مرت صفحة «ثقافة» في «الشرق الأوسط»، عبر تاريخها الطويل الذي هو تاريخ الجريدة، بتغييرات كثيرة بحسب تغير وجهات النظر، والاجتهادات، سواء أكانت صائبة أم خاطئة، والرؤى المتباينة بالضرورة لطبيعة الصفحة في جريدة كبرى كـ«الشرق الأوسط»، وأهدافها، وتوجهاتها، التي من الصعب الاتفاق على كل تفصيلاتها المتشعبة. ولكن يمكن القول إن جوهرها واحد: كيف يمكن مخاطبة أكبر قطاع من القراء غير المتخصصين، وتزويدهم بالمعرفة التي يحتاجونها، وهي حق لهم، بلغة وأسلوب بسيطين واضحين لا يتعاليان عليهم، ولا تجعلهم يشعرون بالغربة تجاه المنتج الثقافي؟
هذا ما ستحاول أن تفعله اليومية «فضاءات»، التي تحل ابتداء من اليوم محل الملحق الأسبوعي، انطلاقا من حقيقة أن الصفحة الثقافية اليومية، أية صفحة ثقافية يومية، لا بد أن تخرج من دائرة الخاص، ممثلا بالمثقفين والكتاب، إلى دائرة العام، وهو جمهرة القراء، الذين قد لا يستطيعون الوصول إلى الكتاب أو المجلات المختصة، للتحول حقا إلى زاد ثقافي يومي. الصفحة اليومية لا تحتمل الكتابات والمعالجات الفكرية الأكاديمية المتخصصة، لكن قسما من كتابنا لا يميزون للأسف بين خصائص الجريدة اليومية، من لغة وأسلوب ووضوح معالجة، وبين المجلات الثقافية المختصة، وحتى الملاحق الثقافية، الموجهة لقراء معينين، مما يخلق غربة حقيقية بين الكاتب، وبالتالي الصفحة الثقافية، والمتلقي.
والحقيقة الأخرى التي لا بد من الإشارة إليها، والتي لا بد أن نضعها في الاعتبار، هي أن الصفحات الثقافية في الصحف القومية، مقابل الوطنية، أي تلك التي توزع في كل أنحاء الوطن العربي، وهي اثنتان أو ثلاث، قد أصبحت الآن هي الوسيلة الثقافية الوحيدة ربط جمهرة القراء والمثقفين العرب بالمنتج الثقافي الصادر في هذا البلد أو ذاك، وإطلالته على ما يجري من حراك أدبي وفني، وما يمور من اتجاهات ثقافية وفكرية، مما يضاعف من مسؤولية ومهمة أية صفحة ثقافية، خصوصا في غياب المجلات الثقافية التي نجحت في زمن مضى في ربط مشرق العالم العربي بمغربه، ثم انكفأت لأسباب مختلفة.
إذن، وباختصار، ستكون من مهمات «فضاءات» الأولى، طرح ومقاربة قضايا تهم عموم القراء، وتسليط الضوء على المشكلات التي يعانيها الوسط الثقافي في أكثر من بلد عربي، سواء فيما عرف بالمراكز الثقافية، أو الهوامش، مما يسهم في توعية القارئ بمحيطه الثقافي، وبالتالي التفاعل مع محيطه العام. وبالترافق مع ذلك، ستتم تغطية النشاطات الثقافية المهمة في هذا البلد العربي أو ذاك، مما يساعد على خلق أواصر ثقافية بين الجريدة والقارئ، وبين جمهرة المثقفين أنفسهم. وستهتم «ثقافة» بإجراء حوارات مع كتاب ومثقفين وباحثين معروفين حول القضايا التي تشغل الساحة الثقافية والفكرية، مع مراعاة تقديم ذلك بأسلوب مبسط يصل للقارئ غير المختص. وسيكون من مهمات «ثقافة» أيضا متابعة حركة النشر في البلدان العربية وتقديم عروض ومتابعات للكتب الجديدة التي تهم القارئ.
ولأننا موجودون في واحدة من أهم عواصم العالم الثقافية، المرتبطة ارتباطا وثيقا بالثقافة العالمية، فمن واجبنا أن ننقل للقارئ العربي، وللمثقف أيضا، التجارب والاتجاهات الأدبية والثقافية والفكرية التي قد تكون مجهولة لهما لعوامل كثيرة، وتقديم خدمة للقراء العرب عبر نشر مراجعات للكتب الأجنبية الجديدة، وخصوصا تلك التي تعالج قضايا تهم المنطقة سياسيا وثقافيا مما يعطي فكرة واضحة عن المشهد العالمي العام، الذي نحن جزء منه، وبما يمكن أن يغنينا في بناء ثقافة تنويرية متفاعلة مع عالمنا المعاصر.
«فضاءات».. مهمات صعبة لكن ممكنة
«فضاءات».. مهمات صعبة لكن ممكنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة