البشرية المستدامة، خدمة لكل أبناء القارة، نساء ورجالا»، في ظل «احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وصيانة هوية شعوبها، الثقافية والروحية»، منوها بعزم واستعداد القارة الأفريقية لـ«إطلاق دينامية جديدة من أجل بروز أفريقيا جديدة.. أفريقيا فخورة بهويتها ومواكبة لعصرها.. أفريقيا متحررة من القيود الآيديولوجية ومن مخلفات الماضي.. أفريقيا جريئة وسباقة للمبادرة»، وشدد على أن «هذه الإرادة تشكل في حد ذاتها دعوة للمجتمع الدولي من أجل بلورة مقاربة موضوعية لمعالجة إشكالية التنمية في أفريقيا».
وتوقف العاهل المغربي عند دلالات اختيار «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا» مدينة مراكش لاحتضان الدورة التاسعة لمنتدى التنمية في أفريقيا لأول مرة خارج مقرها بأديس أبابا الإثيوبية، وهو الاختيار الذي رأى فيه اعترافا بالجهود التي يبذلها بلده من أجل أفريقيا، وتقديرا لالتزام الفاعلين الاقتصاديين في المغرب في سبيل الإقلاع الاقتصادي للقارة، وانخراطها بكل تنافسية في مسار العولمة.
وذكر العاهل المغربي بمضمون كلمته أمام الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا «إن دعوتنا للمجتمع الدولي لبلورة رؤية متجددة تجاه قارتنا، مغايرة عن كل الرؤى التقليدية، لا يعادلها سوى التزامنا المتواصل كبلدان أفريقية باعتماد وتفعيل مقاربات تشاركية مبتكرة، وتطوير قنوات تعاون جنوب - جنوب غير مسبوقة، يطبعها التضامن، وتعود بالنفع على كل الأطراف». ثم تابع قائلا «وبنفس الاقتناع الراسخ نعمل من أجل أن تضع أفريقيا ثقتها في أفريقيا، ومن أجل أن تستثمر كل طاقاتها للاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة».
وعبر العاهل المغربي عن يقينه بأن «تطابق وجهات النظر بين البلدان الأفريقية، بشأن الشروط اللازم توافرها من أجل تحقيق التنمية والإقلاع الاقتصادي، جدير بخلق تآزر قوي وتكامل غير مسبوق، علينا جميعا تفعيلهما في اتجاه تحقيق كل الطموحات»، مبرزا أن «تعبئة المجموعة الدولية من أجل تحقيق المواكبة المالية للقارة الأفريقية ينبغي أن تأخذ، بنفس الاهتمام أبعادا ومعايير أخرى، لها أهميتها كالحكامة الجيدة، ومتانة المؤسسات، وتقوية القدرات المؤسساتية، والانسجام بين الجهات والأجيال، وتأهيل العنصر البشري».
ولاحظ العاهل المغربي أن القارة الأفريقية، التي تشهد تغيرا ملحوظا «تحمل رسالة مفعمة بروح الأمل والتجدد إلى المجموعة الدولية»، معبرا عن أمله في «ربح الرهان الأكبر، الذي يطرحه القرن الحادي والعشرون، والمتمثل في انبثاق قارة أفريقية تنعم بالوحدة والاستقرار والازدهار». كما شدد العاهل المغربي على أنه على البلدان الأفريقية أن تتوجه لبناء استقلالها الاقتصادي، مشيرا إلى أنها أصبحت تشكل الأفق الجديد للنمو العالمي، إذ منذ عام 2000 شهدت مبادلات القارة التجارية مع باقي دول العالم نموا بلغ 200 في المائة، بينما ستبلغ ساكنتها ما لا يقل عن ملياري نسمة في أفق 2050، مما يؤهلها لتشكل في واقع الأمر شباب العالم. كما أن معدلات الفقر تواصل تراجعها بوتيرة مطردة، بينما تعرف المبادلات الإقليمية بين البلدان الأفريقية نموا منقطع النظير.
وأشار العاهل المغربي، في هذا الصدد، إلى أن الوسائل والآليات التنفيذية التي يتعين تطويرها في المستقبل، بغض النظر عن الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تهم أفريقيا برمتها، لا بد لها أن تستكشف، بنفس القدر من الاهتمام، البعد الجهوي للقارة، مؤكدا أن من شأن هذا التوجه أن يتيح الاستثمار في التجمعات الاقتصادية الجهوية، كفضاءات ذات تنافسية مستمرة، وهو ما سيمكن البلدان الأفريقية، بموازاة مع تعزيز التوجهات الاندماجية الإقليمية، من التعبير عن خصوصياتها الأفريقية، ومن انبثاق فضاءات جغرافية - اقتصادية، كفيلة بأن تضمن لها تموقعا أفضل وتنافسية أكبر داخل الاقتصاد العالمي.
وختم العاهل المغربي رسالته بالقول إن «أفريقيا تنبثق حاليا كقطب عالمي جديد للتنمية، وذلك بحكم الثروات والمؤهلات الكبيرة التي تتوفر عليها. ومع ذلك، فإنه لن يتأتى تعزيز وتوطيد هذا المسار من دون إجراء تحول هيكلي في الاقتصادات الأفريقية، ومن دون توجيهها نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية والمضمون التكنولوجي المتين. ولكسب هذا الرهان، تجدر الإشارة إلى الأهمية المحورية التي يكتسيها البعد المالي»، فيما تشكل تعبئة الموارد البشرية الداخلية رافدا أساسيا لتحقيق الاستمرارية لتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى، لا سيما البنيات التحتية، وكذا الاستعداد الأفضل لتحقيق الأهداف التنموية لما بعد 2015. كما طالب العاهل المغربي المجموعة الدولية بـ«إبداء المزيد من الابتكار والإبداع لتعبئة وسائل تمويلية متجددة، كفيلة بحسن مواكبة التحول الاقتصادي للقارة، وتحقيق تنميتها المستدامة».
من جهته، قال الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، إن المغرب يشكل نموذجا للتعاون جنوب - جنوب، وذلك بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس. وأشاد الرئيس الإيفواري بالتزام ملك المغرب بتمتين العلاقات بين دول الجنوب، مبرزا العلاقات القوية والاستثنائية التي تجمع بين المغرب وكوت ديفوار، ومنوها بانخراط الشركات المغربية في تنمية بلاده، وفي مقدمتها البنوك. وقال واتارا بهذا الخصوص «إن أفريقيا تتغير وتتحول وتزداد تنافسيتها بشكل أكبر»، مؤكدا أن التحدي الأساسي المطروح أمام أفريقيا هو مواكبة هذا التحول.
ودعا الرئيس الإيفواري إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في اقتصادات الدول الأفريقية والنهوض بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. وأضاف أن كوت ديفوار تطمح إلى التموقع كبلد صاعد بحلول سنة 2020، معتبرا بلوغ هذه الغاية في المتناول. وقال واتارا «لدي الثقة في قارتنا. إنها قارة المستقبل، والآفاق الواعدة، والقارة التي ستبهر العالم».
ويعكس احتضان المغرب لهذا المنتدى، الذي ينظم لأول مرة خارج مقر اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا بأديس أبابا، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية، الثقة التي تحظى بها المملكة المغربية من طرف العديد من المؤسسات الدولية في قدراتها على القيام بدور استراتيجي على مستوى تنمية القارة الأفريقية، بالنظر لاستقرارها السياسي والاقتصادي وإرادتها القوية في الدفع بالتعاون جنوب - جنوب.
ومن جهته، دعا الرئيس السنغالي ماكي سال، إلى إصلاح الحكامة الاقتصادية والمالية العالمية من أجل تحسين ظروف ولوج البلدان النامية إلى أسواق الرساميل. واعتبر الرئيس سال أنه من الملح جدا «تقليص آجال بلورة وتمويل وتنفيذ مشاريع التنمية من خلال عقلنة وتبسيط المناهج والإجراءات، في إطار احترام قواعد الحكامة الجيدة، وذلك من أجل تحفيز تدبير قائم على النتائج».
وقال الرئيس السنغالي «إن تكثيف التعاون الدولي من أجل ضمان شفافية الصناعات الاستخراجية، بما في ذلك صياغة عقود الاستكشاف المعدني، يكتسي طابعا مستعجلا»، مبرزا ضرورة إرساء «نظام متعدد الأطراف وأكثر فعالية للوقاية وزجر التدفقات المالية غير المشروعة، لا سيما الرشوة وتبييض الأموال والغش الضريبي، والتي تكبد القارة الأفريقية ما بين 50 و148 مليار دولار، حسب تقرير للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة من أجل أفريقيا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.