فندق «سلمان» في مراكش.. قطعة من الأندلس

كل شيء فيه يدور حول أسطورة الحصان العربي وغنى الحضارة المغربية

مساحات خارجية تزينها نوافير المياه
مساحات خارجية تزينها نوافير المياه
TT

فندق «سلمان» في مراكش.. قطعة من الأندلس

مساحات خارجية تزينها نوافير المياه
مساحات خارجية تزينها نوافير المياه

في مراكش، لا يكاد يمر شهر دون أن يعلن عن افتتاح وحدة فندقية راقية. الواقفون خلف هذه المشاريع يعرفون أن للمدينة الحمراء عشاقها من الشخصيات المؤثرة في العالم ومن كبار رجال السياسة والاقتصاد ونجوم الفن والرياضة، الذين يعشقون الفخامة، التي لا يمكن أن توفرها إلا فنادق استثنائية ومدهشة.
ويتوفر بمراكش ما يزيد على 280 فندقا مصنفا، منها نحو 20 وحدة فندقية من النوع الفاخر، أرقاها «المأمونية» و«أمان جنة» و«النخيل غولف بلاص» و«رويال منصور» و«السعدي» و«فورسيزونز» و«نماسكار» و«تاج»، فنادق راقية الشكل والمضمون، تقدم نفسها على شكل قصور، تشترك في أن واجب النزول بها والإقامة فيها يتراوح بين 400 يورو وما قد يزيد عن 10 آلاف يورو لليلة الواحدة، ما يعني أنها لا تفتح أبوابها إلا لأغنى الأغنياء، ممن يبحثون عن المتميز والمتفرد من الخدمات، التي لا يمكن أن تتوفر إلا في هذه النوعية من الفنادق التي تحول بعضها إلى وجهات قائمة بذاتها، يتباهى بالنزول فيها مشاهير وأغنياء العالم، تماما، كما يفعلون وهم يتبخترون في الملابس الموقعة من أشهر دور الموضة العالمية، أو يركبون أرقى المركبات، سيارة كانت أو طائرة.
وليست الفنادق الفاخرة، التي توفرها مراكش لعدد غير قليل من زوارها، واحدة وموحدة في منتجاتها، إذ تتميز، عن بعضها، بعدد من الخصائص التي تمنح لكل واحد منها تفرده الذي يقلل من حيرة الاختيار لدى عشاق السياحة الراقية. ومن بين الإقامات السياحية الفاخرة التي عززت بنية مراكش، مؤخرا، نجد فندق «سلمان»، الذي اختار مضمونا متفردا، يبرز الأصالة المغربية والحضارة العربية، من خلال تقديم نفسه كفضاء يحتفي بالخيول العربية الأصيلة، كما يستدعي موروث العمارة الأندلسية، بشكل لافت، فيما يوظف مميزات الصناعة التقليدية المحلية وتفرد الطبخ المغربي، في شكله وخدمته.
ويقع فندق «سلمان» على بعد 5 دقائق من حدائق «أكدال» و«المنارة»، و10 من المدينة القديمة، حيث ساحة جامع الفنا وقبور السعديين وقصر البديع وقصر الباهية وسوق السمارين ومدرسة بن يوسف، وغيرها من البنايات التاريخية والعلامات السياحية، التي تتواجد بقلب وعمق المدينة القديمة.
وإلى رفاهية الخدمة، التي يوفرها فندق من طينته وقيمته، يتميز «سلمان»، عن غيره من الفنادق الفاخرة، بهندسته التي تجعله يبدو كما لو أنه نسخة معاصرة تحاكي أجمل البنايات الأندلسية، فضلا عن أن توجهه قد جعل من الفرس العربي الأصيل موضوعا جماليا ومتعة للعشاق والناظرين، حيث يوجد بالفندق إسطبل للخيول العربية الأصيلة، يترجم العناية الفائقة بها، توفر لها مساحات من الماء والخضرة.
