شاشة الناقد: «المساوي»

دنزل واشنطن في «المساوي»
دنزل واشنطن في «المساوي»
TT

شاشة الناقد: «المساوي»

دنزل واشنطن في «المساوي»
دنزل واشنطن في «المساوي»

«المساوي» | The Equalizer‬
إخراج: أنطوان فوكوا

تقييم الناقد: (3*)

هناك قناعة لدى العديدين مفادها أنك إذا قررت أن تعيش خارج الزمن الحاضر، فإن أحدا لن يشعر بك. إذا لم تكن مكترثا لمثل هذه النتيجة، بل تتمناها بالفعل، فإن العالم الذي ترنو إليه، الثلاثينات أو الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات مثلا، يصبح أقرب إليك مما تتصور. صحيح أنك ما زلت تعيش جسديا في عالم من الهواتف الذكية والأفلام المدمجة والنتاجات التقنية الواثبة إلى رحاب المستقبل، وصحيح أنك في وسط أخلاقي يختلف عما سبق، لكن أحدا لا يراك.. لا يشعر بك، ويتركك وحدك مع أغاني فرانك سيناترا ولوي أرمسترونغ وأفلام هيدي لامار وجون فورد.. سريعا تكتشف أنك راض.. لا تطلب من الدنيا أكثر من ذلك، ولن تطالبك الدنيا بأكثر من ذلك أيضا.
هذه هي حال كثيرين من أبطال سينما اليوم البوليسية. آخرهم هو روبرت ماكول (دنزل واشنطن) الذي يرتاح كثيرا حين الجلوس في ذلك المطعم القديم المشبع بالتاريخ.. يعيش بلا أضواء.. لا أحد يلحظه. ككثيرين من أبطال سينما اليوم البوليسية أيضا، هذه المظلة الواقية تتساقط بفعل حدث واحد يجر وراءه أحداثا بموجبها يضطر بطلنا للخروج من تحتها إلى العالم الذي انسحب منه.
هذا يحدث بعدما تدخل في حكاية امرأة تعرضت لعنف القواد الذي تعمل لديه. القواد هو جزء من شبكة.. الشبكة روسية. بعد انهيار المنظومة الشهيرة، هاجر عديدون من روسيا وأوكرانيا وجوارهما إلى الولايات المتحدة لتحقيق الحلم الأميركي الكبير بالثراء.. طبعا ليس عن طريق غسل الصحون في المطاعم وقيادة سيارات الأجرة، بل عن طريق تشكيل العصابات النافذة التي، حسب هذا الفيلم، سيطرت على مداخل ومخارج الغنائم الناتجة عن التجارة بالبشر والمخدرات والسلاح. بوليس المدينة (بوسطن في هذا الفيلم) يصبح خاتما يتحرك من أصبع لآخر. روبرت ماكول، أو «ماك»، فتح علبة السردين وقرر ألا يغلقها، بل يرمي ما فيها. والفيلم، من بعد تمهيده، عبارة عن صراع رائع التنفيذ، جيد التمثيل بين الخير مجسد في شخصية رجل واحد، والشر متمثلا بعصابة قوية وفي كل ما تقوم به باستثناء أنها لا تعرف من هو هذا الـ«ماك» وما الذي «حشره» في شؤونها.
ليس عبثا استخدام الروس كمافيا.. ليس فقط أن هذا مستنتج من الواقع (حتى وإن لم يكن كل الواقع)، بل هو عودة حثيثة إلى توظيف الخلاف بين الشرق والغرب على نحو يعيد أجواء الحرب الباردة وعلى نحو أكثر برودة. لدينا أشرار يسيئون إلى أميركا، وعلى أميركا أن تقف للدفاع عن نفسها، و«ماك» هو الإنسان الذي سيقوم بذلك.
طبعا في هذا النطاق تنميط وتقليد، لكن ليس من فراغ. والتنفيذ الجيد للمخرج أنطوان فوكوا (ثاني لقاء له مع الممثل دنزل واشنطن بعد «يوم التدريب» قبل 13 سنة) لا ينسى أن المطلوب لإنجاح الفيلم هو معاملة المادة بجدية كاملة، وإذ يختار هذه المعاملة منهجا، يجبر مشاهديه على القبول والالتحاق.
الفيلم مأخوذ عن مسلسل تلفزيوني بالعنوان ذاته عرض بنجاح (88 حلقة على 4 سنوات في الثمانينات). البطل هناك (إدوارد وودارد) كان رجلا أبيض البشرة. هنا هو أسود البشرة. لكن اللون ليس الاختلاف الوحيد. دنزل واشنطن يؤسس لشخصية تريدها أن تنقذ العالم مما هو فيه بالفعل.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.