شاب أيزيدي يروي قصة تسلله مع صديق له إلى قريته القريبة من سنجار

خلف لـ «الشرق الأوسط»: شاهدنا مئات الجثث في الطرقات

الشاب الأيزيدي سليمان خوديدا خلف («الشرق الأوسط»)
الشاب الأيزيدي سليمان خوديدا خلف («الشرق الأوسط»)
TT

شاب أيزيدي يروي قصة تسلله مع صديق له إلى قريته القريبة من سنجار

الشاب الأيزيدي سليمان خوديدا خلف («الشرق الأوسط»)
الشاب الأيزيدي سليمان خوديدا خلف («الشرق الأوسط»)

وصف شاب أيزيدي دخل قبل أيام عن طريق سوريا إلى قريته القريبة من سنجار (120 كلم غرب مدينة الموصل) كيف أن المئات من جثث الأيزيديين كانت مرمية على الطرق والشوارع المؤدية إلى وسط سنجار والمجمعات السكنية التابعة للقضاء، مضيفا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذه القرى أصبحت الآن خالية تماما من أي وجود بشري سوى مرور دوريات لمسلحي «داعش» من حين إلى آخر لسرقة ما تبقى في بيوتها المهجورة.
وكان سليمان خوديدا خلف، 24 سنة، قد عاد مؤخرا من قريته بورك (اليرموك سابق) جنوب جبل سنجار بعد أن دخلها مع اثنين من أصدقائه لجلب أوراقهم الثبوتية التي تركوها حين سيطر مسلحو داعش على سنجار أوائل أغسطس (آب) الماضي.
وأصيب خلف بحالة نفسية بعد عودته من سنجار وقال إن نوبات تنتابه بين الحين والآخر، مؤكدا «لن أعود مرة أخرى إلى سنجار».
وروى هذا الشاب الذي كان يملك محلا لبيع الملابس النسائية في سنجار قبل سيطرة «داعش» على البلدة، مشاهداته خلال رحلته إلى مسقط رأسه والعودة منه، وقال «توجهت قبل أيام مع اثنين من أصدقائي إلى بلدتنا (بورك) لجلب وثائقنا وأوراقنا الثبوتية. لكن لا يوجد أي طريق من دهوك أو أربيل الآن إلى سنجار أو الموصل بسبب المعارك الدائرة بين قوات البيشمركة ومسلحي (داعش)، لذا اضطررنا إلى أن نتوجه أولا من دهوك إلى معبر فيشخابور الحدودي بين إقليم كردستان وسوريا الواقع على نهر دجلة حيث بقينا ليلة واحدة عند صديق لنا وفي الصباح عبرنا النهر ووصلنا إلى الجانب السوري».
ويتابع خلف «بعد السير على الأقدام لمدة أربع ساعات وصلنا منطقة تل كوجر في الجانب السوري من الحدود مع إقليم كردستان، وكنا نسمع أصوات اشتباكات مستمرة، وفي تل كوجر استطعنا أن نجد سيارة تقلنا إلى العراق مرة أخرى لندخل سنجار، مقابل مبلغ 140 ألف دينار عراقي لكل فرد منا. أوصلتنا السيارة إلى قرية تقع على الحدود مع العراق تسمى (منجور)، واستغرقت الرحلة 20 دقيقة إلى أن دخلنا الأراضي العراقية وبالتحديد بين قريتي دوهلا ودوغري جنوب جبل سنجار. كان الوقت عصرا، ومن هناك توجهنا إلى قريتنا بورك. كان هناك دوي لانفجارات وأصوات طلقات بين الحين والحين، ثم توجهنا في سيارة أخرى إلى بورك. السائق أخبرنا بأن هناك قناصين لـ«داعش» على طول الطريق المؤدي إلى سنجار، وطلب منا أن نحني رؤوسنا لأن إحدى السيارات التي كانت تسير أمامنا بمسافة تحطم زجاجها الخلفي فجأة إثر استهدافها من قبل قناص».
ويمضي خلف قائلا «وصلنا قريتنا بورك، كانت هناك العشرات من جثث الرجال والنساء الأيزيديين مرمية على الأرض في طرقات القرية.. جثث منتفخة ومتعفنة، تفوح منها رائحة كريهة بحيث أمسكنا بأنوفنا. كانت هناك حيوانات نفقت وتعفنت هي الأخرى. لم أر في حياتي مشاهد مرعبة كتلك. كانت هناك أعلام بيضاء مرفوعة فوق أسطح بعض المنازل، لأن (داعش) عندما دخل القرية طلب من الباقين فيها أن يرفعوا أعلاما بيضاء حتى لا يستهدفهم. القرية كانت خالية تماما، أكثر المنازل كانت مفتوحة وقد نهبت محتوياتها وبضمنها منزلنا. رحت أجمع وراقنا لكن الليل أدركنا فاختبأنا في المنزل. بعد ساعتين تماما، سمعنا أصوات سيارات داخل القرية، فاختبأنا في إحدى زوايا المنزل وراقبنا ما يحدث. شاهدنا عددا من سيارات (داعش) كانت تقل مجموعة من المسلحين نزلوا في القرية وبقوا فيها نحو نصف ساعة أو أكثر بقليل، ثم غادروها، إلى قرية رجم العبد القريبة من قريتنا وهي إحدى القرى العربية التي اتخذها داعش مقرا لمسلحيه، لأننا عندما مررنا بجنبها كانت تعلو منازلها أعلام داعش السوداء».
وتابع خلف «عندما دخلت إلى إحدى المنازل في صباح اليوم التالي مع صديقي بحثا عن مياه شرب وجدنا شابا ثلاثينيا في إحدى الغرف وقد أعدم شنقا. كان المنظر مروعا، فخرجنا من المنزل وتركنا القرية بسرعة وقبل أن نخرج منها بالكامل توقفنا مرة أخرى لنبحث عن مياه شرب في منزل يقع في نهاية القرية، فرأينا امرأة مسنة مقتولة في ذلك المنزل وقد انتفخت جثتها، لذا أصبت بانهيار نفسي وسقطت على الأرض باكيا من بشاعة المشاهد التي شاهدتها».
وقال خلف: «استمررنا في المشي إلى أن وصلنا إلى قرية دوغرية، لم نجد أي سيارة، فاقترح صديقي أن نسلك الطريق الثاني المحاذي لجبل سنجار لندخل إلى سوريا ومنها نتوجه إلى فيشخابور، فواصلنا المشي كنا نرى على ذلك الطريق جثث رجال ونساء ماتوا من الجوع والعطش في الطريق إلى سوريا. كنا نبكي على طول هذا الطريق إلى أن وجدنا مجموعة من السيارات التابعة لحزب العمال الكردستاني على جانب الطريق، فأوصلونا إلى منجور في الجانب السوري ودفعنا للسائق 100 دولار أميركي ثم دخلنا إلى إقليم كردستان».



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.