والجميل في علاقة الفندق بالخيول العربية الأصيلة أنه أخذ اسمه عن فرس بنفس الاسم (سلمان)، رأى النور بموقع الفندق قبل الانتهاء من أشغال بنائه.
وشيد فندق «سلمان» على مساحة 7 هكتارات، وتعود فكرة إنشائه وملكيته إلى عائلة مغربية شغوفة بالخيول العربية الأصيلة، ولذلك تجد أفرادها أسخياء بما يكفي لكي يقاسموا المقيمين متعة مشاهدة وركوب الخيل خلال مدة إقامتهم بالفندق.
تشكيله من طرف المهندس الفرنسي المعروف، جاك غارسيا، وبناؤه من طرف أمهر الحرفيين، أعطى للفندق خاصية تجعله يمنح الزائر، خاصة المغربي والعربي، شعورا بتذكر أشياء مألوفة إليه، تبدو قريبة منه: هناك الهندسة التي تجعله قريبا من هندسة القصور الأندلسية، وهناك الديكورات وشكل الإقامة الراقي، إضافة إلى ما يقترحه المطعم من أكلات، تربط فن الطبخ المغربي بروائع الأكل العالمي، ضمن فضاءات بهيجة تمنح شعورا بالدفء وراحة البال.
ويبدو إبراز فن العيش المغربي، في مستواه الراقي، هاجسا لمن استند عليهم الملاك في الإخراج النهائي للإقامة الفندقية، مع رغبة في إخراج واحة راقية الخدمة، هادئة الروح، تلبي انتظارات سياح صاروا أكثر تطلبا، مع الجمع بين تلبية رغبة النزول بفضاءات تذكر بعوالم ألف ليلة وليلة والانفتاح على مزايا التكنولوجيات الحديثة.
ورغبة من عائلة بناني أسميرس، مالكة المشروع، في الانتهاء إلى فندق متفرد يختصر رغبتهم في تحفة فندقية، فقد جرى الاتكاء على رأي أسماء لها خبرة عالمية في مجال الفندقة، خاصة جاك غارسيا وهنري شينو وغراس ليو. يقول جاك غارسيا: «مع (سلمان)، نكون بصدد واحة. في قلب الفندق، هناك الماء المتدفق عبر ممرات تنفتح على الغرف والفضاءات المشتركة. كما أن الخضرة طاغية، تذكر، من خلال تناسقها مع المياه المتدفقة من كل جانب، بحدائق قصر الحمراء بالأندلس. الجميل في الإقامة بهذا الفندق أنك ما إن تلج غرفتك حتى تنقطع كليا عن العالم، مع الإشارة إلى أن علاقة الفندق بالخيول العربية حفزتني على إبداع يخدم الفكرة العامة التي حركت المشروع». أما غراس ليو، المعروفة بعملها في مجال الاستشارة الفندقية، فتقول: «كان المطلوب منا، كاستشاريي فندقة، أن ننسق العمل لأجل أن ينتهي الفندق مكانا ساحرا، ووجهة قائمة بذاتها، بشكل تنجح الفكرة تجاريا، أيضا. بالنسبة لفندق (سلمان)، فقد كان هدفي الأول أن أخلق توليفة متفردة تميز هذه المؤسسة عن كل الفنادق بمراكش: وقد أضاف عبد السلام بناني أسميرس مجموعته الرائعة من الخيول العربية الأصيلة، فيما يحمل الـ(سبا) توقيع وخبرة هنري شينو، أما الطبخ فمزيج رائع من التأثيرات الفرنسية وخصوصيات المطبخ المغربي».
وإلى هندسته وخدماته وميزة الخيول العربية الأصيلة، التي يوفرها، يبدو الفندق جاهزا ومجهزا لإثارة إعجاب ضيوفه بوسائل الأناقة والرقيّ، حيث يتضمّن 65 جناحا وغرفة، إضافة إلى 5 صالات رياضية خاصة، ومنازل مغربية تقليدية بحدائق داخلية خصبة. نفس الشيء ينطبق على إسطبل الخيول العربية، الذي جرى تشكيله من طرف نفس المهندس غارسيا، حيث تنضاف المراعي، التي جرى توفيرها للخيول، مع تشكيل طبيعي وخضرة طاغية، يبدو معها الفندق أشبه بقصر عامر ممتد في المساحة بطعم وسحر الواحات.
وحيث إن تيمة الفرس العربي هي محرك أساسي لفكرة الفندق، فإن أروقة وممرات وغرف الفندق تبدو غارقة في صور ومنحوتات تنقل أسطورة الحصان العربي، إذ يقف المقيم على قيمة هذه الأفراس، التي تتصف بصغر الرأس وسعة العينين واعتدال الجسم وتناسق الأعضاء وتكامل الهيكل العام والاتزان والكفاءة والقدرة على التحمل وجمال المنظر وصفاء النسب والرشاقة والسرعة.
ومن المعروف أن الخيول العربية قد حظيت، على الدوام، باهتمام الكتاب والأدباء والشعراء والمؤرخين، فأفردوا لها أشعارا وكتبا، اهتمت بخلقها وصفاتها وأسمائها وأنسابها وأنواعها وفرسانها. ومن ذلك بيت شعري للشاعر العربي الكبير، المتنبي، يقول فيه:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح
وخير جليس في الأنام كتاب
هذا دون نسيان بيته الشعري الآخر، الأشهر، الذي تحدث فيه عن الخيل والليل والبيداء والسيف والرمح والقرطاس والقلم، فيما يبقى أجمل وصف للفرس هو ذاك الذي ضمنه امرؤ القيس معلقته الشهيرة، والذي يقول فيه:
لَــهُ أيْـطَــلا ظَــبْـيٍ وَسَـاقـا نَــعَــامَــة
وإِرْخَــاءُ سَـرْحَــانٍ، وَتَـقْـرِيْــبُ تَـتْـفُلِ
وإمعانا في هذا التوجه الأصيل، الذي اتخذه فندق «سلمان»، والذي لم يترك مساحة في الفندق إلا أشار فيها إلى الفرس، حتى ولو كانت مساحة افتراضية، فإننا نقرأ، في الموقع الإلكتروني الخاص بالفندق، عن حكاية خلق الخيول العربية، ما يلي: «لما أراد الله أن يخلق الخيل، قال لريح الجنوب إني خالق منك خلقا، سيكون عزا لأوليائي، ومذلة على أعدائي، وجمالا لأهل طاعتي، (...) فقبض منها قبضة، فخلق فرسا فقال له: خلقتك عربيا وجعلت الخير معقودا بناصيتك، والغنائم مجموعة على ظهرك».
وعن موضوع الفرس العربي الأصيل، الذي تدور حوله عوالم الفندق، والذي يجسد تحقيقا من طرف الشقيقين سعيدة وعبد السلام بناني أسميرس لحلم جدهما في إنشاء المشروع بمدينة مراكش التي يتحدر منها، يقول عبد السلام: «الفرس هواية وشغف بالنسبة لي، تماما كما هي الفندقة. كان لي حظ الجمع بين الشغفين. وكما أن هناك فنادق فاخرة تعرض أعمالا فنية، فقد اخترنا أن نقيم معرضا حيا بحمولة ثقافية وحضارية يتناول أعرق وأرفع خيول العالم، يتعلق الأمر بالخيول العربية الأصيلة، التي تشكل جزءا مهما من تاريخنا وثقافتنا».
كما يتحدث عبد السلام عن علاقته بالخيول العربية، والدور المحوري الذي تلعبه على مستوى المشروع السياحي، بشغف كبير وعشق لافت، فيقول: «الفرس هو الذي يقف خلف إحداث المشروع. فندق (سلمان) أقيم حول تيمة الفرس. سعينا إلى إحداث فندق متفرد يمنح المسافر رؤية قوية بخصوص ثقافتنا. وقد أردنا أن يعيش الزبون تجربة متفردة تجد مضمونها فيما يمثله الفرس العربي، مغربيا وعربيا، وأن نقاسمه شغفنا بما يمثله هذا الحيوان، على مستوى مضمون ثقافتنا وإشعاع وتطور حضارتنا. إنها عودة إلى الأصل، بالنسبة لتألق منسي، نعيد التعرف عليه من خلال (سلمان)».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».