تونس: من يتزعم «الطريق الثالث»؟

استقطاب وصراعات عشية الانتخابات

تونس: من يتزعم «الطريق الثالث»؟
TT

تونس: من يتزعم «الطريق الثالث»؟

تونس: من يتزعم «الطريق الثالث»؟

بدأ العد التنازلي لأول انتخابات تعددية عامة في تونس يجري خلالها انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة، إلى جانب انتخاب برلمان تمتد صلاحياته 5 سنوات وستكون من أبرز مهماته اختيار الرئيس القادم الجديد وفريقه اللذين أعطاهما الدستور الجديد نحو 90 في المائة من النفوذ.
ولئن كان الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية لانتخابات 26 أكتوبر (تشرين الأول) التشريعية «باردا» و«باهتا»، فإن الأسبوع الثاني انطلق ساخنا جدا.. فتحت خلاله نيران من العيار الثقيل بين أبرز الأطراف السياسية المتنافسة، وخاصة بين جبهة الأحزاب التي خرجت من رحم الحزب الحاكم السابق - حزب الرئيس زين العابدين بن علي، والحركات والأحزاب التي لا تزال تعلن ولاءها للثورة وتصف زعاماتها - وبينها الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي - ب-«الثورية».
والسؤال الكبير اليوم بين المراقبين السياسيين: هل تنجح تونس في تجاوز «مزايدات الثورجيين»، و«عنتريات رموز النظام السابق» الذين يشاركون بقوة في الانتخابات.. وأصبح بعضهم يباهي بولائه للنظام السابق ويصف ساسة «ما بعد الثورة» ب-«الأقزام» على غرار ما فعل حامد القروي رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس حزب بن علي - «التجمع الدستوري الديمقراطي» - طوال 15 سنة.

الدكتور عدنان منصر، المؤرخ والوزير مدير الحملة الانتخابية الحالية للرئيس الحالي المنصف المرزوقي، لخص الصراعات السياسية والحزبية الحالية بكونها «معركة بين أنصار 7 نوفمبر1987 -تاريخ وصول بن علي إلى الحكم، والأوفياء لثورة 14 يناير 2011»، وعدّ الرئيس المؤقت المرزوقي يتزعم التيار «الثوري».. وتوقع انتصار «الثوريين» في هذه «المعركة السياسية والانتخابية الحاسمة»..

* جبهة «الثورجيين»؟

* وأمام «تضخم» عدد وزراء بن علي وقادة حزبه الذين انخرطوا في السباق الانتخابي الحالي، دعا عدنان منصر «الثوريين» إلى التوحد بقصد عزل رموز «النظام السابق» والدفاع عن «مكاسب الثورة»..
وقد لقي هذا التقييم صدى في صفوف نشطاء سياسيين من تيارات مختلفة ممن يعدون أنفسهم «أوفياء للخط الثوري ولمكاسب الثورة الشبابية التونسية»..
ولم يستبعد قياديون من «اليسار الراديكالي» والإسلاميين «المتشددين» أن تؤدي المواقف «الثورية» الصادرة عن قيادات من حزب المرزوقي وحلفائه إلى تشكيل «جبهة انتخابية موحدة» ضد عودة «رموز النظام السابق»، وخاصة الوزراء والمحافظين والسفراء الذين بقوا في الحكم حتى الساعات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي في يناير 2014.. «رغم استفحال مظاهر الفساد والاستبداد»..
كما أعرب بعض «الثوريي» من داخل المعسكرين الليبرالي واليساري عن رهانهم على سيناريو «تقسيم الإسلاميين» بين «أوفياء» إلى رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي الذي يتزعم تيار المصالحة الوطنية مع كل الأطراف، بما في ذلك وزراء بن علي غير المتورطين في الفساد والاستبداد «بحجة تصديقهم على الدستور الجديد وقانون الانتخابات وتبنيهم شعارات الثورة»..
وأصبح هؤلاء يتهمون السيد راشد الغنوشي ب-«التنازل عن ثوابت الثورة» وب-«الذهاب بعيدا في مسار المصالحة مع من كان يصفهم بالجلادين والسراق». وبينما تمسك زعيم حزب النهضة خلال الاجتماعات الشعبية التي أشرف عليها في عدد من كبرى المدن التونسية - مثل سوسة والقيروان والكاف والعاصمة تونس - بخيار «المصالحة الوطنية» واتهم خصومه من «أقصى اليمين وأقصى اليسار» بمحاولة «تقسيم التونسيين في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى وحدة وطنية وإلى تناسي أحقاد الماضي والتفرغ لبناء المستقبل.. أسوة بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام الذي أمر المسلمين عند فتح مكة بالصفح عن أعدائه السابقين، بمن فيهم عمه أبو سفيان وزوجته هند ومن تورط معها في قتل المسلمين وتعذيبهم وتشريدهم».. ويمضي الغنوشي قائلا: «لقد خاطب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعداء الأمس قائلا: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. ولو فعل غير ذلك لتواصل مسلسل الاقتتال داخل مكة والجزيرة ولما توحد المسلمون القدامى والجدد ففتحوا أغلب أصقاع الأرض في وقت قياسي.. ولما وصل الإسلام إلى شمال أفريقيا في وقت قياسي».
* معارك مفتوحة بين السبسي والإسلاميين
ولئن كان التوافق بين رئيس الحكومة الأسبق زعيم المعارضة العلمانية الباجي قائد السبسي من جهة وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي من جهة ثانية من أبرز أسباب «التهدئة» ونجاح «الحوار الوطني» العام الماضي - فإن الحملات الإعلامية التي فجرتها الحملة الانتخابية الحالية بين الزعيمين وأنصارهما توشك أن تعيد إلى «نقطة الصفر» المعارك التي سبقت التصديق على «دستور توافقي تقدمي» وعلى «حكومة تكنوقراط» رحبت بها الغالبية الساحقة من قيادات الأحزاب الإسلامية والعلمانية والليبيرالية مقابل انسحاب حزب النهضة الإسلامي من الحكم..
الباجي قائد السبسي شكك خلال برنامج تلفزي في القناة الحكومية في إيمان بعض خصومه بالإسلام، بما في ذلك الرئيس المنصف المرزوقي وقادة حزبه ورئيس البرلمان الانتقالي مصطفى بن جعفر زعيم حزب «التكتل» الاشتراكي.. كما اتهم قائد السبسي خصومه الإسلاميين ب-«التشدد والتطرف والوهابية».
في المقابل، اتهم عدد من القياديين في حركة النهضة، بينهم المستشار السياسي لرئيس الحركة الوزير سابقا لسيد لطفي زيتون، زعماء حزب «المؤتمر» الذي يقوده المرزوقي، وخاصة مدير حملته الانتخابية ومدير مكتبه في رئاسة الجمهورية عدنان منصر، ب-«محاولة تقسيم التونسيين»، فيما حذر الغنوشي في حوارات تلفزية وتجمعات شعبية عامة الباجي قائد السبسي من «غلط تقسيم التونسيين حسب انتماءاتهم العقائدية والسياسية والحزبية عوض السعي إلى توحيدهم خدمة للمصلحة الوطنية العليا»..

* الـ«فيسبوك».. والإنترنت

* وعلى غرار جل المعارك السياسية والانتخابية منذ سنوات في تونس، أصبحت المواقع الاجتماعية، وخاصة «فيسبوك» ومواقع الويب والصحف الإلكترونية، فضاء «ساخنا» للجدل والصراعات السياسية والحزبية والمعارك الانتخابية..
بل إن بعض الخبراء في علوم الاتصال والعلاقات العامة - مثل الباحث الدكتور محمد العربي عزوز - عدوا أن من «أبرز إضافات التغيير في تونس إقبال ملايين التونسيين والتونسيات على الصراعات السياسية والانتخابية، خاصة عبر مواقع (فيسبوك) والصحافة الإلكترونية».. باعتبار تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا من حيث نسبة سكانها الذين لديهم مواقع اجتماعية وأدمنوا «الإبحار» في الويب.
لكن «المثير» في هذه المعارك، سواء كانت في الساحات الانتخابية التقليدية أو الإلكترونية - حسب الدكتور عبد اللطيف الحناشي - تورط بعض النخب مبكرا في توظيف الصراعات الحزبية والانتخابية ومظاهر الاستقطاب السياسي لمحاولة التشكيك منذ الآن في مصداقية العملية الانتخابية والإيحاء بأنها «مزيفة»..
وتساءل عبد اللطيف الحناشي قائلا: «من المستفيد من التشكيك في نزاهة عملية انتخابية تاريخية قبل وقوعها؟».
ولماذا التطاول على رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات د.شفيق صرصار.. وهو شخصية علمية وحقوقية وسياسية عرفت بنزاهتها واستقلاليتها ومصداقيتها سبق لـ«المعارضة» أن أقامت الدنيا وأقعدتها حتى ينتخب رئيسا للهيئة عوض المحامي المستقل الأستاذ كمال بن مسعود؟
وتساءل الجامعي الفاضل بن محمد: «لماذا توزيع الاتهامات المجانية شرقا وغربا بين بعض الأطراف السياسية التي تتورط دوما في الاستقطاب والصراعات الهامشية.. ومحاولة الإبقاء على البلاد في حالة فوضى (خلاقة) لا يستفيد منها إلا المهربون والإرهابيون وأباطرة الفساد والاستبداد؟».

* الغائب الحاضر

* ويتضح من خلال الأدبيات التي تنشرها الأحزاب والقائمات الانتخابية القريبة من حزب الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي أن معركتها الانتخابية تطورت تدريجيا.. وأن مطالبها لم تعد مجرد الدعوة إلى «المصالحة الوطنية ورفض سياسات الإقصاء والعدالة الانتقامية والانتقائية» التي يتهمون بها حكومات الترويكا السابقة، بل تكشف تصريحات حامد القروي، رئيس حزب الحركة الدستورية رئيس الوزراء في عهد بن علي خلال عقد التسعينات، عن أن «الدستوريين» - نسبة إلى الحزب الدستوري - لم يعودوا في موقع الدفاع عن النفس، بل أصبحوا في موقع «الهجوم».. واتهم القروي ورفاقه خصومهم من المعارضين السابقين لحكم زين العابدين بن علي بـ«الارتجال والفشل ونقص الخبرة».. وشبههم بـ«الأقزام».
«الوسطيون».. و«الطريق الثالث»
في الأثناء، تعالت أصوات من يعدهم بعض المراقبين في تونس «وسطيين» وأنصار الخيار الثالث أو «الطريق الثالث»..
أنصار الحلول «الوسطية» برزوا داخل بعض الأحزاب الكبرى نفسها، بدءا من حزب النهضة الذي تميزت كلماته في التجمعات الانتخابية والشعبية التي أشرف عليها أخيرا وفي المحاضرات - التي ألقاها خلال الأسبوعين الماضيين في الصين ثم في أميركا - بدعواته لـ«الوسطية والحلول التوافقية»، مع تأكيد استعداد حزبه للقبول بنتائج الانتخابات مهما كانت وبتشكيل «حكومة وطنية ائتلافية وتوافقية» إذا فاز حزب النهضة بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية..
كما لم يستبعد الغنوشي المشاركة في حكومة توافق مع بعض وزراء بن علي السابقين «إذا كانوا من بين نظيفي اليدين»..
دعوات مماثلة للتهدئة والتعايش صدرت عن شخصيات قيادية مرشحة لأن تلعب دورا من الحجم الكبير في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة مثل السيد كمال مرجان الوزير السابق للدفاع والخارجية القيادي سابقا في حزب بن علي.. ويتميز كمال مرجان عن غيره من رموز النظام السابق بكون حزبه فاز في انتخابات 2011 بـ5 مقاعد وبتصويته على حكومات الائتلاف السابقة بقيادة حمادي الجبالي وعلي العريض، ثم على حكومة التكنوقراط بقيادة المهدي جمعة..
وبعد أن تعاقبت مظاهر التوتر والتصدع داخل حزب «نداء تونس» بزعامة رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي وداخل بقية الأحزاب التي خرجت من حزبي بورقيبة وبن علي - ترشح أوساط سياسية كثيرة زعيم حزب المبادرة الدستورية - السيد كمال مرجان - لقيادة الدستوريين والتجمعيين السابقين وبقية الفصائل السياسية المعارضة لتيارات «الإسلام السياسي» التي تتميز بإيمانها «بالتعايش بين كل الأحزاب العلمانية والإسلامية» إذا توافرت مجموعة من الشروط، من بينها نبذ العنف والإرهاب والتطرف والتعهد باحترام «مدنية الدولة»..

* «ورقة المستقلين» و«الوسطيين»

* في المقابل، تراهن أوساط حقوقية وسياسية وإعلامية كثيرة على المرشحين المستقلين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتتوقع أن ينجح هؤلاء في «فك النزاع وبؤر التوتر الحزبية»، خاصة أن من بين المرشحين المستقلين بعض وزراء بن علي السابقين الذين انسحبوا من الحكم منذ نحو 20 سنة؛ أي قبل أن تتطور الأوضاع الداخلية نحو مظاهر من «الاستبداد والفساد»..
ولعل من أبرز هؤلاء المرشحين المستقلين المحافظ السابق للبنك المركزي مصطفى كمال النابلي وزير الشباب والصحة ما بين 1988 و1991، والأمين العام السابق لرابطة حقوق الإنسان الدكتور حمودة بن سلامة، والنقيب السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني..
ويصطف مع هؤلاء ضمن تيار «الوسطيين» زعيم المعارضة القانونية السابق أحمد نجيب الشابي، وزعيم حزب «التكتل» رئيس البرلمان الانتقالي الحالي الدكتور مصطفى بن جعفر، وعدد من الخبراء الاقتصاديين والقانونيين الذين غامروا بخوض السباق الانتخابي.. وإن أعوزتهم بعض «شروط النجاح» مثل اللوبيات المالية والحزبية والإعلامية المساندة..
لكن نقطة قوة هؤلاء جميعا محاولة بناء «طريق ثالثة» بين الأقطاب السياسية والحزبية الكبرى المتصارعة..

* أزمات جديدة

* في الأثناء، حذر وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو وعدد من نقابات الأمن من «عمليات إرهابية نوعية قد تفسد العرس الانتخابي التونسي»..
كما لا يخفي بعض الساسة الوسطيين انزعاجهم من ظواهر سياسية «مزعجة»، فقد تعاقبت في نظرهم في المدة الأخيرة «عنتريات» بعض رموز النظام السابق داخل تونس وخارجها، وكان من بين مفاجآت الأيام القليلة الماضية بعض التصريحات الغريبة لزعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي اتهموه بـ«محاولة تقسيم تونس والتونسيين».
في الوقت نفسه، سجلت سلسلة من عمليات توظيف مواقع حكومية ومؤسسة رئاسة الجمهورية في الحملة الانتخابية السابقة لأوانها للرئيس المؤقت د. المنصف المرزوقي وكانت من أكثرها إثارة توظيف مؤسسة ملف تلفزي في قناة فرنسية – إم 6 - للظهور في مظهر «ثورجي» مع الترويج لمعطيات غير صحيحة عن ملف «استرجاع» مبالغ محدودة من أموال عائلة الرئيس بن علي.. ونسبة «بطولات وهمية» إليه..
وإذ تبدو المبادئ التي استشهد من أجلها مناضلون من كل الأجيال، وبينهم شباب ثورة ديسمبر 2010 - يناير 2011 في خطر بسبب «عنتريات» بعض وزراء الحقبة الأخيرة من عهد بن علي - فإن بعض «الثورجيين» و«اليساريين» أصبحوا يتهمون بكونهم يسبحون ضد التيار «متجاهلين قيمة المستجدات في تونس والمنطقة» بعد فشل الربيع العربي، «وخاصة مكاسب مسار التوافق السياسي الذي أفرزه الحوار الوطني العام الماضي، وأسفر عن دستور تقدمي وعن حكومة تصريف أعمال من المستقلين» كلفت التحضير للعملية الانتخابية الحالية التي يخوضها الشعب التونسي هذه الأيام..



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».