عد سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية برتراند بيزانسينو أن الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز لباريس التي تبدأ اليوم، متعددة الأغراض والأهداف، وتعكس عمق علاقات الصداقة بين البلدين وشراكتهما الاستراتيجية.
وفي حديث شامل مع «الشرق الأوسط»، عرض بيزانسينو تفاصيل الزيارة والملفات التي من المرتقب أن تتناولها إن كان فيما خص العلاقات الثنائية والمشاريع المشتركة ورغبة الطرفين في تعميقها وتطويرها وترجمتها إلى اتفاقات وإنجازات، أو بصدد تعاونهما الوثيق بشأن الأزمات الإقليمية التي تضرب الشرق الأوسط، ومنها العراق.
وفيما يلي نص الحديث:
* ماذا تمثل زيارة الأمير سلمان إلى باريس بالنسبة لفرنسا وبالنسبة للعلاقات السعودية - الفرنسية؟
- ولي العهد وزير الدفاع السعودي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي يرأس غالبا اجتماعات مجلس الوزراء السعودي، شخصية لها دور محوري في المملكة العربية السعودية، كما أنه صديق لفرنسا منذ فترة طويلة.
وبصفته وزيرا للدفاع، فإنه مسؤول عن قطاع لفرنسا والسعودية فيه تعاون وثيق منذ سنوات طويلة.
خلال زيارة الرئيس هولاند إلى السعودية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وجه الرئيس هولاند لولي العهد دعوة لزيارة فرنسا، واقترحنا أن تجري الزيارة الرسمية في 2014، ثم حصل اتفاق بين الطرفين على اعتماد بداية سبتمبر (أيلول) موعدا للزيارة.
أما هدف الزيارة، فإن الأمور واضحة لنا: نريد إظهار نوعية العلاقات الاستثنائية بين البلدين التي تتحلى بالثقة والصداقة بين بلدينا. صحيح أن العلاقات التقليدية بين باريس والرياض جيدة، لكن من الواضح أنه منذ عدة أشهر، عرفت هذه العلاقات تطورات إيجابية ملموسة تعود لتطابق المواقف بشأن مجموعة من الملفات السياسية الإقليمية. وهذا التقارب برز كذلك عبر رغبة السلطات في البلدين على أعلى مستوى بتوثيق وتعميق العلاقات الثنائية، وهذا ما برز خلال زيارة الرئيس هولاند للمملكة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012.
والخلاصة أننا عملنا بشكل جدي على الترجمة العملية لهذا التفاهم، وكانت النتيجة أن عام 2013 كان استثنائيا في مجال العقود الثنائية بين الطرفين؛ إذ إن قيمة العقود التي حصلت عليها الشركات الفرنسية في المملكة زادت قيمتها على 6.5 مليار يورو، نصفها عقود مدنية والنصف الآخر عقود دفاعية وأمنية. والجميع يعرف القطاعات والمشاريع المعنية، مثل مترو الأنفاق في الرياض وتتمات صفقة الصواري وغيرهما.
من الواضح إذن بالنسبة إلينا أن الغرض من الزيارة التأكيد على هذه العلاقة الثنائية المندرجة في إطار الشراكة الاستثنائية بين البلدين من جهة، ومن جهة ثانية تكريم الأمير سلمان ولي العهد الذي هو شخصية تلعب دورا بالغ الأهمية، والذي بين دائما تعلقه بالعلاقات السعودية - الفرنسية.
* ما الذي يمكن توقعه من هذه الزيارة فيما خص الملفات الإقليمية؟
- هذا يشكل الوجه الثاني المهم من الزيارة؛ إذ إن منطقة الشرق الأوسط تجتاز مرحلة دقيقة وخطيرة وهي تثير قلق دول المنطقة كما تثير قلقنا. ولذا، فإن زيارة الأمير سلمان ستكون بالتأكيد مناسبة لتعميق المناقشات والمشاورات بين باريس والرياض حول الملفات الأساسية، وهي الإرهاب وكيفية الوقوف بوجهه، والوضع في سوريا والعراق ولبنان، فضلا عن الملف الإيراني وملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وكل أوجه الملفات الإقليمية الساخنة. والجانب الفرنسي حريص على التشاور مع السلطات السعودية حول هذه الملفات والاستماع لتحليلاتها وتوقعاتها، فضلا عما يمكن أن نقوم به من عمل ومبادرات مشتركة.
* هل يتعين توقع الإعلان عن أشياء مهمة في ما خص العلاقات الثنائية؟
- خلال زيارة الرئيس هولاند إلى المملكة في شهر ديسمبر الماضي تم الاتفاق على مجموعة من التوجهات، أولها مساعدة الجيش اللبناني عبر هبة سعودية قيمتها 3 مليارات دولار تخصص لشراء أسلحة فرنسية من أجل مساعدته على حماية الأراضي اللبنانية، وثانيها توسيع الاستثمارات السعودية في فرنسا، وثالثها البدء بالتحضير لإطلاق مشروع بحري عسكري واسع، وآخرها الاتفاق على عقد اجتماع أول للجنة المشتركة حول النووي المدني. وفعلا، عقد الاجتماع الأول نهاية مارس (آذار) في باريس، وسيكون للجنة اجتماع ثان قبل نهاية العام في الرياض، الأمر الذي يظهر أن مشاريع التعاون المشتركة تتقدم بسرعة في القطاع النووي المدني. ومن المرجح أن يكون هذا القطاع من أهم مجالات التعاون للسنوات المقبلة.
إن زيارة ولي العهد ستشكل فرصة لتقويم ما توصلنا إليه حتى الآن. ومن المقرر أن نتوصل سريعا إلى الانتهاء من ملف تقديم المساعدة العسكرية للجيش اللبناني. ومن جانب آخر، نريد أن نقوم ما آلت إليه المناقشات بين وزير الخارجية الفرنسي ووزير المال السعودي حول تشجيع الاستثمارات السعودية في فرنسا التي تتناول التسهيلات للتصدير وإقامة شركات مشتركة في قطاع الصناعات الرائدة وغيرها من المجالات.
المناقشات جارية حاليا، ونود أن نتوصل، مع نهاية العام الجاري، إلى التوقيع على أول شريحة من الاتفاقات. فضلا عن ذلك، سنقوم بمناقشة تفصيلية حول ما نريد القيام به معا بشأن البرنامج البحري العسكري المشترك وحول مشاريع تعاون أخرى في مجال الدفاع الجوي والأقمار الصناعية وغيرها. ولذا، وباختصار، فإن هذه الزيارة مهمة من جهة لإبراز تقديرنا للمملكة السعودية ولولي عهدها. وهي مهمة سياسيا لما توفره من فرصة للتشاور حول المسائل الإقليمية والعمل المشترك. كما أنها مهمة لتقويم ما تحقق منذ زيارة الرئيس هولاند للسعودية العام الماضي وإعطاء دفعة جديدة للمشاريع الكثيرة التي نريد أن نحققها معا. وأريد أن أضيف أن فرنسا مهتمة للغاية بمشاريع أخرى لم آت على ذكرها مثل الطاقة الشمسية والنقل الجوي، والسكك الحديدية أو مترو الأنفاق والصحة، حيث سيوقع قريبا جدا اتفاق مع معهد باستور المتخصص أو بالنسبة للصناعات الغذائية، حيث يدور البحث حول مجموعة واسعة من المشاريع. وأعود لأذكر رغبتنا المشتركة في التعاون في القطاع النووي المدني.
* جئت على ذكر التعاون السعودي - الفرنسي بالنسبة لتسليح الجيش اللبناني. لماذا التأخير الحاصل في هذا القطاع علما بأن الجيش اللبناني يعاني من نقص التسليح وهو بحاجة للسلاح الفرنسي من الهبة السعودية؟
- لا يمكن أن نقول إنه لم يحصل شيء خلال الأشهر الثمانية الماضية، أي منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن تقديم الهبة للجيش اللبناني لشراء أسلحة فرنسية.
لقد جرت، في مرحلة أولى، مناقشات مستفيضة بين الخبراء في البلدان الثلاثة المعنية لتحديد الحاجات اللبنانية من السلاح التي يمكن أن تشملها الهبة السعودية. وفي مرحلة ثانية، قامت اتصالات مع الشركات الدفاعية الفرنسية والحصول منها على مقترحات لأسعار نريدها الأفضل للبنان، ثم هناك الجوانب القانونية إذ إننا أمام شيء جديد، حيث هناك هبة سعودية لصالح الجيش اللبناني من أجل شراء أسلحة فرنسية. إنها، من جهة، عملية مجددة على المستوى القانوني، كما أنها تحتاج لوقت من أجل تحديد الحاجات العسكرية اللبنانية والتوصل إلى اتفاق مع الشركات المصنعة وعلى المهل للتسليم، كما أن هناك المشروع الأوروبي لمساعدة الجيش اللبناني. وواضح أن ذلك كله يحتاج للوقت اللازم. ويمكنني أن أقول إننا قريبون جدا من الانتهاء من هذا الملف الذي أعده مهما لأنه مؤشر قوي لدعم المؤسسات والجيش اللبناني؛ ولأنه يظهر كم أن المملكة السعودية وفرنسا متمسكتان بسيادة لبنان واستقراره، فضلا عن أنه برهان ساطع على حقيقة الشراكة الاستراتيجية القائمة بين بلدينا.
* هل الشراكة الاستراتيجية تنسحب أيضا على الأزمة العراقية؟ هل للطرفين المقاربة نفسها بالنسبة لهذه الأزمة؟
- بالطبع. ثمة مشاورات مستمرة ومعمقة بين وزيري خارجية البلدين وتبين بوضوح أننا معا نعد، من جهة، أن التهديد الذي يمثله داعش هو تهديد جدي وخطير، وأنه، من جهة ثانية، نتيجة لما حصل أو لم يحصل في سوريا، كما أنه نتيجة للسياسة السيئة التي اتبعها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي «نجح» في تنفير قطاعات واسعة من الشعب العراقي، ومنها السنة والأكراد.
اليوم، السعودية وفرنسا رحبتا بتعيين رئيس وزراء جديد وهما تتمنيان قيام حكومة اتحاد وطني تضم كل الأطراف لأنه الطريقة المثلى لطمأنة فرقاء شعروا وعانوا التهميش لفترات طويلة. وهذا التطور، إن حصل، سيدفع من دعم داعش أو من غض النظر عن تقدمه إلى إعادة النظر في موقفه والتصرف بشكل مختلف، بداياته الرغبة في المشاركة في حكومة اتحاد وطني حقيقية تكون قادرة على إعادة بناء الدولة العراقية، وبذلك التمكن من إبعاد تهديد «داعش» ليس فقط في العراق وإنما في سوريا أيضا. وأود أن أذكر مجددا أن السعودية وفرنسا منذ البداية كانتا واضحتين بالنسبة لنقطة جوهرية، وهي أن ترك الوضع السوري يتأكّل ويهترئ، والامتناع عن مساعدة المعارضة المعتدلة بشكل جدي يساعد، من جهة، النظام السوري المجرم، ومن جهة ثانية يدفع السكان إلى أحضان منظمات جهادية متطرفة.
اليوم، يبدو واضحا لنا أنه من الضروري زيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة من أجل إبعاد التهديد الذي يمثله «داعش» أو نظام بشار الأسد.
* هل شعر الغرب بأنه في وضع حرج لأنه يجد نفسه في مواجهة داعش الذي يقاتله النظام السوري أيضا؟ هل يمكن لحظ تحولات في السياسات الغربية بسبب هذا الوضع الجديد؟
- لا أعتقد ذلك أبدا. نحن نرى أن صعود داعش جاء نتيجة لسياسة العنف والقتل التي ينتهجها النظام السوري ونتيجة للتعاون الضمني بين هذا النظام وداعش. لذا، لا أرى كيف يمكن أن تكون هناك مناسبة للتقارب مع النظام السوري لأننا نحارب داعش.
* لكن النظام السوري يعرض خدماته على الغرب!
- النظام يحاول استغلال هذا الوضع لإعادة تأهيل نفسه وإظهار أنه «مفيد». هناك وعي قوي قوامه أنه إذا أردنا محاربة داعش يتعين أيضا محاربة نظام الأسد. وأريد أن أذكر هنا أن الوزير فابيوس كان من الأوائل الذين وضعوا الإصبع على التواطؤ بين الأسد وتنظيم داعش.
من الواضح اليوم أن سياسة فرنسا والسعودية التي قامت على دعم المعارضة المعتدلة ضد نظام الأسد كانت أيضا سياسة تهدف إلى منع العناصر المعتدلة التي تحارب النظام من الالتحاق بالمنظمات الجهادية وأولها داعش. لذا، فإن النظرة المشتركة بين باريس والرياض لجهة ضرورة دعم هذه المعارضة سياسيا وماليا وعسكريا، يبدو اليوم صوابها على ضوء التطورات الأخيرة. نحن نرى أن ضعف المساعدات للمعارضة المعتدلة هو الذي جعل داعش وغيره يستقوي وخطره يزداد. كما أننا متيقنون من أنه إذا أردنا التخلص من داعش يتعين التوصل إلى حكومة وحدة وطنية في العراق ومساعدة من يقاتل ميليشيات هذه الدولة.
وللتذكير أشير إلى أننا ساهمنا بذلك إلى جانب آخرين عبر توفير السلاح للأكراد. ولا شك لدينا أن الجانب السعودي سيقوم بدوره. واليوم، لم يعد هناك مناص من تقوية المعارضة السورية المعتدلة وتمكينها من الوسائل العسكرية الضرورية التي تحتاجها والتي لم تتوقف عن المطالبة بها.
* يعني أن هناك مسؤولية غربية فيما آلت إليه الأمور في سوريا والعراق؟
- بالطبع هناك مسؤولية تتحملها الأسرة الدولية. ولكن علينا أن نشدد على أن المسؤولية الكبرى تقع أولا على عاتق من دعم النظام السوري وعلى رأسهم إيران. وفي الوقت عينه، لا يمكن التغاضي عن أننا افتقدنا إرادة التدخل رغم أن الحرب في سوريا أزهقت أرواح 160 ألف شخص.
أعتقد أنه حان الوقت لاستخلاص النتائج وتمكين المعارضة الديمقراطية السورية من الوقوف على قدميها والتخلص من نظام الأسد، وأن تقوم حكومة اتحاد وطني في العراق من أجل التخلص من الورم السرطاني الذي يمثله داعش.
السفير الفرنسي لدى السعودية: زيارة الأمير سلمان تظهر عمق العلاقات الاستثنائية بين فرنسا والسعودية
قال لـ {الشرق الأوسط} إن ملف تسليح الجيش اللبناني سينجز سريعا.. وشدد على أهمية التشاور والتنسيق بصدد الملفات الإقليمية
السفير الفرنسي لدى السعودية: زيارة الأمير سلمان تظهر عمق العلاقات الاستثنائية بين فرنسا والسعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة